طباعة هذه الصفحة

مصطفى بوشامي صاحب مستثمرة فلاحية:

العمل يبدأ مبكرا وتكييف المهام مع الصيام

سعيد بن عياد

لا يمثل رمضان مشكلة للفلاحين الذين لديهم ارتباط وثيق بالأرض ويحملون انشغال المساهمة في مجهود مواصلة النهوض بالزراعة كونها أحد أسس الأمن الغذائي، كما هو الحال بالنسبة لصاحب مستثمرة غرب العاصمة مصطفى بوشامي الذي يقدّم صورة مكبرة عن يوميات العمل خلال الشهر الفضيل.
كسائر أيام السنة يبدأ النشاط اليومي في هذه المستثمرة المتخصصة في إنتاج الكروم في حدود السادسة إلا الربع صباحا، فينطلق عمال الأرض في انجاز المهام المطلوبة على مستوى مختلف مواقع المستثمرة التي لا تزال تحافظ على مساحتها الزراعية الأصلية دون أن تفقد شبرا واحد طيلة كل السنوات لتكون مثالا في الحفاظ على الأرض وحمايتها من أي اعتداء أو مضاربة عقارية
 أو غيرها خلافا لما تعرضت إليه مستثمرات أخرى ضاعت بين البناء الفوضوي أو التنازل للغير أو تركها عرضة للإهمال.
في رمضان ولمراعاة عوامل التعب نتيجة الصيام والحرص على إنجاز الأعمال التي لا تقبل التأجيل أو يحرص صاحب المستثمرة على تكييف العمل الرمضاني وفقا للمتطلبات بمراعاة الجهد الذي يبذله العمال بحيث يشتغلون لمدة سبع ساعات في اليوم مقابل أجر يعادل ثماني ساعات كما يوضحه محدثنا، مشيرا إلى أنه يشغل بين 8 إلى 10 عمال زراعيين بصفة دائمة ولديهم التأمين الاجتماعي وفي موسم الجني يشغل أعدادا من الموسميين حسب الحاجة.
ويضيف قائلا: «من أجل عدم إرهاق اليد العاملة يوجه العمال في رمضان للقيام بأعمال تخصّ صيانة العتاد وتنظيف المساحات المزروعة ومتابعة المستمرة وتفادي كل ما يمكن إدراجه في العمل الشاق. وفي إطار توفير المناخ الملائم لعمال المستثمرة يوفر لهم صاحبها الإفطار بتناول أطباق المائدة الجزائرية مع الحرص على متابعة شروط الصحة والوقاية، ويعتزم في العام القادم تخصيص عمرة لعامل وزوجته كتحفيز.

الحبوب، المواشي والكروم محرك للتحوّل الاقتصادي
وسمحت الفرصة بتوسيع النقاش لمختلف جوانب خدمة الأرض ومستقبل الفلاحة وهو الأمر الذي يمثل انشغالا وطنيا يشعر به الفلاح أكثر من غيره خاصة في هذا الظرف الذي يتميز بتحسن مؤشرات الإنتاج، خاصة المرافقة من الدولة والتساقط الجيد للأمطار من جهة وبروز تحديات الأمن الغذائي وإدراج الفلاحة في صلب النموذج الجديد للنمو.
ويبدي الرجل حسرته لما يشاهد الحزام العمراني الذي يحيط بالعاصمة وتوسع المشاريع خارج الفلاحة على حساب احتياطات عقارية توفر الغذاء وتشغل الشباب متسائلا، إلى أين تذهب الثروة البشرية التي تدخل عالم الشغل في المديين القريب والمتوسط بالنظر للأعداد الهائلة من الشباب في الثانويات والجامعات وهو مار ينبغي أن تتكفّل به الجهات المعنية لتفادي أي خلل محتمل معادلة التنمية الاقتصادية والبشرية المنسجمة.
ويعيد مصطفى بوشامي صياغة مستقبل الفلاحة إلى الرؤية السديدة التي سطّرها رئيس الدولة بنظرة استشرافية ترتكز على تقديم الدعم للفلاحة ومكافحة الاعتداءات على الأراضي الزراعية. ويعتقد أن أفضل حماية للأراضي الزراعية أن تنتقل العلاقة القانونية للفلاح مع الأرض من نظام الامتياز إلى التمليك مع وضع دفتر شروط صارم وشفّاف يمنع أي تلاعب بالأرض أو تحايل أو غيره من أعمال المضاربة.
ويثير هنا الدور المطلوب من الجهات القائمة على الفلاحة في وقت تواجه فيه ضغوطات بفعل الحاجة للعقارات لفائدة البناء وهنا يكمن التحدي الأكبر بأن يلتزم كل طرف بواجب حماية الأرض الفلاحية وعدم الاستسلام للضغوطات تحسبا للمستقبل الذي لا يمكن مواجهة حاجياته الاقتصادية سوى بأن تكون لدينا فضاءات زراعية جاهزة. ويحمل المشرفين على الفلاحة على مختلف المستويات المحلية مسؤولية كبرى إذا ما فرطوا في أراضي فلاحية بموافقتهم على تحويلها لقطاعات أخرى، على غرار مناطق صناعية جديدة.
ويرى في تحرير المبادرة خيارا فعالا لإحداث وثبة في الزراعة متسائلا حول الخلفيات وراء وضع إجراءات غير مفهومة ومثيرة لتساؤلات كثيرة مثل عدم الترخيص ببناء اصطبل لمن لا تتعدى مستثمرته 4 هكتارات ولا يمكن الحصول على جرار لمن لا تتعدى مساحة أرضه 6 هكتارات. وفي الوقت الذي يحز في نفسه تضييع فرص تؤهل الفلاحة لأن تستعيد مركزها الاقتصادي محليا وبالتصدير الهائل للخارج يدعو إلى الحفاظ على اليد العاملة المتخصصة وتنمية علاقة الفلاح مع الأرض.
ويؤكد أن نظام تسيير الفلاحة اليوم على مستوى المستثمرات يجب أن يرتقي إلى نظام تسيير مؤسسة اقتصادية مصغرة كما هو الأمر لديه، حيث يتعامل بقواعد تسيير اقتصادية تراعي الموارد الطبيعية والبشرية واحتياجات السوق وترشيد النفقات واقتصاد المياه وغيرها من العوامل التي تساعد على النجاح، مبديا تفاؤلا بنجاح الموسم الزراعي، غير أنه يتطلّع للمستقبل جيد لقطاع يعتبر قاطرة النمو خارج المحروقات. وفي هذا الإطار، يعتبر من خلال تجربته الطويلة وعلمه بشؤون الزراعة أن هناك ثلاثة أقطاب يمكن التركيز عليها لإنجاز أهداف التحوّل الاقتصادي وتتعلّق بالحبوب وتربية المواشي والكروم، بحيث يمكن بلوغ مستويات من الإنتاج تساعد بالتأكيد على تقليص فاتورة استيراد الغذاء والرفع من حجم الصناعة التحويلية والتوجه إلى التصدير. كون اللحوم والقمح والفواكه الجافة تمثل ثقلا في تركيبة الواردات ومطلوبة في السواق الخارجية، وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه المستثمرون في الصناعة التحويلية التي تبدأ أساسا بالإنتاج المحلي.