طباعة هذه الصفحة

الفنّان كاملي إدريس:

غياب النّقد وراء تدهور الفن التّشكيلي في الجزائر

حاورته من وهران: براهمية مسعودة

كشف الفنّان التشكيلي، كاملي إدريس، في لقاء مع «الشعب» أنّ  «دور النّقد الفني ضئيل في الوسط الجزائري، وساهم غيابه في تدهور حالة الفن التشكيلي، على أساس أنه يهدف إلى ترقية الذوق العام للمجتمع»، معتبرا أنّ «ازدهار الحركة الفنية التشكيلية منوط بالمسؤولية الملقاة على الجهات الرسمية والفنانين والنقاد والمجتمع، فكل واحد له دور محدد  في النظر إلى المشهد الفني نظرة المتفحص الباحث عن النقائص لتداركها، وعن الإيجابيات لتقويتها...».

 «الشعب»: ما تقييمك لمستوى الفن التّشكيلي في الجزائر؟
الفنّان كاملي إدريس: إنّ الفن التشكيلي في الجزائر ليس وليد الساعة، بل هو موغل في التاريخ، حيث عرفت الساحة الفنية العديد من الفنانين التشكيليين حتى منذ الحقبة الاستعمارية؛ ففي أربعينيات القرن الماضي برز الفنان محمد راسم الذي يعتبر عميد الرسامين، وهو أول من استفاد من التراث الفني العربي الإسلامي، وقد تأثّر بالفن الإيراني، وهو من روّاد المدرسة التقليدية، فقد برع في فن المنمنمات والزخرفة، وجاء من بعده الفنان محمد تمام الذي ذاع صيته؛ فبرع في التصوير والزخرفة العربية الإسلامية وفن المنمنمات، وقد تتلمذ على يد الفنان محمد راسم وواصل مسيرته، والفنان مصطفى بن دباغ الذي هو الآخر أبدع في فن الزخرفة الإسلامية، وقد دافع من خلال أعماله عن أصالة الشعب الجزائري.
لقد مثّل هؤلاء الفنانين الفن التشكيلي الجزائري أحسن تمثيل من خلال العديد من الأعمال الفنية واللوحات التي استوحى أصحابها مواضيعها من سحر جمال الطبيعة، ومن التراث الثقافي المتنوع للجزائر، وتوالت قافلة الفنانين، حيث برز بعد الاستقلال العديد من الأسماء التي خلدها التاريخ أمثال محمد اسياخم، ومحمد خدة وعلي خوجة والفنانة باية وغيرهم كثير الذين واصلوا مسيرة من سبقوهم...وإذ نستعرض كل هذه الأسماء إنما بغرض التأكيد على أصالة الفن التشكيلي الجزائري وعمقه وتوغله في التاريخ.
وما يمكن تسجيله في الآونة الأخيرة هو عدم الاهتمام بالفن التشكيلي إن على المستوى الرسمي أو الجماهيري؛ فهذا النوع من الفن يفتقد إلى ثقافة الاهتمام، حيث أصبح يقتصر على المعارض التي تقام في الأروقة الخاصة أو في المتاحف أو بعض المؤسسات الثقافية العمومية التي لا تحظى بحضور إلا القليل من المهتمين بمجال الفن.
ولعل لذلك أسباب عديدة منها ما يتعلق بالسلطة (الحكومة) متمثلة في وزارة الثقافة، ومنها ما يتعلق بالمجتمع، فالسؤال الذي يطرح نفسه ما موقع الفن التشكيلي في وعي الجماهير؟ وما هو موقعه ضمن برنامج الحكومة الثقافي إلى جانب الفنون الأخرى ( السينما، المسرح، والأدب ...)؟
ولا شك أن غياب وتغييب النّقد المتخصّص والتقويم المبني على أسس علمية من أهم الأسباب التي تؤثّر في الحركة الفنية؟
إنّ ازدهار الحركة الفنية التشكيلية مرتبط بتفاعل ثلاثة عناصر أساسية، منها النقد الفني الذي يفتح آفاقا جديدة أمام الفنانين التشكيليين للإبداع والإنتاج المتواصل من خلال ما يقدمه لهم النقد من نصائح وآراء تمكّنهم من أداء رسالتهم الفنية، وهم من يمثلون العنصر الثاني في هذا الازدهار، أما العنصر الثالث فهو المنظومة الثقافية والمعرفية والقيمية التي تعكس ذوق المجتمع وانتماءه الحضاري، فدور الفن هو خدمة هذه المنظومة، والرقي بالمجتمع إلى أعلى مستويات الذوق الجمالي والأخلاقي..
والغرض من النقد الفني هو تشجيع الحركة الفنية والدفع بها قدما إلى الأمام وتعزيز الثقافة الفنية في مجتمعنا، وقبل ذلك معرفة ما إذا كان العمل الفني قد وصل فعلا إلى مرحلة الإبداع ويستحق أن يعرض في الأروقة (Galeries).
كيف يمكنك أن تتقبّل النّقد وتجعله مصدرا للقوّة في أعمالك؟
النّقد الفني البنّاء الذي يراعي قواعد ومقاييس علم النقد يدفع الفنانين إلى تطوير أسلوبهم، ويجعلهم أسماء معروفة مشهورة في الوسط الفني، ولابد على الناقد أن يكون عارفا بتاريخ النقد والفن وعلم الجمال، مطلعا على المنجزات الفنية المعاصرة.
إن النقد الفني يقوم أساسا على التحليل وتشريح العمل الفني شكلا ومضمونا، ونقد جماليته وترجمته ويكون ناجحا يتذوق مواطن الجمال الموجودة في العمل الفني، ويجب أن نعرف أولا أنّ النقد الفني هو عملية تجعل الناقد يقرب الصورة أو العمل الفني إلى الجمهور - المتلقي - فهو ينقده ويحلّله ويفسّره، ومن واجبه أن يظهر ايجابياته وسلبياته معا، وهذا معناه التحلي بالموضوعية في النقد للعمل الفني، باعتباره علم له قواعده ومقاييسه...
ويعتمد النقد على عدة مفاهيم منها ما يرتبط بتقسيم الجودة اي جودة العمل الفني، ومنها ما يبحث في العلاقة التي تربط العمل الفني بالتفاعلات النفسية للفنان، هذا ما قاله الدكتور طارق فزاز (خليجي)، ويتضمن النقد الفني الوصف والتفسير والتقسيم و التنظير.
وأول خطوة في عمل الناقد هي الوصف لإدراك معنى العمل الفني، وبعدها تدوين أفكاره الأولية حول هذا العمل، لأن العمل الفني هو عمل استخدم فيه الفنان عواطفه ومشاعره وألوانه الخاصة به، وضمّنه أفكاره وأهدافه ومختلف العناصر الأخرى، فلا يخلو أي فن من العقل والعاطفة، فالناقد يعمل على تحديد مراد الفنان من عمله الفني، كما يحدد أيضا كيف خطط لهذا العمل، وهنا تأتي مرحلة التحليل والتفسير وحل لغزه، وبهذا يتمكّن من الوصول إلى مراد الفنان. ويتساءل الناقد مثلا: هل ما استخدمه الفنان يتناسب مع عنوان اللوحة مثلا أم لا؟ فيفسّر التوافق والتناسق أو التصارع في هذا العمل الفني بين الإشكال من جهة والألوان من جهة أخري .
❊ فإذا للنّاقد مهام كثيرة ومسؤوليات كبيرة، فما هي انعكاساتها على المبدع؟
 كذلك من مهام الناقد أن يحدّد أي جزء من العمل كان له وقعه على المشاعر، وبهذا يلفت الناقد انتباه المتلقي الجمهور إلى هذا العمل والشعور الذي تعكسه الحركة الإيقاعية للشكل واللون، وأيضا يحدّد كيف يتحدّث العمل عن نفسه دون كلمات، فهو من يعطي تفسيرات لهذا العمل، وفي هذه الحال يعوّل الناقد على لغته الجيدة للتعبير عن تأويلاته وتفسيراته للعمل إذا كان يريد أن يكون نقده جيدا يفي بالعرض ثم يصدر الحكم أو يقيم العمل ويصل إلى شيء من فهم العمل، وهنا يكون موضوعيا ويتجرد من الإسقاط الذاتي، فيركز على عناصر اللوحة ويحكم عليها.
وبعد كل هذه الخطوات يصل إلى المرحلة (التنظير) من خلال مناقشة طبيعية العمل، ويعطي رأيه بكل وضوح وموضوعية، وبهذا يجد الفنان جوابا للكثير من الأسئلة، ومنها: هل نجح العمل في شكله أم في مضمونه؟ هل تتناسق أفكاره وخطوطه (أشكاله) هل تمكن الفنان من أن يوصل الفكرة لوحته إلى المتلقي وقبلها إلى الناقد؟
 هل هناك وجود للنّقد الفني في مجال العمل التّشكيلي في الوطن العربي عموما والجزائر خصوصا؟
لقد تطوّر الفن التّشكيلي بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، وتميّزت المدرسة الفنية في بلادنا عن غيرها في المشرق العربي، وتأثّرت بالمدارس الغربية واستوحت منها الكثير من المعالم، لكن مع غياب النقد والنقاد في هذا المجال، أصبح يخشى على هذه الحركة من الاندثار، رغم أنّه يفترض أن يكون النقد العربي عريقا عراقة الفن في حد ذاته، وأن يكون موكبا له في تطوريه ومساره، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك، فالمتتبّع للحركة الفنية في بلادنا يلاحظ أن ثمة أزمة في هذا المجال...
وبدون شك فإن الحركة النقدية تتأثر سلبا وإيجابا بالواقع الثقافي الذي يسود، والعكس صحيح، فالواقع الثقافي أيضا له تأثيره على الحركة النقدية، ويعتبر الفن التشكيلي لونا من ألوان الثقافة ومظهر من مظاهرها، والذي يعبر به الفنان عن واقع مجتمعه، هذا الفن الذي يؤثر في الحركة النقدية الفنية كما تؤثر هي فيه أيضا.
ما هي عوامل ضعف هذه الحركة النّقدية في بلادنا؟
إنّ النّاقد في بلادنا لم يصل بعد إلى المستوى الذي يؤهله إلى تذوق العمل الفني، ومن بعد ذلك تفسيره، وشرحه وتقديمه إلى المتلقي، ومن يكتبون في النقد حاليا لا يخرجون عن إطار التعريف بالعمل الفني، وكتاباتهم عبارة عن مقالات تقديمية وانطباعية أو تغطيات صحفية تقرب التشكيل وتقترب منه ولا تقرؤه كما قال محمد أديب السلاوي.
ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، لعل أبرزها غياب التذوق والقراءة الجيّة، لأن النقد قبل كل شيء ما هو إلا تذوق للعمل الفني واللوحة المنجزة، وأن تقرأ هذه الأعمال وتدرك معانيها بلغتها، ولغتها هي لغة الألوان، فلكل لون لغته التي يفهما الفنان فيوظفه بمكانه المناسب في لوحته، ليأتي بعد ذلك الناقد الحاذق الذي يفك شفرة هذه اللوحة، من خلال فهمه للغة الألوان، وهناك يذكر محمد أديب السلاوي (مغربي كاتب وناقد في الفن التشكيلي)، أن اللون هو العنصر البارز في العمل التشكيل، وهو الذي يسيطر على الإستجابة الانفعالية للتصوير، كما يؤكد سلبية أو إيجابية التركيب الموضوعي والفني للعمل التشكيلي.
ومن أهم أسباب ضعف النقد الفني في مجال التشكيل هو تسارع حركة الفن، وتطورها، وهذا طبعا يصحبه ظهور مفاهيم واتجاهات جديدة في هذا المجال، الأمر الذي جعل الناقد حائرا عاجزا عن الإلمام بكل ما يستجد في مجال الفن من مفاهيم وتقنيات واتجاهات، وبالطبع عاجزا عن عملية النقد في حد ذاتها، لأن على الناقد أن يكون ذو معرفة عالية وكاملة بالفن التشكيلي.