طباعة هذه الصفحة

تحديات تستدعي مضاعفة الجهود وحشد الإمكانيات

تجاوز النقائص بالاستثمار ودخول الأسواق الخارجية

سعيد بن عياد

يمكن للسوق الموازية المساهمة في التحول الاقتصادي ضمن معايير الشفافية
الطاقات المتجددة وترشيد النفقات عصب النموذج الجديد للنمو

«يمكن للمرفق الإداري العمومي حديث النشأة التأسيس لذهنية إدارية حديثة لا مجال فيها للبيروقراطية المعطلة للنمو، بل يمكنه أن يكون محركا لعجلة التنمية بما هو متوفر وفقا لحجم كل مشروع استثماري».
تلوح في أفق المدى القريب تحديات اقتصادية واجتماعية تتطلب مضاعفة الجهود على كافة المستويات من أجل رفعها وتجاوز تداعياتها في ظل استمرار إفرازات الصدمة المالية الخارجية خاصة تراجع إيرادات المحروقات التي يتواصل انكماشها بالنظر لتقلبات سلبية تشهدها أسواق المحروقات.
أكبر تحد تواجهه الجزائر إنجاز خيار التحول الطاقوي من خلال إرساء برنامج واسع وشامل للطاقات المتجددة وأولها الطاقة الشمسية التي لم تعد محور بحث بقدر ما هي في صلب مسار النموذج الجديد للنمو القائم على الاستثمار في الإمكانيات المحلية الطبيعية والمادية التي تزخر بها البلاد وتتطلب التفاف كافة المتعاملين والشركاء حوله لتأمين الطاقة البديلة بأقل كلفة مما يمنح للمؤسسة الاقتصادية والمستثمر فرصة أكبر لبلوغ النجاعة التي تحسم معادلة التنافسية التي يتجه إليها الاقتصاد الوطني بجميع مكوناته بما في ذلك المؤسسات العمومية والخاصة، التي لا يوجد أمامها مزيد من الوقت لتجاوز النقائص والفجوات باعتماد المبادرة الاستثمارية والرغبة القوية في بلوغ الأسواق الخارجية.
ومن شأن هذا التوجه الاستراتيجي الذي يعني كل الفاعلين الاقتصاديين في مختلف القطاعات المالية والإنتاجية والتسويقية أن يوفر جانبا معتبرا من الموارد التي يحتاج إليها مطلب النمو ومن ثمة التقليل من عبء الصدمة المالية الخارجية، ولعلّ من أكبر المعنيين بهذا المتعاملون في السوق الموازية حيث تتداول كتلة مالية هائلة حان الوقت لأن تلعب دورها في دواليب الاستثمار الإنتاجي ضمن معايير الشفافية المطلوبة بعيدا عن أي ممارسة بيروقراطية تعرقل هذا المسعى.
وحتى لا يستنزف وقت إضافي أمام عجلة الاستثمار يبرز تحد آخر يتعلق بالعقار الصناعي الذي طال أمد معالجته بالرغم من التصريحات والقرارات، وبدل انتظار إحداث مناطق صناعية جديدة ذات كلفة، تم الحسم في الملف بمواصلة فعالة لعملية تطهير المناطق الحالية من خلال الحرص على استرجاع الفضاءات والأوعية العقارية غير المستغلة ومتابعة تلك التي «ضاعت» ضمن صفقات لم يستفد منها الاقتصاد الوطني.
غير أن أكبر امتحان في الظرف الراهن يتمثل في تنمية ثقافة ترشيد النفقات على كافة المستويات لتوفير حجم معتبر من الموارد المالية التي تخصص لقطاعات تنتج الثروة وتساهم في إنجاز النمو، فيما يتم بالموازاة إطلاق نقاش وطني- كما أعلنه الوزير الأول أمام مجلس الأمة بمناسبة مناقشة مخطط عمل الحكومة- حول إعادة بناء نظام الدعم المالي للدولة دون مساس بالمكاسب التي يكرسها الخيار الاقتصادي والاجتماعي للدولة انسجاما مع المرجعية التاريخية الوطنية التي تضع مبدأ التضامن الوطني العادل والمتوازن في الصدارة.
وبالرغم من صعوبة المرحلة التي تحمل مؤشرات تستدعي اليقظة الاقتصادية مع إدراك كافة الشركاء لحتمية التكاتف فإن تجاوز الظرف في المتناول ضمن الخيارات الحيوية التي سطرها رئيس الدولة ومن أبرزها عدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية وإبعاد الخوصصة من ورقة الطريق والتأكيد على تحرير المبادرة الاستثمارية مع مرافقة نوعية للمشاريع في الجنوب والهضاب العليا، حيث يتوفر مخزون هائل من الموارد الطبيعية والطاقات البشرية التي يعول عليها في تجسيد التحول الاقتصادي، خاصة مع التوجه لتعزيز التنظيم الإداري المحلي بإحداث ولايات وأخرى منتدبة جديدة تسهر على تجسيد البرامج الاقتصادية وفقا للخصوصيات المحلية.
وفي هذا الإطار يرتقب أن يكون التنظيم الإداري المحلي غير ذلك المتعارف عليه بحيث يجب أن تبرز ذهنية إدارية ذات طابع اقتصادي تحرص على التواجد في الورشات الصناعية الصغيرة والمتوسطة والمحيطات الفلاحية وكل القطاعات التي يعول عليها في تصحيح المعادلة المالية بما في ذلك العمل وفق مقاربة جوارية لتحصيل الضرائب والمحلية وجمع الرسوم المقننة وإطلاق برامج محلية تنتج الثروة مهما كانت قليلة، بحيث تتحول الإدارة المحلية إلى مركز تحفيز اقتصادي من خلال مرافقة المستثمرين وجذب اهتمامهم عن طريق التواصل المستمر خاصة وان الوسائط التكنولوجية تسمح بذلك.
ويمكن للمرفق الإداري العمومي حديث النشأة أن يؤسس لذهنية وسلوكات إدارية حديثة لا مجال فيها لترسبات البيروقراطية المعطلة للنمو، بل يمكنه أن يكون محركا لعجلة التنمية بما هو متوفر محليا أو جهويا وفقا لحجم كل مشروع استثماري. وتعتبر السياحة والفلاحة والخدمات ذات الصلة من المجالات المؤهلة لذلك على اعتبار أنها لا تتطلب موارد مكلفة بقدر ما تعتمد نجاعتها على كفاءة العنصر البشري واحترافيته على كافة المستويات من صاحب المشروع إلى آخر عنصر في السلسلة الإنتاجية.