طباعة هذه الصفحة

حسابات ما بعد رمضان من خلال مؤشرات السوق

وفرة ضاعت منافعها بين المضاربة والتلاعب بالاسعار

سعيد بن عياد

خلّفت مصاريف شهر رمضان الكريم تركة مالية سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، ليس بسبب الشهر الفضيل الذي يحمل في كل سنة بركاته محملة بمسارات الالتزام بقواعد الصيام كشعيرة أساسية لديننا الحنيف ؟؟؟ بسبب عدم تحكم المستهلك في إدارة موارده المالية في ظل انكماش القدرة الشرائية تحت تأثير التداعيات المباشرة للازمة المالية.

من المفيد رصد المؤشرات الاقتصادية حول سلوكات وتصرفات المواطن مع تقلبات وواقع الأسواق الغذائية التي تحولت إلى وجهة يومية تتداول فيها كتلة نقدية هائلة بفعل ارتفاع الطلب على المواد الغذائية المختلفة خاصة تلك التي ترتبط بموائد رمضان.
على الصعيد السلوكي لوحظ للأسف استمرار ظاهرة سلبية لطالما لطخت صورة المستهلك ألا وهي التبذير خاصة بالنسبة لمادة الخبز الذي شكل نقطة سوداء لها كلفة مالية للاقتصاد الوطني بفعل استيراد المادة الأولية وللعائلة الجزائرية بالنظر لمدى الكلفة المباشرة التي تتربى على مصاريف غير عقلانية تترك آثارها على الميزانية العائلية في ظل اتساع رقعة الاحتياجات مثل أعباء العطلة والدخول المدرسي القادم مرورا بالعيد الأضحى.
أظهرت يوميات السوق خلال الشهر المنصرم مدى الفارق بين القدرات المالية المتاحة التي فقدت قوتها بفعل التضخم الذي يخيم على السوق وتحرر الأسعار بشكل واسع في غياب تنظيم محكم لدواليب الأسواق، حيث خرقت الممارسة التجارية كافة الأعراف والتنظيمات التجارية لتفرض نمطا غير سليم ضلعت فيه قيم التجارة وكأن أول مستفيد كافة المتدخلين ماعدا المستهلك الذي شكل الحلقة الضعيفة في السلسلة التجارية.
مرة أخرى فشلت الجهات المكلفة بالتجارة في فرض العمل بنظام الفواتير التي طالما لا تزال غير مدرجة في السوق يستمر التجار في التلاعب بالأسعار على كافة المستويات من أسواق الجملة إلى التجزئة مرورا بالتخزين. لذلك لم تظهر الجوانب الايجابية للوفرة مما احدث اختلالا في ميزان السوق خاصة أمام الطلب المتزايد وهو أمر متوقع في مثل هذه المواعيد التي غالبا ما تتحول إلى فرص للبعض من أجل تحقيق أرباح غير مستحقة وبدون تقديم قيمة مضافة.
 خلافا للمواسم السابقة فإن الأسعار لم تتراجع في الأسبوع الثاني من الشهر خلافا لتوقعات المتتبعين والمعنيين مما يستوجب المبادرة مبكرا بوضع معالم ضبط الأسواق بشكل جدي وعدم ترك الأمور تسير كما هي، وان كان للتقلبات المناخية العنيفة بفعل تساقط الأمطار تأثيرا على الحركية التجارية  لا تبرر حجم اتساع رقعة المضاربة والغش والاحتكار الذي انتعش بسبب الحد من الاستيراد حيث وجد البعض ضالتهم بفرض أسعار خيالية كما حصل مع مواد المكسرات والفواكه الجافة واللحوم.
بالرجوع إلى معاينة وتشخيص المؤشرات يمكن التأكيد على أن الوفرة موجودة لكافة المواد بفضل تحسن معدلات الإنتاج وتوسيع نطاق الأسواق من خلال فتح مواقع ملائمة ومضاعفة المساحات التجارية وتحرير البيع المتنقل على متن المركبات وتشجيع آلية البيع من المنتج إلى المستهلك التي تحتاج إلى تحسين من كافة الجوانب التنظيمية والمهنية والبنية التحتية.
لعل القطاع الذي لا يزال يحتاج إلى تنظيم وفقا للمعايير المهنية هو النشاط التجاري للخضر والفواكه واللحوم ومختل في المواد الغذائية؟؟؟؟ بحيث يتطلب الإسراع بوضع ترتيبات تنظيمية تشمل جرد المتدخلين في النشاط بحسب أصناف المواد المتداولة وتحديد مواقع عملهم وتأهيلهم من خلال لعب الجماعات المحلية دورا جواريا فعالا وشفافا يدمج النشاط الموازي في الإطار القانوني لتتضح البيانات بأكثر دقة.
كما لفرق مراقبة النوعية مسؤولية محورية في تغيير صورة المشهد الراهن المتميز بنقائص لا يمكن القفز عليها وذلك عن طريق الحرص على متابعة كل ما يتصل بالجودة والسلامة الصحية عن طريق وضع بطاقية لتتبع مسارات المنتوجات التي تدخل السوق لتحديد مصدرها ومختلف المحطات التي قطعتها وتوجد اليوم الأدوات التكنولوجية الرقمية التي تساعد على وضع شبكة معلوماتية تجارية لانجاز هذا الهدف الجوهري الذي يؤسس لتجارة احترافية.
ما يمكن رصده في كل هذا المشهد أن السوق عرفت وفرة غير أن غياب ثقافة استهلاك وممارسة تجارية احترافية أفقد الأسواق توازنها لتضيع الايجابيات أمام السلبيات التي يمكن معالجتها ضمن رؤية واضحة تعيد ترتيب البنية التحتية للتجارة وإدراجها في مسار التطور من خلال رد الاعتبار للعناصر الأخرى في قاعدة اقتصاد السوق منها المراقبة الدورية والصارمة ليكون لمفهوم حرية النشاط وحرية الأسعار معنى اقتصاديا.
إلى متى يبقى جانب تحديد بنية الأسعار وتركيبة عناصرها الحلقة الأصعب في الأسواق بحيث لا يعرف المستهلك مدى الفائدة التي يتحصل عليها التاجر فتضيع الحقيقة بين تقلبات حركية لا يتحكم فيها تنظيم أو عراف مهنة التاجر. إنها المهنة التي تحتاج إلى تأطير ومرافقة مع إضفاء شفافية ليكون كل طرف على درجة من الاقتناع بان ما يحصل عليه يستحقه سواء سعلة للزبون أو ربح للتاجر.