طباعة هذه الصفحة

يجسّد عملية الانتقال من الشفهي إلى الكتابي

الكتاب باللّغة الأمازيغية.. ببطء ولكن بخطى ثابتة

أسامة إفراح

ما يزال الكتاب باللغة الأمازيغية يصارع من أجل البقاء، واكتساب مكانة أكبر في سوق النشر. وفيما يرى البعض أن مسيرة الكتاب بالأمازيغية صعبة ومليئة بالعراقيل، يرى البعض الآخر أن هامش التطور والتحسّن كبير جدا، خصوصا وأن عدد الكتب بهذه اللغة ما فتئ يتصاعد بشكل مطّرد. للحديث عن هذا الموضوع، وحضور الكتاب بالأمازيغية في المعرض الدولي للكتاب خاصة ومشهد النشر الجزائري عامّة، اقتربنا من محند سي يوسف، ممثّل دار النشر «الأمل»، الذي كشف لنا بعض خبايا النشر بهذه اللغة العريقة.
يمثّل محند سي يوسف، دار «الأمل» للنشر، بمدينة تيزي وزو، وهي الدار التي سبق لعدد من عناوينها الحصول على جائزة «آسيا جبّار» للرواية. اقتربنا منه وسألناه عن أسباب تزايد عدد العناوين بالأمازيغية مقارنة بالسنة الماضية، وأرجع سي يوسف ذلك إلى عدة أسباب، منها ترسيم اللغة الأمازيغية ودسترتها، واستعمالها في مجالات متعددة كالمدارس أو الجانبين الثقافي والأدبي: «الكثير من الكتّاب وجدوا أبواب دار النشر الأمل مفتوحة لنشر أفكارهم وإبداعاتهم في هذه اللغة، التي صار الطلب عليها متزايدا أكثر فأكثر».
هل تلبّي دور النشر احتياجات المؤلفين المتزايدين بالأمازيغية بالجودة المطلوبة؟ وهل يُعتبر ذلك كافيا؟ سؤالان طرحناهما على سي يوسف، واعتبر أن ذلك غير كافٍ، بالنظر إلى نقص الأعمال ذات النوعية، فالأولوية في إصداراتنا هي أن يكون الكتاب ذا نوعية وجودة في المحتوى.. توجد الكثير من المحاولات ولكنها غير صالحة للنشر، لهذا نجد نقائص في هذا المجال، وهو المشكل الذي واجهنا حينما نستقبل المخطوطات لقراءتها ودراستها، ونجد أن الكثير منها غير صالح للنشر».
كما اعتبر سي يوسف أن الإقبال على النشر بالأمازيغية كبير، على الأقل بحسب ما تتلقاه دار نشر «الأمل»، التي توفّر بحسبه «كل الشروط اللازمة لنشر الكتب في هذا المجال، خاصة ما يتعلق بالتصحيح والتنقيح وإصدارها في لغة أمازيغية جيدة». واستعرض سي يوسف علينا مجموعة من إصدارات الدار الجديدة، على غرار رواية علي حجاز «إفالكون إزيس تمورث» (صقر بلاد إزيس)، والمجموعة القصصية «ثفاث ثذغالت» (الضوء الأعمى) لدليلة قداش شيخ.
أما فيما يتعلّق باستعمال الحرف اللاتيني والعربي والتفيناغ ومدى تأثير ذلك على نشر الكتاب بالأمازيغية، رأى سي يوسف أن ذلك يؤثر نوعا ما بسبب غياب الحرف الموحّد، ولكن الحرف اللاتيني طغى على الحروف الأخرى لغاية الآن. «يجب توحيد الحرروف الأمازيغية وهي مهمة الأكاديمية، ولكن الإبداع والأعمال الكثيرة التي تصدر وأكثر الجهود التي بُذلت الآن استعملت الحرف اللاتيني لحدّ الآن»، يُلاحظ سي يوسف.
سألنا ممثل دار الأمل عن الطريقة التي تتعامل بها الدار مع الكاتب، وإن كانت تتكفل بتكلفة النشر كاملة أو أن النشر يكون على حساب المؤلف، فأجاب أن ذلك يتغير بحسب المشروع، فإن كان هذا الأخير يُتوقّع أن يعرف رواجا كبيرا ومبيعات هامّة فإن الدار تستثمر فيه وتطبعه على حسابها: «أيّ كتاب ننشره يحكمه عقد يحمي حقوق الطرفين الناشر والكتاب، ولدينا ثلاثة أنواع من العقود، ولكن أغلبية ما يصدر في المجال الأدبي الثقافي يكون على حساب المؤلف، ببساطة لأنها ما زالت لا تلقى رواجا كبيرا مقارنة بكتب أخرى، دواوين الشعر مثلا غير رائجة كثيرا في اللغتين العربية والفرنسية فما بالك بالأمازيغية»، يقول محند سي يوسف، مضيفا بأنه من الحلول التي تنتهجها دار النشر للترويج لهذه الكتب المشاركة في المعارض والبيع بالتوقيع على مستوى المكتبات.
يحدث في العديد من الأحيان، أن تقبل دار النشر بشكل مباشر العمل الذي ينشره الكاتب على حسابه الخاص. توجهنا بالسؤال إلى محدّثنا في هذا الشأن بالذات، وما إذا كانت «الأمل» تقبل تلقائيا مثل هذه الأعمال، وأجابنا بأن كلّ كتاب يحمل شعار دار النشر «الأمل» يمرّ على لجنة القراءة، حتى لو كان الكاتب يتكفل بتكاليف الطبع والنشر، «أي محتوى يجب أن يقرأه مختصوه، وأن يكون التصحيح والتنقيح اللّغوي، لأن العمل المتقن يبدأ من هنا.. وإذا كان الكاتب يريد أن يصدر كتابه على حسابه الخاص، دون أن يحمل علامة أو شعار دار النشر، فسنلعب في هذه الحالة دور الوسيط، ونقوم بالطبع والتصفيف وتصميم الغلاف».
من جهة أخرى، اشتكى ممثل دار «الأمل» من غياب الدعم المادي المباشر للكتاب الأمازيغي في الجزائر، واعتبر أن دولا أخرى تعتمد شراء نسخ من الكتب المنشورة وتوزعها على المكتبات العمومية على سبيل المثال، وهو شكل من أشكال الدعم، ولكن هذا غير موجود ولا يساعد النشر عموما، سواء بالعربية أو الأمازيغية أو أي لغة أخرى. «يجب أن يتم دعم الكتاب الجزائري حتى تتمكن دور النشر من البقاء، لأن الوضعية الحالية للكتاب مزرية وصعبة.. لا بدّ من التفكير في دعم سوق النشر وخاصة إحياء الثقافة الجزائرية، وأن تكون الأولوية للكتاب الجزائري على الكتاب المستورد، لأننا أولى بثقافتنا».
عن مستقبل الكتاب الأمازيغي في الجزائر، يقول محند سي يوسف، إن التطور في هذا المجال ملحوظ، وعبّر عن تفاؤله خصوصا حينما يرى أن الكتّاب الذين يتصلون بدار النشر هم من جميع الأعمار، ويأتون رغبة في نشر أفكارهم أو تدوين ما يتعلّق بمنطقتهم، مستعملين اللغة الأمازيغية. وأضاف: «أنا متفائل، ونحن نملك الحلول الملائمة لهذا النوع من الكتب، حيث نعتمد على مطبعة رقمية تسمح بطبع كتب بكميات محدودة، من 50 أو 100 أو 150 نسخة، وهو ما مكّننا من المشاركة في سيلا 2019 بـ10 كتب جديدة.. كما أن هذه الطريقة حلّ لمشكل التخزين، والناشر والكاتب يتحكمان في كمية النسخ بحسب الحاجة.. أي نشر لكتاب من الكتب يعتبر مغامرة للناشر، فقد يلقى الكتاب رواجا أو العكس».