طباعة هذه الصفحة

خلافا للتوقّعات وفرة منتظمة للحليب في رمضان

في انتظار دخول الصناعيين مرحلة الاستثمار المنتج

سعيد بن عياد

لم تسجل ندرة في مادة الحليب خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر رمضان الذي شهدت فيه سوق المواد الغذائية استقرارا طبعته الوفرة بأسعار معقولة خاصة بالنسبة للخضر وبعض الفواكه المحلية.
خلافا لما أشيع عشية هذا الشهر مثل حديث العام والخاص عن ندرة متوقعة لمادة حليب الأكياس ما فتح الشهية لمنتجي حليب العلب، وكانت حقيقة مؤشرات تدعم ذلك، فإن يوميات السوق أظهرت عكس ذلك بفضل توفر هذه المادة على امتداد الوطن، حيث تراجعت درجة القلق لدى المواطن محدود ومتوسط الدخل بعد أن أصبح يعثر على مادته الأساسية لدى دكان حيه ويقتنيها بأريحية.
لقد غابت تلك المشاهد السلبية التي تعكس حالة توتر وغضب على مستوى طوابير لا تنتهي، بفضل عدة عوامل ساهمت في الحفاظ على توازن السوق، من بينها مضاعفة إنتاج حليب الأكياس المدعم من الدولة والتزام الموزعين بنقله في أفضل الظروف وفي أوقات محددة من جهة وظهور مؤشر وعي بعقلانية الاستهلاك لدى المواطن الذي تحسنت سلوكاته بالتوقف عن اقتناء كميات أكثر مما يحتاج إليه في يوم أو ثلاثة أيام من جهة أخرى.
غير أن هذا الهدوء لا يبدو أنه يتواصل بالنسبة لمادة ترتبط بالمعيشة اليومية للمواطن في ظل وجود نشاط تجاري يعتمد بدرجة كبيرة على الحليب كما هو الشأن لإنتاج المثلجات المختلفة التي تنتعش مبيعاتها في موسم الصيف، وقيام تجار بتخزين كميات معتبرة من أكياس الحليب لتحويلها إلى مواد أخرى مثل اللبن الذي يباع بأسعار مضاعفة مقارنة بسعر المادة الأساسية.
ويمثل التزام المواطن نمط استهلاك عقلاني لهذه المادة سلوكا نوعيا يساعد في تعزيز استقرار السوق والتقليص من حجم الطلب اليومي مما يفسح المجال أمام الوفرة، فيما يمكن لعمليات المراقبة وتوسيع نطاق كسر مراكز الاحتكار والمضاربة أن تضمن استقرار سوق الحليب التي تتطلع إلى بروز مؤشرات إيجابية لإرساء برامج للاكتفاء الذاتي وتقليص الاستيراد من جانب المنتجين ومربي الأبقار حول سياسة واقعية تجسدها مشاريع في الميدان يكون لها طابع اقتصادي يتكفل بكافة جوانب الإنتاج والجمع والمعالجة والتحويل والتخزين والتوزيع.
والواقع تحتاج شعبة الحليب، بكافة المتدخلين في نشاطها بجوانبه الفلاحي (تربية الأبقار الحلوب) والصناعي (تحويل المادة إلى مسحوق أو حليب سائل) والتجاري (شبكات التوزيع الجهوية والمحلية)، إلى إعادة صياغة ورقة الطريق الخاصة بها ضمن النموذج الجديد للنمو الذي يصنف الفلاحة والصناعة التحويلية ضمن الأهداف الحيوية الأولى للمرحلة الراهنة التي تعرف توجها لتوسيع نطاق الحد من الاستيراد.
وفي هذا الإطار يقع على عاتق الصناعيين أكثر من غيرهم دور ملموس في إنجاز أهداف التحول الاقتصادي على مستوى شعبة الحليب وذلك بضرورة انخراطهم في ديناميكية النمو من خلال توجههم إلى الاستثمار المباشر أو بالشراكة مع مربي الأبقار حول مشاريع كبيرة خاصة وأن الدولة سطرت خيارات تعزز مناخ الاستثمار الفلاحي الإنتاجي مثل تخصيص أراضي ملائمة لتربية الأبقار وإنتاج العلف خاصة في الهضاب العليا ومختلف مناطق الجنوب التي لها مناخ مناسب كالواحات.
ويعتبر رفع تحدي الاكتفاء الذاتي في مجال الحليب واسع الاستهلاك للأسر الجزائرية ومختلف الصناعات الغذائية ذات الصلة المعركة الأولى في مسار بناء التحول الاقتصادي في المدى القصير، ذلك أنه علاوة على انعكاساتها المباشرة على احتياطي الصرف بالعملة الصعبة بحمايته من التراجع بفضل تقليص الاستيراد والتحرر من التبعية لكبار المنتجين في العالم وخاصة أوروبا، فإنها تساهم في توفير فرص العمل وإنتاج القيمة المضافة والتوجه إلى التصدير وتنشيط الدورة الصناعية المحلية من خلال بروز مؤسسات صغيرة ومتوسطة وأخرى مصغرة تستفيد من مرافقة الدولة شريطة التزام أصحابها بعمليات الاستثمار التي تندرج في إطار التوجهات الكبرى للنمو.