طباعة هذه الصفحة

نسوة حملن المشعل وحافظن عليه من الاندثار

الفقيرات..تراث موسيقي عريق وتقليد راسخ في أعراس بونة

عنابة: هدى بوعطيح

الفقيرات..من بين أشهر الفرق الموسيقية التي تتميز بها عنابة، تقليد موسيقي راسخ في تقاليد وعادات أعراس هذه المدينة على وجه الخصوص، وما يقال عنه أنّه انتشر خلال الحقبة العثمانية، ليتواصل هذا النوع الموسيقي إلى يومنا هذا وينتشر بولايات الشرق الجزائري وعلى رأسها قسنطينة، سوق أهراس وعنابة، التي حافظت عليه من الاندثار.
تعتبر كلمة «الفقيرات» تصغير لكلمة «فرقة»، وتشتهر بها نسوة حملن مشعل من سبقوهن في هذا المجال ليواصلن الحفاظ على هذا التراث، الذي يعتمد في الأصل على آلات إيقاعية معينة دون غيرها، كالبندير والدف والطار هذا الأخير الذي تختص به قائدة الفرقة المكونة على الأغلب من 05 نساء، يصدح صوتهن عاليا مردّدات مدائح دينية فقط وثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام والأولياء الصالحين، دون إدخال أغاني أخرى لا علاقة لها بالمديح، مع العلم أنه يمنع على الشابات الانتساب إلى هذه الفرق، فقط كبيرات السن حتى لا يتم تحريف الأغاني التي تعتمد على المدح بالدرجة الأولى وانساب إليها كلمات هابطة قد تحيد بالمعنى الحقيقي لهذا التراث الموسيقي العريق.
يمكن القول بأنه لا يمكن أن تغيب عن أغلب أعراس بونة ما يعرف بـ «الفقيرات»، فلا يمر فرح إلا وتكون هذه الفرقة حاضرة، حيث ما تزال الأعراس بعنابة محافظة على تقاليدها بأمسيات تنشطها الفقيرات، التي ارتبطت بمجموعة من الأسماء النسوية التي تعود عليها العنابيون، ويتهافتون لحجز موعد من عند إحداهن تملك ميزة خاصة لصنع أجواء طربية تمتع الحضور وعلى رأسهم العروس.
فمن بين الفقيرات «دخلة مدحة سيدي عبد القادر»، والتي تعمل على مرافقة العروس أثناء «التصديرة»، إضافة إلى الفقيرات «زهور العنابية» الذائع صيتها بعنابة، حيث تعتبر واحدة من أشهر الفقيرات بهذه المدينة، ومن أحيت له عرسه فقد يعتبر من أفضل الأعراس ببونة..
الكثير من العنابيات لا يفوّتن فرصة إقامة أعراسهن بالفقيرات، فبدونهن يعتبر هذا الفرح ناقصا، وهذا ما أكدته لنا السيدة «حْميدة لميس» والتي قالت بأن أفراح بونة مرتبطة بهذه الفرقة، مضيفة بأن أية فتاة مقبلة على عرس، فإن أول تفكيرها مرتبط بها وعلى من سيرسواختيارها، على اعتبار أن عنابة تشتهر بها النسوة اللواتي يؤدين هذا الطابع، وقالت بأنها بدورها تفضل حضور أعراس الفقيرات، حيث يمنحن لذلك الفرح نكهة خاصة، تختلف عن بقية الأعراس التي تعتمد فقط على «الدي جي» أو مطرب ما.
وهو نفس الأمر الذي وقفت عليه «سليمة ـ ن» وهي مقبلة على الزواج خلال الأشهر القليلة القادمة، مؤكّدة بأنّها حجزت ومنذ ما يقارب العام لدى إحدى الفقيرات لتحيي لها ليلة عرسها، قائلة بأنّه لا يهمها أي شيء ليلة فرحها بقدر ما يهمها الجو الاحتفائي الكبير الذي تصنعه هذه الفرقة التي تعتبر جزءاً من تراث عنابة، وجزءاً مهما في أعراس العائلات العنابية التي تتباهى بهذا الحضور.

المطالبة بإشراك هذا الموروث في المهرجانات

أما السيدة «نادية» وتبلغ من العمر 65 سنة، فقد قالت بأن الفقيرات اليوم فهي لمن استطاع إليها سبيلا، على اعتبار المبلغ الخيالي الذي تطلبه مقابل إحياء عرس ما، مستغربة أسباب هذا الغلاء وفي نفس الوقت عن قدرة مختلف العائلات العنابية دفع هذا المبلغ، مشيرة إلى أن الفقيرات مرتبطة بأعراس بونة منذ زمن طويل، حيث كانت الأسعار فيها نوع من الرحمة، إلا أنه اليوم أصبحت هناك مبالغة، ولم يعد بمقدور أغلب الأسر إحياء أعراسها بالاعتماد على هذه الفرق النسوية التي تعتمد في أغانيها ـ حسب المتحدثة ـ على مدح خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.  
من جهتها «سليمة ـ ن»، وهي أستاذة اللغة العربية فترى بأن إحياء أعراس عنابة بالفقيرات، هو وسيلة للحفاظ على هذا التراث الموسيقي العريق، الذي يتميز به الشرق الجزائري وعلى رأسها عنابة، مطالبة من القائمين على قطاع الثقافة بضرورة الالتفاف أكثر لهذا الموروث لحمايته من الاندثار، وعدم حصره فقط في الأعراس، وإنما إشراكه في مختلف التظاهرات العنابية وحتى المهرجانات الدولية للتعريف به أكثر، وترسيخه لدى الأجيال القادمة المحبة للموسيقى.