طباعة هذه الصفحة

وسيلة للتّعبير عن انطباعات ورؤى

أسماء صنعت مجد الفن التّشكيلي في الجزائر

عنابة: هدى بوعطيح

تزخر الجزائر بشخصيات فنية بارزة صنعت لها اسما في وطنها الأم أولا وخارجه ثانيا، لا سيما في مجال الفن التشكيلي، الذي يعتبر من أصعب وأعقد الفنون، حيث يراه الكثيرون ممّن لا يستوعبون تشكيلاته بأنّه مجرد خربشات تحملها لوحات لا يفهم مغزاها إلا صاحبها، إلا أنّه وبفضل أصحاب الريشة المنمّقة جعلوا منه فنّا قائما بذاته له مدرسته وقواعده ورموزه، ووسيلة للتعبير عن انطباعات ورؤى تختلج سريرة الفنان المبدع.

الجزائر كان لها باع طويل في مجال الفنون التشكيلية، حيث ظهرت أسماء لامعة حتى قبل الاستقلال، في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات، وعلى رأسهم قامة الفن التشكيلي الفنان محمد راسم، الذي كان ينتسب إلى عائلة عريقة في هذا المجال ساعدته على البروز، والاهتمام بفن المنمنمات منذ نعومة أظافره، حيث قد قدم أول منمنمة له سنة 1917 بعنوان «حياة شاعر».

فنان مجاهد..

بفضل عبقريته تمكّن محمد راسم من إثراء هذا التراث الفني وإعطائه حسّا جماليا، مكّنته من الحصول على الجائزة الفنية الكبرى للجزائر عام 1933، إضافة إلى وسام المستشرقين، وعرضت أعماله في كافة أنحاء العالم، حيث تمّ اقتناء العديد منها من طرف متاحف عالمية.
جاهد الفنان محمد راسم خلال الحقبة الاستعمارية بلوحاته الفنية، أين حاول من خلالها إيقاظ ضمير الشعب الجزائري وإثارة غيرته، كما كان من بين الفنانين الذي مُنح الوسام الذهبي من طرف مؤسسة الرسامين المستشرقين الفرنسيين، وفي 1934 عيّـن محمد راسم أستاذا بمدرسة الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة ليدرس فن المنمنمات الجزائرية، ثم انتخب عضوا شرفيا في المؤسسة الملكية لرسامي وفناني المنمنمات لإنجلترا، لمحمد راسم مؤلفات من بينها «الحياة الإسلامية في الماضي» و»محمد راسم الجزائري».

مؤسّس الفنون التّطبيقية

فنّانون كثيرون رحلوا عن الساحة الفنية إلاّ أنّهم تركوا لوحات وأعمال تخلّد ذكراهم، على غرار أيضا الفنان مصطفى بن دباغ أحد رواد الفن التشكيلي في الجزائر وأحد أعلام الفن الجزائري المعاصر، ينحدر بدوره من عائلة فنية، التحق بن دباغ بجمعية «شمال إفريقيا للفنون الزخرفية»، وشارك بفنه للتصدي لحملات التشويه التي مارسها المستعمر الفرنسي على الجزائر.
 شارك في العديد من المعارض الدولية بمارسيليا سنة 1922، ثم بالمعرض العالمي في بريطانيا سنة 1929، ليعيّـن سنة 1943 مؤسسا للفنون التطبيقية في الجزائر، ثم درس بالمدرسة العليا للفنون الجميلة ابتداء من سنة 1955، ليتحصّل على عديد الجوائز الدولية، ليواصل مسيرته الفنية إلى غاية وفاته سنة 2006.
رائد الحركة التّجريدية في عصر الحداثة
الجزائر أنجبت أيضا محمد إسياخم، فنان تشكيلي ومصمّم جرافيك ورسّام، أحد رواد الحركة التجريدية في عصر الحداثة، وعضو في الاتحاد الوطني الجزائري للفنون التشكيلية. إسياخم ابن مدينة أزفون القبائلية، من مواليد 1928، انضم إلى جمعية طلابية للفنون الجميلة بمدرسة الفنون الجميلة في الجزائر بين سنتي 1947 و1951، وبين 1953 و1958 انضم إلى مدرسة الفنون الجميلة في باريس ليعود إلى الجزائر بعد الاستقلال، ويعتبر عضوا أساسيا في الاتحاد الوطني للفن التشكيلي.
عُيـّن رئيس ورشة رسم في مدرسة الفنون الجميلة في الجزائر، ثم مديرا لمدرسة الفنون الجميلة في وهران، تحصّل على ميدالية ذهبية بمعرض الجزائر الدولي لعمله منصة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كما استلم جائزة الأسد الذهبي الأولى لليونسكو للفن الإفريقي سنة 1980.

الفنّان العصامي..

أمّا الفنان محمد خدة فهو الرسام والنحات العصامي الذي تميّزت حياته بالبؤس والفقر، حيث لم يتلق أي تعليم أكاديمي يؤهّله لممارسة الفن التشكيلي، إلا أنّه برع في ذلك ليبدأ في رسم أولى لوحاته وهو في سن السابعة عشر، ثم اضطر إلى الهجرة صوب فرنسا عام 1952، فكان يعمل بالنهار ويرسم بالليل، وفي باريس التقى محمد خدة شخصيات فنية وثقافية من جنسيات مختلفة، وأتيحت له أن يقيم معرضه الأول في قاعة «الحقائق» بباريس عام 1955.
وبعد استقلال الجزائر سنة 1962 عاد محمد خدة إلى بلده لينظّم سنة 1963 أول معرض بعنوان «السّلام الضّائع»، ويواصل مسيرته الفنية بها بداية بتأسيس الاتحاد الوطني للفن التشكيلي، أقام عدة معارض جماعية وفردية آخرها كان في قاعة «السقيفة» سنة 1990، وقد ترك العديد من الأعمال أشهرها منحوتته «نصب الشهداء» في مدينة المسيلة، كما صمّم زرابي والتي تزيّن مطار الملك خالد الدولي بالسعودية.

نساء خلدن أسماءهن في عالم الفن التّشكيلي

نساء أيضا خلدن أسماءهن في عالم الفن التشكيلي، على غرار فاطمة حداد المعروفة بباية محيي الدين، والتي ذاع صيتها في مختلف دول العالم، اشتغلت عند سيدة فرنسية كان بيتها الواقع في الجزائر غاية في الجمال والروعة ما أبهر باية، والتي شرعت في تشكيل تماثيل صغيرة لحيوانات وشخصيات من خيالها من الطين، أعجبت صاحبة البيت بفنها فشجّعتها ودعّمتها بأدوات للرسم، وهناك اهتم بها النحات الفرنسي جون بيريساك وعرض رسوماتها على «أيمي مايغت»، تاجر أعمال فنية ومؤلف ومنتج أفلام معروف آنذاك، ومدير مؤسسة «مايغت» للفنون.
عرضت أعمالها لأول مرة على الجمهور الفرنسي بباريس سنة 1947 ونالت أعمالها نجاحا باهرا، فاهتم بها العديد من الفنانين، حتى أن بابلو بيكاسو الفنان العالمي طلب منها أن ترافقه ليعلّمها الرسم، عرضت أعمالها في كل من الجزائر وباريس والعالم العربي، كما أن الكثير من أعمالها محفوظة في مجموعة الفن الساذج في لوزان بسويسرا.
عايشة حداد أيضا من بين الفنانات اللواتي خطون خطوات ثابثة في عالم الفن التشكيلي، هي ابنة برج بوعريريج، والتي ظهرت عليها ميولاتها الفنية في سن مبكرة، حيث كانت تلقى التشجيع من قبل معلماتها، اختارت تدريس الفنون التشكيلية، بعد أن تابعت دروسا لدى السيد كاميل لورا في جمعية الفنون الجميلة بالجزائر، أنجزت خلالها عدة لوحات كانت مواضيعها «عروض خيالة»، مشاهد بحرية لبجاية ومشاهد لجماعات نسوية ذات الألوان المتعدّدة، كما أنجزت مجموعة من المنمنمات الممثّلة لمختلف مناطق الجزائر استوحتها من أعمال محمد راسم، شاركت في العديد من المعارض الوطنية والدولية أهّلتها للحصول على العديد من الجوائز.
المقام لا يتّسع هنا للحديث عن جميع الفنانين التشكيليين الذين تزخر بهم الجزائر، على غرار بشير يلس، شكري مسلي، محمد بوزيد، عبد القادر قرماز..وآخرون ينتسبون على وجه الخصوص لسنوات الستينيات والسبعينيات تركوا بصماتهم في هذا العالم الفني، اليوم ورغم تألّق فنانين تشكيليّين جزائريين في الجزائر والمحافل الدولية، إلا أنّه يمكن القول أنه في تراجع مقارنة بالسنوات الماضية.