طباعة هذه الصفحة

عالم الشغل في ظلّ الإصلاحات

مكاسب هامة وتحديات مصيرية

سعيد بن عياد

يتزامن إحياء اليوم العالمي للشغل هذه السنة مع جملة من المؤشرات التي ترسم معالم المنظومة الاقتصادية في ظلّ خيارات بعنوان الإصلاحات الضرورية باتجاه دفع وتيرة النمو من خلال التحسين المستمر لمناخ الاستثمار، بما يضع المؤسسة الاقتصادية في جميع القطاعات في مأمن من مخاطر محتملة تحملها تقلبات الأسواق.

وبهذه المناسبة يحتفل الاتحاد العام للعمال الجزائريين وفقا لبيان أصدرته المركزية النقابية بالموعد تحت عنوان السيادة الاقتصادية وترقية الانتاج الوطني داعيا جميع العمال والعاملات للتجنّد والتضامن لحمل ترقية الصناعة الوطنية كونها محرك الإنتاج الوطني وعامل إنشاء مناصب العمل وتحسين القدرة الشرائية ولذلك أصبح من الواجب أن يتجنّد الجميع في عالم الشغل لحماية السيادة الاقتصادية بوصفها مكسب للمجموعة الوطنية.
 لا يزال عالم الشغل في بلادنا يتمتّع بمكاسب لها ثقلها الاقتصادي والاجتماعي بفضل التوجهات الكبرى لمسار اقتصاد إنتاجي ومتنوع يجري بناؤه بالرغم من التداعيات السلبية للصدمة المالية الخارجية. ومن بين ما يرصد في هذا المجال اختفاء هاجس تسريح العمال وغلق المؤسسات ومواصلة تطهير التراكمات المخلفة من سنوات سابقة أخلت بالتنظيم وبالموارد بل يسجل تحسن في إنشاء المؤسسات عن طريق المقاولاتية بكل أصنافها انطلاقا من تكريس حرية المبادرة وإزالة المعوقات البيروقراطية وانفتاح البنوك على جميع الخدمات بما فيها التي تخضع لقواعد الصيرفة الإسلامية من أجل حشد وتجنيد كل الموارد المحلية لتعزيز الاستثمار.
 ولعلّ من أبرز المؤشرات الواعدة التوجه إلى أسواق إقليمية من أجل تموقع المؤسسة الجزائرية في الخارج عن طريق التصدير إلى إفريقيا، خاصة حيث يمكن تحقيق القيمة المضافة، بدليل أن كبريات الشركات العالمية تتسابق إليها. غير أن الملاحظ بفعل تلك التقلبات أن هاجس البطالة يلوح في الأفق المتوسط، مما يحمل تهديدا لمناصب العمل ويعرقل التطور الاجتماعي فيما ينعكس تدهور إيرادات النفط على قوة القدرة الشرائية التي تفقد بعض صلابتها مما يستدعي الرفع أكثر فأكثر من معدل النمو الذي يتمتّع هذه السنة بمكاسب يجمع عليها الخبراء لكن في المدى القصير جدا تحسبا لتغير المعطيات في السنة القادمة إذا لم يعوض الاقتصاد خارج المحروقات الفارق الذي يتبخر بسبب أزمة المحروقات.
 لذلك، فإن صمام الأمان الوحيد حاليا هو الرهان على قوة العمل وجودته وفقا لمعادلة الرفع من الإنتاج والإنتاجية في القطاعات التي تتوفر على طاقات تنافسية خارج المحروقات، على غرار الصناعة التحويلية والمناجم والخدمات والفلاحة خاصة التي تتطلّب تحصينها بحماية الاحتياطات العقارية الزراعية من توسعات استثمارية تهدّد في المديين المتوسط والطويل الأمن الغذائي.
 وبالمقابل عكس المشهد في السنة الأخيرة ارتفاع حمى انعكاسات سلبية لفراغات أو فجوات لا يمكن معالجتها سوى باتخاذ الحوار الاجتماعي سبيلا لذلك، لما فيه من فضائل ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية مثل الحفاظ على وتيرة النمو بالرغم من تباطئه وحماية مناصب الشغل بل وتنميتها إلى جانب الحفاظ على الجهاز الإنتاجي. وظهر ذلك إثر سلسلة إضرابات شملت قطاعات حيوية مثل التربية والصحة واحتجاجات في أخرى سرعان ما توقفت بفضل تنشيط الحوار مع النقابات التي تبين وفقا لما كشف عنه وزير العمل أن عددا منها لا يحوز التمثيلية العمالية، كما يحدّدها القانون مما يضع المفهوم النقابي والتعددية المكرسة على محك المطابقة القانونية تفاديا لفوضى تنسف كل ما تمّ انجازه جيلا بعد جيل وتحوّل إضراب ينظمه القانون إلى ما يصنف عصيان وتمرد يمكن أن يستغله المناوئون للمواقف التقدمية لبلادنا، خاصة ما يتعلّق بالسيادة الاقتصادية والحقوق ذات الصلة من بينها المساهمة في التوازنات الاقتصادية الإقليمية والعالمية.