طباعة هذه الصفحة

الفنانة التشكيلية «فريدة بن محمود»:

من سلك التعليم إلى عالم الفنون الجميلة والإبداع

قسنطينة: أحمد دبيلي

لوحات تجسّد المرأة والتراث.. وأخرى ترسم معالم المدينة

من سلك التعليم مهنتها الأولى، إلى عالم الفنون الجميلة، رحلة قادت السيدة «فريدة بن محمود»، الفنانة التشكيلية العصامية خلال العشريتين الأخيرتين إلى وضع بصماتها المميزة وفرض نفسها على الساحة الفنية التشكيلية الجزائرية من خلال لوحاتها المميزة التي قاربت 150 لوحة والتي فجّرت فيها كل طاقاتها الإبداعية. وهي الآن تبحث وبخطوات ثابتة عن تقنيات وأطر جديدة لتطوير عملها الفني وإضفاء اللمسة الإبداعية على أعمالها لترتقي إلى العالمية، وأيضا وهي تتطلّع إلى تاريخ الإنسانية باعتباره نافذة عالمية تريد الوصول ومن خلاله إلى الحرية الداخلية التي يسعى ويطمح إليها كل فنان؟، فالسيدة «بن محمود» هي واحدة من النساء الجزائريات الرصينات المبدعات اللائي يطمحن وهن يخضن عوالم أخرى إلى إثبات الذات  وتحقيق الأفضل..

بعد أربعة عقود.. حلم الطفولة يتحقّق

بدأت رحلة السيدة «فريدة بن محمود» التي رأت النور في قلب مدينة قسنطينة، منتصف القرن الماضي، مع الفنون التشكيلية منذ نعومة أظفارها وهي على مقاعد الدراسة، حيث كانت تهوى فن الرسم، وزاد من شغفها بالرسم والفن التشكيلي عموما أيضا احتكاكها بمعلمين رسامين مما شجّعها على ولوج هذا العالم ومعرفة قواعده الأولى، ولقد كانت رغبتها الأولى آنذاك  ـ حسب ما أكدته لمراسل «الشعـب»  ـ الالتحاق بمقاعد مدرسة الفنون الجميلة لصقل موهبتها وتحقيق طموحها في هذا المجال، غير أن هذا الطموح لم يتحقق، فكانت وجهة السيدة «فريدة بن محمود» مجال سلك التعليم الذي دخلته بعد تكوين في مدرسة المعلمين في منتصف سنوات الستينيات من القرن الماضي ولم تغادره حتى نهاية التسعينيات من نفس القرن.
طموح السيدة «بن محمود» في مجال الرسم والفنون الجميلة عموما لم يتوقف، بل سار مثل ظلها، خلال الدراسة وحتى سنوات امتهان التعليم، فطفا هذا الطموح الى السطح ثانية بعد ولوجها باب التقاعد لتحقق حلما لطالما راودها منذ الصغر..
منذ سنة 1998، وخلال عشريتين تقريبا، شاركت فنانتنا التشكيلية العصامية بأعمالها المتنوعة في العديد من المعارض الجماعية والفردية في الجزائر وفرنسا، وكانت أخر المعارض التي شاركت فيها داخل الوطن: «تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية ( 2015 / 2016)، مهرجان النساء المبدعات بالعاصمة (2015)، المهرجان المغاربي نوميديا بخنشلة (2016)، الصالون الأول للرمز الأمازيغي بباتنة (2016)، صالون الفنون التشكيلية بكل من البويرة، عين الدفلى وتبسة (2017)، معرض جميلات الصخر بمتحف سيرتا بقسنطينة (2017)، وأخيرا صالون الفنون التشكيلية بمدينة سكيكدة (2018).

لوان، أطياف وفسحة  من النور والأمل

تفضل السيدة «فريدة بن محمود»  ــ حسب ما أكدته  لنا ــ الرسم الزيتي باستخدام «الفرشاة والسكين» في تجسيد لوحاتها على الأنواع التشكيلية الأخرى، فقد فرضت نفسها من خلال المعارض سالفة الذكر والتي شاركت فيها بمواضيع مختلفة غير أنها في غالبيتها تنحصر في  تيارين رئيسيين: «تجسيد التراث من خلال المرأة من جهة» ومعالم المدينة والعمران» من ناحية أخرى؟.
وعن موضوع لوحاتها الأولى تقول «أنا أردت أن أجعل من المرأة ـ الرمز ـ في لوحاتي إطارا لإبراز لباسها التقليدي الذي يعتبر تراثا غنيا تزخر به مناطقنا المختلفة، هو ما يدل أيضا على اهتمام هذه الفنانة التشكيلية بهذا الزخم التراثي الهائل باعتبارها مهتمة وباحثة في «الإثنوغرافيا» في العالم المغاربي وخاصة الجزائر فيما يتعلق باللباس التقليدي للمرأة وتأثير التراث المتوسطي، وما يجب أن يلاحظه المشاهد أو المتتبع لأعمال السيدة بن «محمود» في لوحاتها هذه هي تلك الخطوط الانسيابية التي تشكل المرأة ولباسها التقليدي بألوان تضفي سحرا غير معهود على أعمالها ويميزها عن أعمال باقي الفنانين التشكيليين الآخرين، وهو ما تؤكده بنفسها على أنها ترسم وتنظر إلى رسوماتها «بعيون القلب»، فلوحاتها تفيض فيها أكثر عوالم  الأحاسيس عن عوالم  التفكير، حيث تتجسّد وحدة اللوحة من خلال تنوع الأشكال والألوان.
ومن عناوين هذه اللوحات التي جسدتها هذه الفنانة، حسب الترتيب الكرونولوجي في مجموعتها الأولى التي أفردتها لموضوع: «عالم المرأة المتسم بالأساطير، المعتقدات والخرافة» نذكر: «نساء الأهقار، جوهر ماضي الألفية، الذاكرة المقدسة.. «، وفي مجموعتها التي تعكف عليها حاليا وخصّصت دائما للخرافة نذكر: «حاملات النور، تذكر، نكران الذات، اللحن الحزين..».
 وإذا كان عالم المرأة بلباسها التقليدي قد أخذ حصة الأسد من الأعمال الفنية للسيدة «فريدة بن محمود»، فإن العمران الذي تزخر به قسنطينة ويميزها عن باقي المدن الأخرى قد أستحوذ هو الآخر على القسط الباقي من أعمالها المختلفة، وفي هذا الصدد تقول الفنانة أنها أولت اهتماما كبيرا لملامح المدينة العتيقة التي تعشقها هي الأخرى فجسّدت أزقتها في لوحاتها توثيقا للتاريخ بكل أمانة بتفاصيلها الجميلة وألوانها وظلالها، ومن مواضيع وعناوين هذه اللوحات نذكر: «مدخل حي السويقة، سيدي الجليس ومنظر للمدينة القديمة.. «، إضافة إلى عشرات اللوحات الأخرى التي تحمل نفس الموضوع.     
 مع الإشارة أن السيدة « فريدة بن محمود» لها مساهماتها في مجال النشاطات الجمعوية فهي عضو مؤسس لجمعية أصدقاء متحف سيرتا بقسنطية، ورئيسة خلية العمل لـ»الإثنوغرافيا» بنفس المتحف. كما يجب التذكير أنها ستشارك مع العديد من الفنانات التشكيليات الأخريات من 5 وحتى 7 مارس الجاري في المهرجان الثقافي الوطني الأول للفن التشكيلي النسوي والذي ستحتضنه دار الثقافة «مالك حداد» بقسنطينة، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة تحت شعار  «أنامل ... كنا».