طباعة هذه الصفحة

د.رضوان بوهيدل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر:

ضرورة التعامل مع الثقافة كأولوية في البرامج السياسية

حاوره: أسامة إفراح

 تغييبها مسؤولية مشتركة بين السياسي والمثقف

يحدثنا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، الدكتور رضوان بوهيدل، في هذا الحوار، عن موقع ومكانة الثقافة في برامج السياسيين، مكانة يرى أنها متراجعة وهو ما لا يتماشى مع أهمية الثقافة باعتبارها موروثا جماعيا، وبالنظر إلى أهمية الأمن القومي الثقافي. وعزا بوهيدل ذلك إلى مجموعة من الأسباب، حيث اعتبر أنه امتداد لغياب سياسة واضحة للاهتمام بالثقافة كمفهوم وكصورة للخصوصية الجزائرية، وأيضا إقصاء المثقف من المشاركة في وضع السياسات الثقافية، ليخلص إلى أن هذا التغييب مسؤولية مشتركة بين السياسي والمثقف وحتى المواطن.


- «الشعب»: ما هو تقييمك للموقع الذي تحتله الثقافة في برامج السياسيين الجزائريين، بشكل عام؟

د.رضوان بوهيدل: مع الأسف الثقافة لم تكن يوما ضمن برامج السياسيين، سواء مسؤولين أو أحزاب أو تنظيمات المجتمع المدني، وهذا ما لاحظناه على سبيل المثال في برامج المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية، والتي لم تولِ هي الأخرى أي اهتمام بقطاع الثقافة، وهو امتداد لغياب سياسة واضحة للاهتمام بالثقافة كمفهوم وكصورة للخصوصية الجزائرية كونها تراثا ماديا وغير مادي يجب تعزيزه والترويج له والمحافظة عليه.

^ هل هو محض تقصير من الطبقة السياسية الجزائرية أم أنه تخاذل من المثقفين في فرض أنفسهم في اللّعبة السياسية؟

^^ تغييب الثقافة من البرامج السياسية هي مسؤولية مشتركة بين السياسي من جهة وكذا المثقف من جهة أخرى وحتى المواطن كمنتج ومتلقٍ للثقافة كل. الدفع بوضع سياسات وخطط استراتيجية للقطاع هي مسؤولية الوصاية التقليدية، التي حصرت مفهوم الثقافة في عدد من النشاطات الاستعراضية، كالحفلات والمهرجانات، في عدد من المجالات الثقافية وإغفال أخرى، كالمسرح والكتاب والرسم والمتاحف وغيرها، وهذا بسبب غياب حوار مباشر مع المعنيين بالأمر، وأقصد بذلك المثقف في حد ذاته الذي أقصي من عملية المشاركة في وضع هذه السياسات الثقافية... ليتحول الأمر إلى إجراءات إدارية أكثر منها شيء آخر.

- عرف المشهد السياسي الجزائري تطورات كثيرة منذ فبراير الماضي.. هل اغتنم المثقف الفرصة لإسماع صوته وإعادة النخبة إلى لعب دورها في صناعة الرأي العام؟

 منذ 22 فيفري الماضي كان للمثقف دور كبير لإعلاء صوت الحراك... وهذا الأخير يحمل في طياته صور ثقافية كبيرة من شعارات وتنظيم تجمعات في شكل لقاءات حوارية في الشارع لعدد من الفنانين والمثقفين عموما، وخلق فضاءات مسرحية من وسط الحراك ساهمت في بداية استعادة الثقافة لمكانته ضمن الخارطة السياسية المستقبلية للجزائر، وإن كان الأمر غير كافٍ كون الثقافة لم تصبح بعد أولوية في برامج السياسات العامة المختلفة.

- هل يشكل المثقفون عنصرا معتبرا، عدديا، من الوعاء الانتخابي؟ إذا كان الجواب بلا، هل يمكن اعتبار ذلك تفسيرا لعدم اهتمام السياسي بهذا الوعاء؟

 قبل الربط بين المثقف والوعاء الانتخابي عدديا، من الأجدر إعادة صياغة لمفهوم المثقف والثقافة عموما، فإذا كان المثقف هو المواطن المتعلم والذي يكتسب مستوى تعليميا معينا، فمن المؤكد أنه يشكل نسبة معتبرة من الوعاء الانتخابي.. لكن إذا أخذنا الثقافة بمفهومها السياسي أو الإداري، فسنربطها بعدد من القطاعات كالإعلام والنشر والتوزيع والفنون الأخرى من سينما ومسرح وكتابة... وهو مفهوم ضيق للثقافة والمثقف عندما نحصره في الفنان أو الكاتب... فالثقافة هي موروث جماعي تخص كل مواطن جزائري وليس الوعاء الانتخابي فقط.
من هذا المنطلق لم يعر السياسي ولن يعير اهتماما بالمثقف في شكله الضيق، ما دام لم يتم إشراكه في صنع سياسات القطاع وإيجاد الحلول لمشاكل الثقافة... لذلك من الخطأ التعامل مع الثقافة كوعاء انتخابي وفقط.. فالأمر يمس الجميع.

- تحدّثنا عمّا هو كائن.. لنتحدّث في الأخير عمّا يجب أن يكون.. في رأيك كيف يمكن للثقافة أن تساهم في صناعة خطاب سياسي عقلاني وبنّاء؟

 لا يجب أن يكون للثقافة دور في صنع خطاب سياسي مستقبلا، بقدر ما يجب أن تكون للثقافة بكل ما تحمله من معنى مكانة ليس في الخطاب السياسي والوعود البعيدة عن المنطق، ولكن من خلال خلق سياسيات قطاعية للثقافة بإشراك المعنيين، كونهم الوحيدين القادرين على تشخيص الخلل واقتراح حلول له. كما يجب التعامل مع الثقافة كأولوية في البرامج السياسية وليس كإحدى الكماليات، وهذا لتجسيد أمن قومي ثقافيِ.