طباعة هذه الصفحة

نساء صنعن مجد الجزائر الثقافي والفني

أسماء رحلت تاركة بصماتها خالدة وأخريات يواصلن المسير

عنابة: هدى بوعطيح

لم تكن المرأة الجزائرية أن تقبل على نفسها لتكون رهينة القيود التي تأبى أن تجعل لها مكانة في هذا المجتمع، فلم يكن لها سوى أن تنتفض وتكسّر عن نفسها حاجز الصمت، وتقول بأعلى صوتها بأنها موجودة، وقادرة على أن يكون لها دور فعال في بناء مجتمعها والرقي بوطنها، فقط  أن يتركوها تعمل..
فالجزائر من بين الدول التي أعطت مكانة للمرأة، لتتبوأ مقاعد عليا وفي مختلف المجالات، لتلج دون تردّد عالم السياسة والاقتصاد والإعلام والطب والتعليم.. وإلى جانب ذلك أثبتت وجودها في المجالات الثقافية وبرزت في مختلف الفنون، لتترك العديد من النسوة بصماتهن سواء في عالم المسرح أو السينما أو التلفزيون أو في عالم الكتابة لتظهر بذلك الروائية والشاعرة والقاصة، وحتى في عالم الطرب هناك من صنعن لهن اسما..

التحدي شعارهن..

نساء فنانات أغلبهن تحدين الجميع لتحقيق أمالهن وأحلامهن، وسيكون هنا المقام للحديث عن بعض الأسماء من بين الآلاف اللواتي صنعن مجد الفن والثقافة في الجزائر، منهن من رحلت وتركت ورائها إرثا خالدا للأجيال الصاعدة، ومنهن من يواصلن المسير إلى يومنا هذا حاملين مشعل من سبقوهن.
أول امرأة تعتلي ركح المسرح الجزائري، «عائشة عجوري» المعروفة فنيا بـ»كلثوم»، 70 سنة من العطاء الفني، اقترن اسمها بأعمال راسخة في ذاكرة الفن الرابع إلى جانب عميد المسرح محيي الدين بشطارزي، الذي اقترح عليها اقتحام هذا العالم، تاركة بذلك في رصيدها أكثر من 70 مسرحية و20 فيلما، حيث مكنها «وقائع سنوات الجمر» من أن تكون أول امرأة عربية تعتلي البساط الأحمر في مهرجان «كان» السينمائي سنة 1967.
صونيا أول فنانة تؤدي المونولوغ، امرأة اعتلت الركح بالرغم من رفض عائلتها لذلك، إلا أنها تحدّت المقربين لهان لتبدع على خشبة المسرح إما بمفردها، أو إلى جانب كبار الفنانين أمثال عز الدين مجوبي، عبد القادر علولة، سيد أحمد أقومي وآخرون.. لترحل الفنانة صونيا تاركة في رصيدها الفني العديد من المسرحيات الجماعية والفردية التي تفوق الـ50 عرضا.
فتيحة سلطان فنانة أخرى برعت على الركح، تميزت بهدوئها لتتألق سينمائيا ومسرحيا، بدايتها مع المسرح انطلقت في مرحلتها الابتدائية، حيث كانت تشارك في مسرحيات الأطفال المقدمة في مدرستها، ومن هناك كانت انطلاقتها التي تجاوزت الـ50 قرنا، أثمرت عما يقارب الـ20 عملا مسرحيا.. فضلا عن أسماء أخرى على غرار فوزية آيت الحاج، سليمة لعبيدي، ياسمينة دوار، نورية، نادية طالبي وأخريات..

وللمسرح رائداته..

وكما كان للمسرح رائداته، هناك من تألّقن في عالم الفن السابع والتلفزيون أبرزهن فريدة صابونجي والتي كانت بداياتها تلفزيونيا من خلال المسلسل الجزائري الشهير «المصير» لمخرجه جمال فزاز، لتتوالى أعملها التي تميزت أغلبها بدور المرأة المتسلطة، كما برزت في «كيد الزمان» و»المشوار».
إضافة إلى الفنانة شافية بوذراع التي أحبها جمهورها في دور «لا لا عيني» في مسلسل «الحريق»، وقدمت «مال وطني» و»خارجون عن القانون»، وبهية راشدي التي تعدّ من أبرز الوجوه التلفزيونية، والتي تنوّعت أفلامها بين التاريخية والدينية والاجتماعية، أبرزها «إمرأتان»، «حنان امرأة»، «جروح الحياة» وقد امتدت مسيرتها إلى 40 سنة من العطاء.
وحتى في مجال الإخراج برزت المرأة وإن كن على قلتهن، على غرار جميلة صحراوي صاحبة فيلم «يما» الذي لقي رواجا كبيرا ونالت به عدة جوائز دولية، إضافة إلى المخرجة ياسمينة شويخ صاحبة فيلم «رشيدة» و»إلى آخر الزمان»، وفاطمة الزهراء زعموم كاتبة ومخرجة فرانكو جزائرية، والتي قدّمت أعمالا متنوعة بين الروائي والوثائقي والقصير أبرزها «قداش تحبني»..

أول إمرأة..

أما عالم الكتابة فهو مليء بالأسماء التي سطّرت لها تاريخا حافلا وصل إلى العالمية، ومنهن الكاتبة الراحلة أسيا جبار التي نشرت أول أعمالها الروائية بعنوان «العطش» وهي لم تتجاوز العشرين من عمرها، لتواصل مسيرتها بعديد الروايات منها «نساء الجزائر»، «ظل السلطانة» و»بعيداً عن المدينة»..  تعتبر أول امرأة جزائرية تنتسب إلى دار المعلمين في باريس، وأول عربية وخامس امرأة تدخل أكاديمية اللغة الفرنسية.
إلى جانب الروائية زهور ونيسي أول سيدة تتولى منصب وزيرة في الحكومة الجزائرية، لها رصيد أدبي حافل، «الرصيف النائم»، «على الشاطئ الآخر»، «من يوميات مدرسة حرة» و»لونجا والغول».. أما زوليخة سعودي فقد تركت رصيدا من الأعمال الأدبية في مختلف المجالات كالقصة القصيرة والمسرح والمقال إما مخطوطة أو منشورة في المجلات والجرائد الوطنية، إلى جانب أسماء أخرى على غرار ربيعة جلطي وزينب الأعوج وأحلام مستغانمي وغيرهن..

أصوات نسائية  رفعت للطرب مكانه


عالم الطرب بدوره لم يخلو من الأسماء الفنية المتألقة، وعلى رأسهم فضيلة دزيرية، صاحبة الأغنية الشهيرة «أنا طويري»، بداياتها الفنية كانت من خلال الحفلات العائلية لتتواصل مسيرتها بإنشاء فرقة موسيقية، كما أنجبت الجزائر أيضا الفنانة زوليخة التي اشتهرت بأغنية «صب الرشراش»، حيث دخلت عالم الفن وعمرها لا يتعدى 11 سنة، مؤدية أغان مستوحاة من التراث الأوراسي، سجلت 30 شريطا غنائيا، ولديها نحو 120 أغنية، كما اشتهرت الجزائر بأسماء طربية أخرى من بينهن وردة الجزائرية، ظريفة، حورية عايشي، نعيمة دزيرية، نورة، صليحة وأخريات.

قطرة من فيض بحر

أما الفن التشكيلي في الجزائر فقد كانت له رائداته أبرزهن الفنانة فاطمة زرهوني، والتي اقتحمت عالم الفن التشكيلي في زمن كان فيه حكر على الرجال، لتصنع لها اسما وسط الصعوبات والعوائق التي كانت تقف في وجه المرأة آنذاك، وأيضا باية محي الدين واحدة من الأسماء المتميزة ليس في الجزائر فقط وإنما في العالم، حيث أدهشت بأعمالها الفنان العالمي بيكاسو، إلى جانب أسماء أخرى منهن عايشة حداد وخيرة فليجاني وليلى أمداح..
 لا يتسعّ المقام للحديث هنا عن جميع الكاتبات والفنانات والمطربات اللواتي أنجبتهن الجزائر وتفتخر بهن.. لتبقى هذه الأسماء قطرة من فيض بحر، لنساء صنعن مجد الفن والثقافة الجزائرية، منهن من تحدّت وتمردت على واقعها لتحقق آمالها، وتصنع لها اسما في عالم اختارته دون غيره راسمة لها مستقبلا بعيدا عن مختلف القيود والحواجز.