طباعة هذه الصفحة

البروفيسور حشماوي محمد:

دواعي هذا القانون تجديد الهياكل الاقتصادية، تعزيز التنافسية والتأسيس للحوكمة

حاوره: سعيد بن عياد

يشرح البروفيسور في الاقتصاد محمد حشماوي دواعي اللّجوء إلى إصدار قانون عضوي يتعلّق بقوانين المالية كما يشرح في هذا الحوار المزايا التي يحملها هذا النص الدستوري الذي تمّت المصادقة على مشروعه قبل أيام من طرف مجلس الوزراء. كما يقدّم قراءته للمستجدات التي يحملها هذا التشريع الذي يعزّز الإطار القانوني لأدوات تسيير المال العام من خلال التحكم في كافة جوانب قانون المالية خاصة رصد الاعتمادات وتخصيصها بشكل ينسجم مع مسعى النمو. ويعتبر البروفيسور أن هذه المقاربة الجديدة في إدارة المال العام عن طريق مثل هذا التشريع ستكون حافزا لتشجيع الاستثمارات وإدارتها بشكل جيد وستعمل على تقليص المديونية العامة وتحقيق ما يسمى بالقاعدة الذهبية أي تحديد نسبة معينة للعجز من الناتج الداخلي الخام.

«الشعب»: يوجد توجه لاعتماد قانون عضوي يتعلّق بقوانين المالية مستقبلا، ما هي دواعي هذا التشريع؟
البوفيسور محمد حشماوي: شرعت الجزائر منذ أواخر القرن الماضي في سلسلة من الإصلاحات الهيكلية تهدف إلى تجسيد دولة القانون وتجديد الهياكل الاقتصادية لتعزيز تنافسيتها والتأسيس للحوكمة الجديدة بالإصلاح الدستوري الذي باشره السيد رئيس الجمهورية سنة 2016، الذي جاء يتوّج هذه السلسلة من الإصلاحات، حيث شكّل هذا الإصلاح الدستوري منعطفا تاريخيا في المسيرة الديمقراطية من خلال وضع مبادئ استقلالية وتوازن السلطات والحكم الراشد.
لهذا يندرج هذا القانون العضوي في إطار تطبيق وتكييف التشريع الساري مع أحكام الدستور الجديد من جهة، وفي سياق التزام الجزائر بإصلاح منظومة المالية العامة والتوجه إلى مقاربة تعتمد على النتائج في إعداد قوانينها المالية وليس على المواد المتاحة فقط.
- ما هي الأهداف التي يرمي إليها هذا القانون الذي يكتسي طابعا دستوريا؟
 ينبغي الإشارة أولا إلى أن القانون العضوي يهتم بالسياسة المالية والاقتصادية على المدى الطويل وهو أكثر شأنا من القانون العادي، ولأهميته يخضع للرقابة السابقة للمجلس الدستوري. ولهذا فالقانون العضوي يسمح بتجاوز مبدأ السنوية للميزانية ويسمح أيضا بالبرمجة الثلاثية التي يعتمد على النتائج أي تحقيق أهداف الإستراتيجية وما يترتّب عنها من تكاليف إجمالية.
للقانون العضوي لقوانين المالية عدة أهداف إستراتيجية يمكن أن نذكر منها:
. معالجة العجز المالي والاختلال في ميزان المدفوعات والتأخر في الوفاء بالالتزامات المالية للدولة.
. تحسين محتوى قانون المالية والسماح بتكييفه مع الأحكام الجديدة للدستور في مجال المالية ومرافقة الديناميكية التي جاء بها النموذج الاقتصادي الجديد والمساهمة في تعزيز الإصلاح الإداري كاللامركزية والإقليمية.
. تعزيز دور قانون المالية كأداة لتنفيذ السياسة العمومية والاستراتيجيات القطاعية وتحقيق توزيع عادل لفوائد النمو مع الحرص على التوازنات المالية للبلد.
. تعزيز نجاعة وانسجام السياسات العمومية مع تحسين الخدمات المقدمة للمواطن والتحكم في النفقات المرتبطة بها.
. إعداد قوانين مالية وفقا للإستراتيجية التنموية مع متابعة وتقييم مدى تنفيذ هذه الإستراتيجية.
- ما هو الجديد الذي يحمله هذا القانون؟
 الجديد في هذا القانون هو خلق فلسفة جديدة لإدارة وتسيير المال العام، فلسفة تعتمد على النجاعة والشفافية ومراقبة الحسابات والبرمجة الجيدة للميزانية وتحديد المسؤولية لكل المتدخلين في العملية.
 والجديد الآخر في هذا القانون هو الانتقال من المقاربة الكلاسيكية لتسيير المالية العامة التي تعتمد في توزيع النفقات على الموارد المتاحة والتي وصلت إلى حدودها إلى مقاربة جديدة تعتمد على النتائج المحقّقة وتوزيع النفقات حسب الأهداف والاستراتيجيات القطاعية المحلية والجهوية المسطرة. ويقترح كذلك هذا القانون إعداد ميزانية لثلاثة سنوات بدل السنة الواحدة ويسمح بخلق آليات للحوكمة لمواجهة الوضعيات الطارئة كاللجوء للاعتمادات الملحقة أو الحسابات الخاصة أو القوانين المالية التصحيحية.
وبالإضافة إلى الأهمية التي يوليها هذا القانون للبرمجة الجيدة وحسن التنفيذ وتوضيح الأهداف ومسؤولية المتدخلين، يسمح بهامش للمناورة للمسيرين ويضفي مرونة أكثر في التسيير بغية تحقيق الأهداف المحدّدة سلفا وتقديم حساب النتائج، ويعمل هذا القانون أيضا على تعزيز دور البرلمان في مناقشة ومراقبة وإعداد الميزانية منذ مراحلها الأولى، ولهذا يدعو إلى مشاركة البرلمان منذ المرحلة الأولى في إعداد الميزانية ووضع الآليات الضرورية لتنفيذها ومراقبتها.
- ما علاقة القانون بالمديونية والاستثمار:
 سبق وأن ذكرت أن من أهداف هذا القانون هو معالجة العجز والاختلالات المالية، وعليه فإن المقاربة الجديدة هي وضع قواعد جديدة لتوزيع النفقات للحدّ من التداخل بين نفقات التسيير ونفقات الاستثمار والحدّ من تأجيل اعتمادات الاستثمار لتجنب إعادة التقييم والرفع من تكاليف الاستثمارات، وذلك بإلزام الدوائر الوزارية على إعداد ميزانياتها مرفوقة بالبرامج والآليات الضرورية لتنفيذ هذه البرامج وتحقيق الأهداف المسطرة لأن هذه الدوائر تخضع إلى تقييم توقعات ونتائج برامجها من الجهات المختصة لذلك.
ولا شك أن هذه المقاربة الجديدة في إدارة المال العام والتي تعتمد على النجاعة والشفافية ستكون حافزا لتشجيع الاستثمارات وإدارتها بشكل جيد وستعمل على تقليص المديونية العامة وتحقيق ما يسمى بالقاعدة الذهبية أي تحديد نسبة معينة للعجز من الناتج الداخلي الخام.
ولنجاح هذه الإصلاحات المالية التي تهدف إلى إعطاء ديناميكية جديدة للنمو وخلق التوازنات المالية الكبرى والحدّ من المديونية العامة وعدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية واحترام الالتزامات مع الشركاء الأجانب كصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وغيرها، ينبغي تبني مقاربة اقتصادية وسياسية شاملة تؤمن بالإصلاحات الهيكلية والاستثمارات المنتجة والاستثمار في التكوين والبحث العلمي والتكنولوجي لتنويع الاقتصاد والخروج من موارد الريع وتحقيق النمو والتنمية المستدامة ومواجهة التحديات في صورها المختلفة التي تطرحها العولمة.