طباعة هذه الصفحة

المقاولة الرّيفية في قلب التّنمية

حلول واقعية للتّحرّر من النّشاط الموازي

فضيلة بودريش

تتوفّر المناطق الرّيفية على مقوّمات وثروات هامّة تنتظر إقحامها في المعركة التّنموية، في ظل تطلّع المرأة للتّموقع في خارطة النّشاط الاقتصادي بقوّة، إذا ما تمّ فتح أبواب المرافقة والتّحسيس وكذا التوجيه، ويأتي ذلك في ظل تسجيل ما لا يقل عن 40 بالمائة نسمة، ينتشرون في المنطقة الريفية الثرية بالمادة الأولية الخام وكذا بالثروة البشرية التي تملك روح الابتكار.
وبالموازاة مع ذلك لديها القدرة على استحداث الثروة وخلق مناصب شغل، ومن ثم السير نحو تغير وجه المنطقة الريفية..إذا المقاولة النّسوية في المناطق الريفية يمكن أن تشكّل موردا مهمّا للثّروة، وبالتالي تغير وجه الريف والدفع به نحو تغيير واقع يحاصره التهميش والعزلة، إلى السير بخطوات ثابتة للتواجد في قلب النشاط الاقتصادي السريع، والمفضي إلى تمتّع المناطق النائية والريفية على حد سواء بالرفاه والحركية الصناعية، التي لا تخلو من الابتكار والنابضة بالتنمية والحياة.
إذا حان الوقت لإقحام عنصر مهم في النشاط الصناعي والحركية الاقتصادية، من خلال فتح جميع أبواب التشجيع والمرافقة وحتى التمويل بالنسبة للمشاريع التي أثبتت جدوتها وفرضت نفسها في الحياة الاقتصادية، وبالعودة إلى الحديث عن أهمية المقاولة النسوية خاصة الريفية يمكن الوقوف على بعض الرؤى والمقترحات التي تقدم حلولا لتشجيع المرأة الريفية على التوجه نحو المقاولة والقفز بها إلى قلب الحركية الاقتصادية.

استحداث آليات للمؤسّسات النّسوية

اعتبرت فتيحة راشدي ممثلة جمعية الجزائريات رئيسات المؤسسات، وكذا رئيسة مؤسسة تكوين وخدمات «ساف»، أنّ المؤسّسات النّسوية بصورة عامة تكون في العادة مصغّرة جدّا، وفي أغلب الأحيان عندما تتواجد في الريف فإنّها تنشأ في البيت وتبقى فيه، لكنه حسب تقديرها في الوقت الراهن بدأت الأمور تتغيّر بشكل لافت، في ظل بروز فئة تتطلّع لإنشاء المؤسسات المصغّرة. واغتنمت راشدي الفرصة لتقترح الشّروع في التفكير لاستحداث ميكانيزمات خاصة بالمؤسسات النسوية، لتقدّم حلولا واقعية للمرأة من أجل الانتقال من النشاط الموازي إلى النشاط الاقتصادي الرسمي، أي ضرورة وجود آليات محسوسة، وكذلك أهمية أن تتوجّه المرأة لاستعمال التكنولوجيا وتكون بالإضافة إلى كل ذلك منخرطة في الشبكات، أما فيما يتعلق بالعراقيل والصعوبات التي تواجهها المرأة الريفية المقاولة،أوضحت راشدي تقول بأنّه يسجّل نقصا في الإعلام وإلى جانب حاجة المرأة إلى المرافقة وغيابها عن البحث الذي يفضي إلى الابتكار.
ويلتقي العديد من الخبراء حول مسألة أنّ التنمية الريفية تتطوّر عن طريق مرافقة اقتصادية حقيقية، ويرون أنه حان الوقت لوضع برنامج قروض للمؤسسات المصغرة، مشدّدين على أهمية التحسيس على التأمين ضد الكوارث، على اعتبار أنّ تطوير مقاولة المرأة الريفية يحتاج إلى إطلاعها على كيفية تفادي الإخطار، وعلى اعتبار أنها من الأمور التي ينبغي أن ترافق التنمية الريفية، من أجل تطويرها على أن تكون هذه المرافقة من طرف آليات اقتصادية عامة.
وهناك من يدافع عن أهمية إرساء برنامج للمؤسسات المصغرة، كون 40 بالمائة نسمة تتموقع في المنطقة الريفية، ويحتاج ذلك إلى ميكانيزمات وبالإضافة إلى الخروج عن التمويل التقليدي وتبني ميكانزمات أخرى للتمويل. وبالموازاة مع ذلك ينبغي الإشارة إلى أنّ التأمينات شهدت في السنوات الأخيرة عصرنة، بل وصار التأمين من الأدوات  الاقتصادية التي تساهم في تأمين المشاريع وضمان حياتها من أي خطر خارجي لعوامل الطبيعة أو البيئة مثل الحرائق والزلازل.
التّعاونيات مفتاح مواجهة المنافسة
 من جهتها باية زيتون إطار في قطاع الفلاحة، سلطت الضوء على أهمية التعاونيات، حيث أكّدت على وجود قوانين جديدة بالنسبة للتعاونيات، وتطرّقت في سياق متصل إلى فئة النساء اللائي لديهن نشاطات ومؤسسات صغيرة، وتحدّثت عن إمكانية اجتماعهن في تعاونية حيث سيكون لهن انشغال واحد مشترك، أي مجموعة من النساء المقاولات يستحدثن مؤسسة يقمن بتسييرها ومراقبتها معا بطريقة ديمقراطية من طرف جميع العضوات، وحسب رأيها هنا يكمن الفرق ما بين مؤسّسة ربحية ومؤسسة تنشأ في إطار تعاونيات. وبالموازاة مع ذلك كشفت أنّ هذه التعاونية توفر لهن العديد من الخدمات والامتيازات، من بينها التقليص من التكاليف لدى اقتناء المادة الأولية، حيث التعاونية تقلص من ذلك، وكذا هذا الاستثمار لديه قوة في مجال التسويق أي بعد الانتقال من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة التسويق، وبالتالي يصبح للمرأة المقاولة القدرة على المنافسة أي تكون أمامها العديد من الحلول متاحة.
وذكرت زيتون أنّ النّساء الرّاغبات في استحداث تعاونيات ينبغي أن يدركن أنّ التعاونية لديها مبادئ وقيم يجب أن تحترم، على سبيل المثال أن التعاون مع بعضهن البعض وكذا التضامن والشّفافية في كل مراحل الإنتاج إلى غاية التسويق، وبالإضافة إلى الرّقابة تكون من طرف جميع الأعضاء وهناك كذلك المساواة، وإلى جانب التكوين والتحسيس وتكون هناك قدرات في عدة مجالات سيتم تثمينها، وإذا كان ضعف بعض العضوات فإن التعاونية مجبرة على تقديم المساعدة.
وكانت عايدة كابوية رئيسة لجنة المقاولات النسائية لمنتدى رؤساء المؤسسات خلال تواجدها بملتقى حول المقاولة النسوية الريفية من مدينة بوسعادة، قد اقترحت في دعوتها إلى تقديم يد العون للمقاولة النسوية الريفية في كل ما يتعلق بتسويق إنتاجها، وبناء شركات مع أرباب العمل والمؤسسات الاقتصادية من أجل فتح أمامها فرص التسويق.
علما أنّ «الأفسيو» يحرص على خلق موقع إلكتروني موجه للمرأة الريفية حتى يتسنى لها عرض إنتاجها وتسويقه، والكشف عن قدراتها الإنتاجية وتطوير مشروعها الاستثماري، عن طريق القفز إلى مجال الجودة والإنتاج بكميات معتبرة لخوض غمار المنافسة الشرسة عبر الأسواق، حيث تمنح لها فرصة التموقع عبر الأسواق لتضمن تدفق مستمر للإنتاج وخلق الثروة، وبالتالي فك العزلة والانفتاح على الحركية الاقتصادية التي ينبغي أن تنتشر في أبعد نقطة من الوطن ولدى مختلف الشرائح القادرة على العطاء.
لا يخفى أنه خلال السنوات القليلة الماضية، بات اهتمام أكبر بالمقاولة النسوية، وبالتالي إشراك المرأة في مختلف القطاعات في الحياة الاقتصادية لأنه يعرف عن المرأة كفاءتها ونزاهتها وجديتها في العمل، وفوق ذلك قدرتها على التسيير الراشد والابتكار، وتمّ التفطن إلى أهمية خوض حملات تحسيسية معمّقة لدى الفئات التي يمكنها أن تنشط في المجال الاقتصادي وسط شريحة النساء، ولا يمكن في هذا المقام تجاهل التحديات التي تواجهها المرأة المقاولة وكذا آفاق تطوير مشروعها الاقتصادي، خاصة إذا كانت تعيش في الريف، لذا فإنّ المقاولة النسوية بلا شك في حاجة إلى تعزيز فرص الاستفادة من المقاولة من خلال التعرف على آليات التمويل والاطلاع على تجارب أخرى ناجحة للاستفادة من نقاط قوتها وتفادي نقاط ضعفها، وإلى جانب منحها فرص للتكوين، وفي ظل الإرادة الموجودة لدعم المرأة اقتصاديا وتمكينها من الاستثمار وفرض إنتاجها عبر الأسواق..فهل يتم استحداث برامج وطنية لدعم المقاولات النسائية بهدف تعزيز ريادة الأعمال النسائية في الجزائر من أجل استغلال كل القدرات والطّاقات الحيّة..؟