طباعة هذه الصفحة

المهرجان الدولي العاشر للموسيقى السيمفونية

الموسيقى..لغة كونية عابرة للحدود

أوبرا الجزائر: أسامة إفراح

 

صنعت الموسيقى السيمفونية العالمية لنفسها مكانا في القائمة المفضلة لما يحب كثير من الجزائريين سماعه. ولعل أحسن دليل على ذلك الإقبال الكبير الذي يشهده كل سنة المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية، الذي انطلقت دورته العاشرة أول أمس السبت بأوبرا الجزائر، وتتواصل إلى الجمعة 19 أكتوبر، بمشاركة 15 دولة منها روسيا كضيف شرف، كما أنّها دورة الاحتفاء بـ 60 سنة من العلاقات الجزائرية الصينية، و100 سنة على ميلاد الزعيم نيلسون مانديلا. هذه الدورة التي رُفعت إلى روح الفنانين جمال علام ورشيد طه، دليل آخر على أن الموسيقى لغة كونية تنضوي تحتها الإنسانية جمعاء.

كانت البداية بكلمة لمحافظ المهرجان عبد القادر بوعزارة، اعتبر فيها أن هذه الطبعة العاشرة مميزة برمزيتها وضيوفها ومضمونها، كما رفع هذه الطبعة إلى روحي جمال علام ورشيد طه فقيدي الأغنية الجزائرية. أما وزير الثقافة عز الدين ميهوبي فوصف هذه الطبعة بأنها «طبعة الصداقة بامتياز»، في غشارة إلى علاقات الجزائر المتميزة مع روسيا (ضيف الشرف) والصين (في الذكرى 60 لعلاقات البلدين).
ميهوبي: الإقبال على الموسيقى
 الكلاسيكية نتاج تراكم
قبل ذلك، قال الوزير ميهوبي في حديثه إلى الإعلام، إن الإقبال الجماهيري على الموسيقى الكلاسيكية نتيجة تراكم لسنوات من انتشار هذه الموسيقى، التي بدأت في عهد عبد الوهاب سليم أين كان التركيز أكثر على الطابع الجزائر، إلى أن أصبح للأوكسترا السيمفونية كيان وبرنامج، والتنقل في كل المدن الجزائرية، وجاء المهرجان لتكريس هذا المجهود والعمل الكبير الذي يقوم به المعهد العالي للموسيقى، واهتمام وسائل الإعلام بهذه الموسيقى التي صار لها محبوها.
وبما أن هذه الطبعة العاشرة تصادف مرور 60 سنة على العلاقات الجزائرية الصينية، فسيكون حفل يوم 20 أكتوبر الذي سيحييه الجوقان الجزائري والصيني موعدا لافتتاح الاحتفالات الثنائية، ببرنامج صيني في الجزائر وبرنامج جزائري في الصين، يقول ميهوبي. كما تزامنت هذه الطبعة مع مئوية ميلاد مانديلا، وذكّر ميهوبي بتميز العلاقات الثنائية بين البلدين وخاصة مكانة الجزائر في قلب «ماديبا».
وأشار الوزير إلى التعاون مع كبريات المدارس والأوبرات في العالم، مؤكدا على أهمية التكوين، وأضاف: «وضعنا نواة لأوركسترا جهوية في وهران، وأخرى في باتنة، وكذا في منطقة القبائل لـ «سمفنة» الموروث الثقافي في المنطقة»، إضافة إلى أوركسترا الشباب وهي أوركسترا رديفة يُعتمد عليها في مناسبات عدّة.
سألنا الوزير عن إمكانية التأسيس لمهرجان كلاسيكية أخرى يتبع تزايد الأوركسترات وعدد الدارسين والموسيقيين في هذا المجال، فأجاب بأنه سيكون لقاء سنوي للمدارس المختصة في هذه الموسيقى، وكل منها يقدم تجربته، إلى جانب مشروع مع «لوندا» للتكفل بدعم وتمويل أوركسترا الشباب.
كما سألنا الوزير عن مدى رضاه عن أداء أوبرا الجزائر التي تحتفل بالذكرى الثانية لتدشينها، فعبّر ميهوبي عن رضاه، وقال إن مؤسسة دار الأوبرا تجتهد لتقديم التنويع وما زال أمامها عمل كبير، وأضاف أن هذا الصرح مفتوح أمام من يقدمون مشاريع تليق بسمعة دار الأوبرا، ولا تقتصر فقط على البرامج الخاصة بالفرق التابعة لها.
تكريم وعرفان..وسابعة بيتهوفن هديّة المهرجان
أدّى الصوتان الأوبراليان الباريتون باس الجنوب أفريقي ثابانغ سينيكال والسوبرانو الروسية إيرينا تيفيان مقطوعات لموزار، فيردي، تشايكوفسكي، فاسيلي سولوفيوف، نجيسا، سواء في أداء منفرد أو ثنائي. كما أدى ثابانغ سينيكال مقطوعة باللغتين العربية والإنجليزية تكريما للزعيم نيلسون مانديلا «ماديبا»، لحّنها المايسترو أمين قويدر.
كما اقترحت الأوركسترا السيمفونية لأوبرا الجزائر على جمهورها السيمفونية السابعة لبيتهوفن في سلم لا الكبير تصنيف Opus 92، وهي سيمفونية من أربع حركات للمؤلف الموسيقار لودفيغ فان بيتهوفن، ألّفها بالتوازي مع سيمفونيته الثامنة وذلك بين سنتي 1811 و1812، حينما كان يعالج حالته الصحية، وهي الفترة التي التقى فيها غوته. هذه السيمفونية التي لاقت نجاحا كبيرا، عُزفت لأول مرة في 8 ديسمبر سنة 1813 في فيينا، تحت قيادة بيتهوفن نفسه، خلال حفلة موسيقية خيرية من أجل الجنود النمساويين والبافاريين الجرحى في معركة هاناو خلال الحروب النابوليونية. وكان بيتهوفن يسعى من وراء هذه السيمفونية إلى توسيع الأوركسترا بشكل أكبر مما هو متداول حينذاك.
تتميز سابعة بيتهوفن باعتمادها بدرجة كبيرة على الإيقاع، وبتنوع كبير بين الحركات التي تكونها، حتى أن شارل فاغنر أطلق عليها وصف «تمجيد الرقص».
ورغم هذا التنوع والتداخل الذي يزيد من صعوبة الأداء، تبين تحكم المايسترو قويدر وعازفيه منذ البداية في هذه القطعة الموسيقية العالمية.
ثم جاء دور الحركة الثانية من سيمفونية بيتهوفن السابعة..هي الحركة التي طُلب من بيتهوفن إعادة عزفها، بل وصار شائعا عزفها بشكل منفصل..وهي الحركة التي دفعت فخامتها ورقيها المخرج توم هوبر إلى توظيفها في فيلمه «خطاب ملك» الحائز على الأوسكار. أعترف أنها الجزء المفضل لدي في هذه السيمفونية بل وأرى فيها واحدة من أحسن مؤلفات بيتهوفن الموسيقية، وقد أدّاها موسيقيو الأوركسترا الجزائريين، ومرافقيهم من موسيقيين روس، أداءً راقيا إلى أبعد الحدود. وبإتمام الحركتين الثالثة والرابعة الأكثر سرعة وزخما، ضمن المايسترو أمين قويدر وجوقه الموسيقي وابلا من التصفيق والإعجاب، ورأينا بأمّ أعيننا كيف انتقل الجمهور، بعد عشر سنوات من هذا المهرجان، من مقطوعات كلاسيكية منفردة شهيرة ومتداولة إلى سيمفونية كاملة تفوق الأربعين دقيقة من الزمن.
وكان ختام السهرة بقطعة «آفاق» للماسترو حسين بويفرو، التي تضمنت مقطوعات موسيقية جزائرية منها «أورسترو» (دعوني أحكي) لجمال علام و»عبد القادر يا بوعلام» لرشيد طه، الفنّانان اللّذان رحلا عنّا مؤخرا.
بوعزارة: الموسيقى الجزائرية
 تُعزف في العواصم العالمية
عبّر المايسترو عبد القادر بوعزارة، محافظ مهرجان الموسيقى السيمفونية، ومدير المعهد الوطني العالي للموسيقى، في أكثر من مرّة عن فضل الموسيقى الكلاسيكية في نشر الروائع الفنية الجزائرية في العالم. وأضاف بوعزارة أن العديد من المقطوعات الجزائرية تعزفها الأوركسترات في العواصم العالمية، بفضل التوزيع الموسيقي المجدّد الذي أدخله مبدعون وأكاديميون جزائريون على هذه المقطوعات، وذكر من بين هؤلاء المرحوم المايسترو رشيد صاولي.
كما أنّ الأوركسترا السيمفونية الجزائرية هي من بين القلائل التي جابت كل ربوع الوطن، بزيارتها 47 ولاية، إلى جانب مشاركتها في مختلف التظاهرات العالمية خارج الوطن. وإلى جانب الموهبة الموسيقية، يربط بوعزارة نجاح هذه المساعي بالعلم، والاعتماد على ثلاثية ليسانس ماستر دكتوراه، والمعاهد المنتشرة في مختلف مناطق الوطن التي يتخرج منها المئات، ومنهم من سيتم تمكينه من متابعة دراسات ما بعد التدرج في الخارج. كما تأتى ذلك بتضحيات الموسيقيين والفنانين، يقول بوعزارة.
سعودي: الطّبوع الجزائرية
هي جزء من موسيقى العالم
لا يرى الفنان نور الدين سعودي، مدير أوبرا الجزائر بوعلام بسايح، أن الطبوع الموسيقية الجزائرية منفصلة عن الكلّ الموسيقي الإنساني العالمي. وجدّد لنا خلال لقاء على هامش افتتاح مهرجان الموسيقى السيمفونية، أن الموسيقى في العالم هي أشبه بقطع الأحجية (البازل)، وأن كل طبع موسيقي هنا وهناك، بما فيها الموسيقى الجزائرية باختلاف أنواعها وأشكالها، تشكّل مجتمعة هذا الكلّ المسمّى موسيقى.
لذلك، فإن تقبّل الجزائر لموسيقى الآخر ليس أمرا غريبا أو مستحيلا، كما أن تقبّل الآخر للموسيقى الجزائرية الأصيلة حدث ويحدث في أكثر من مناسبة، بدليل سطوع أكثر من اسم جزائري في سماء النجومية. وأضاف بأن وضع هذه الطبوع في قوالب الموسيقى العالمية قد يسهل هذه العملية.
ثابانغ سينيكال: سأعود إلى الجزائر بأوبرا كاملة
أكّد لنا الباريتون باس الجنوب أفريقي ثابانغ سينيكال أنه في زيارته الأولى للجزائر لمس لطفا وحرارة كبيرين لدى الشعب الجزائري، الذي يحتفي بمئوية الزعيم الراحل نيلسون مانديلا. وسيكون هذا الصوت الأفريقي العالمي حاضرا أيضا في السهرة المخصصة بلاده بعد غد الأربعاء، وأضاف سينيكال، في حديث خص به «الشعب»، أنه ينوي العودة إلى الجزائر لأداء أوبرا كاملة، وذلك برغبة ودعوة من وزير الثقافة ميهوبي.