طباعة هذه الصفحة

الدكتور كمال خفاش يرى تسقيفه بـ 20 ٪:

هامش ربح بـ 200 ٪ أمر غير مقبول بالمرة

حاورته: فضيلة بودريش

يرصد الدكتور كمال خفاش الخبير في التجارة، تحديات الأسواق ويقف مطوّلا عند المضاربة، ويقترح حلولا يصفها بالواقعية والفعالة، داعيا إلى ضرورة مراجعة هوامش الربح، التي قال أنه لا ينبغي أن تتجاوز حدود الـ 20 بالمائة، مبديا تأسّفه في ظل تسجيل على هوامش ربح تتراوح ما بين 100 و200 بالمائة بسبب فوضوية حرية الأسعار.  وأرجع الدكتور السبب في كون هامش ربح الوسيط يتراوح مابين 50 و 60 بالمائة، ووصف هذا السقف بغير المعقول ما  يتطلب مكانيزمات فعّالة لمراقبة الوسطاء الذين يؤثّرون على الأسعار كثيرا  ويزيدون في حدة مضاربة مضرة بالمواطن والقدرة الشرائية. التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته «الشعب» مع الدكتور.

❊ الشعب: في ظل الإصلاحات التي مست عديد القطاعات، تبقى التجارة عرضة لوضعية تتعارض مع مفهوم اقتصاد السوق، بسبب عدم فعالية  آليات الضبط أمام حرة الأسعار، ما أسباب ومبرّرات هذا الخلل؟
❊❊ الدكتور كمال خفاش: كما هو متعارف عليه فإنّ الجزائر انتهجت نظام اقتصاد السوق، وتوجد حرية في الأسعار، باستثناء بعض المواد واسعة الاستهلاك المدعمة، أما بقية السلع فهي خاضعة إلى قانون العرض والطلب، وسعرها يحدد على ضوء ذلك، أي عندما تكون الوفرة، ويستقر الطلب الأسعار دون شك تنخفض، أما إذا كان العرض لا يغطي حجم الطلب تشتعل الأسعار. لكن هذا لا يمكن أن يبرر لجوء بعض التجار إلى انتهاج سلوكات وأساليب غير مقبولة، على غرار أولئك الذين يخزّنون المنتوج، ويتم إخراجه إلى السوق في المناسبات، أي عندما يتقوى الطلب ومن شأن ذلك أن يتسبب في الندرة، وفي هذا الوضع يجب أن يتدخل جهاز الرقابة، بالرغم من وجود حرية في  الأسعار. الدولة ينبغي بدورها أن تتدخل لمراقبة تجاوزات التاجر صاحب السجل التجاري ووقف تجاوزات السوق الموازية.
الخلل يتواجد على مستوى وسطاء السّوق
❊ لوحظ مؤخّرا عودة التهاب الأسعار للمواد الاستهلاكية (الخضر والفواكه)، علما أن هذا الارتفاع غير اقتصادي وليس مبررا، في ظل وجود الوفرة وبعض المنتجات الموسمية؟
❊❊ سجّل في الآونة الأخيرة نقص محسوس في السلع المستوردة من الخارج، ما تسبّب في ارتفاعها، ولا شك أن المواطن صاحب الدخل المتوسط اكبر ضحية هذا الخلل، وبالموازاة مع ذلك المنتوج المحلي يعرف وفرة، غير أن أسعاره مرتفعة مثل البطاطا وبعض الفواكه. من المفروض أن تكون الأسعار معقولة، والفلاح يوجه إنتاجه بشكل متوازن، فلا يستثمر جميع الفلاحين في منتوج واحد.
 علينا هنا بالعمل على تكثيف جميع شعب الخضر والفواكه من المنتوج المحلي، والتخطيط إلى ذلك مسبقا ثم تقوية الاستثمار وبعد خطوة توفير الإنتاج نسير نحو تنظيم الإنتاج وحسن توزيعه، بنظرة معمقة إلى السوق نجد على مستوى التوزيع، وسطاء بين المنتجين والموزعين بالجملة، يعكفون على تسيير السوق بحرية مطلقة، منهم من يستحدث غرف للتبريد ويخزن المنتجات، ولهذا السبب ترتفع الأسعار كلما ضغطوا على السوق في فترة ما بين المواسم، أي عندما ينتهي موسم إنتاج تلك الخضر والفواكه، يخرجون ما خزن من منتجات، إذا الخلل على مستوى بعض الوسطاء في السوق، والخاسر الأول والأخير المستهلك والفلاح الذي لا يربح كثيرا.
الجدير بالإشارة، فإنّ هوامش الربح لا ينبغي أن تتجاوز 20 بالمائة، لكن أحيانا نقف على هوامش ربح تتراوح بين 100 و200 بالمائة رغم أن الأسعار حرة، والسبب أن هامش ربح الوسيط يتراوح بين 50 و60 بالمائة وهذا يمكن وصفه بغير المعقول، ويتطلب ميكانزمات لمراقبة الوسطاء، الذين يؤثرون على الأسعار كثيرا.
❊ يمكن القول أن المضاربة تعود بشكل سنوي أو صارت موسميا تهدّد القدرة الشّرائية، خاصة مع حلول شهر رمضان..لماذا لم يتم استئصالها؟
❊❊ تتكرّر الظّاهرة كل سنة وأعتقد أن جميع الأطراف معنيين بالأمر، من الضروري أن تتكرس الوفرة في المنتوج، على مستوى السوق ثم تكون المنافسة، على اعتبار أنه لما يتوفر المنتوج  الفلاحي أو المصنع، يقطع الطريق أمام المضاربين الذين يخطّطون لاغتنام فرصة حلول شهر رمضان في تسويق الخضر والفواكه والألبسة وجميع المواد الاستهلاكية القابلة للتخزين، ويتم طرحها بأسعار جنونية. لذا المستهلك عليه أن يدرك ما هي أولوياته بالتحديد، ولا يقتني كل ما يعرض عليه إذا كانت الأسعار مبالغ فيها أخذا بعين الاعتبار قاعدة السوق التي تؤكّد أن من يعاقب التاجر بشكل جيد فهو المستهلك.
تنظيم المهنيّين لتحديد الخلل ورصد التّجاوزات
❊ أرست الدولة آليات عديدة من أجل ضبط السّوق مثل غرف التّبريد ودعم الفلاّحين، فتحوّلت من نعمة إلى نقمة، لأن ذلك لم ينعكس على السّوق والقدرة الشّرائية، كون المواطن أول من يدفع الثمن..لماذا؟
❊❊ من الضروري إرساء رقابة حقيقية في الميدان وعلى أرض الواقع، وفوق ذلك يكون هناك اتصال وتحسيس مع المستهلك من طرف الإدارة والجمعيات، حتى تلعب كل جهة دورها، ومن ثم وضع نظام للاستهلاك، والجميع يتنظم من مهنيين وتجار الجملة حتى يسهل تحديد الخلل ورصد التجاوزات وتحديد من المتسبب في المضاربة.
علما أنّ الدولة لديها آليات الرقابة نذكر من بينها المفتشيات، التي ينتظر منها الكثير ومن ثم استحداث لجان مراقبة قطاعية لاداء المفتشيات والتأكد هل فعلا مراقبو  المفتشيات يقومون بدورهم.
من جهة أخرى، صار من الضروري دعم المنتجين وتحفيزهم حتى تتحقق الوفرة في مختلف المنتجات وسط السوق، بهدف مكافحة المضاربة والتقليص من حدتها، لأنّ تخزين المنتوج يولد الندرة ويفتح باب المضاربة على مصرعيه، وبالتالي يدفع الفلاح إلى الإقبال على إنتاج ذات المنتوج، ما يسفر عن ندرة في إنتاج باقي المنتجات وكثرة في المنتوج، الذي عرف الإقبال ويسوق هذا الأخير بأسعار منخفضة، بل أحيانا يؤدي إلى رمي المنتجات ويتسبب في خسائر يتكبدها الفلاح والدولة على حد سواء.
هكذا يتسنّى قمع المضاربة
❊ أشار تقرير أمريكي مؤخّرا إلى تسجيل الجزائر لمؤشّرات اقتصادية إيجابية، لكن مع بقاء إحدى العوائق التي تعرقل النّجاعة وهي السّوق الموازية؟
❊❊ القضاء على السوق الموازية لن يتحقّق بسهولة وفي وقت قصير، بل ينبغي أخذ متّسع من الوقت، وكانت في السابق قد شنّت حملات لاستئصال الأسواق غير الشرعية وتعويضها بالجوارية، لكن مازالت بعض الأطراف تنشط خارج الأطر النظامية، ومن أجل حل المشكل وطي الملف، يجب التحسيس بشكل واسع وعمل امتيازات ومحفزات للانضمام إلى السوق الشرعية.
 وعلى سبيل المثال تكون امتيازات في السنتين الأوليتين كأن لا يدفع هذا التاجر الرسوم الجبائية، وتدريجيا يمكن أن يتقلّص عدد التجار غير ألشرعيين وبالتالي يمكن معاقبة من ينشط ويمارس التجارة خارج القانون، لأنّه عندما يكون عددهم كبيرا يصعب معاقبتهم جميعا، والأمر يتطلب القيام بعملية إحصاء وتطهير وتحسيس.
❊ لجأت الجزائر إلى اعتماد رخص الاستيراد لضمان تموين منتظم للسوق، ومن جانب آخر مع الحرص على تشجيع الإنتاج المحلي..كيف يمكن تحقيق الأهداف المسطّرة وتفادي بروز ممارسات تعيق هذا التوجه بتكريس الشفافية في الأداء؟
❊❊ على ضوء قانون الاستثمار الجديد، يمكن أن يمنح للمستثمر دعما في المجال الفلاحي والصناعي، والوزير الأول وعد بوضع لجنة لدعم الاستثمار ومكافحة البيروقراطية حتى يتسنى ترقية المنتوج الوطني وتوسيع الاستثمار، وبالتالي التقليص بشكل تدريجي من الاستيراد.
❊ من الجهة الأكثر اختصاصا للأسواق الجوارية..هل الجماعات المحلية أم الإدارة المركزية؟
❊❊ يوجد رئيس البلدية كونه المسؤول الأول عنالاقليم الذي يسيره وواقع تحت إدارته، وكذا مديريات التجارة وحتى على مستوى الدوائر تكون مصالح تابعة لمديريات التجارة الولائية، أي مديريات لمراقبة محيطها، علما أنّ المديرية وحدها لديها الوسائل البشرية الكافية، لكنها غير كافية وتحتاج إلى تعزيز، ومن المفروض جميع المصالح القطاعية تتعاون حتى يتم قمع المضاربة بفعالية وبطرق نظامية لا تقبل اي خلل.