طباعة هذه الصفحة

الدّكتورة غزلان هاشمي:

الجزائر تمتلك طاقات تمكّنها من إنشاء مراكز بحثية

حاورتها: هدى بوعطيح

ترى الدكتورة غزلان هاشمي، أستاذة اللغة العربية بجامعة محمد شريف مساعدية بسوق أهراس، بأن الجهود المبذولة للنهوض بالترجمة غير كافية، أمام ما تمتلكه دولة كالجزائر من طاقات بشرية وإمكانات مادية، تمكّنها من إنشاء مراكز بحثية ومشاريع ضخمة تختص بالترجمة، حيث أعابت في حوار مع «الشعب» غياب مشروع مؤسس على ارتكازات منهجية وعلمية، مشيرة إلى أن معظم الأعمال المترجمة لا تعدو أن تكون جهودا فردية غير مؤسّسة، في الوقت الذي تحتاج فيه الترجمة إلى طابع مؤسساتي ينظّمها ويؤطّرها.

- الشعب: الكثير من المختصّين والأساتذة يرون أنه بالرغم من الجهود المبذولة من طرف الدولة، وما وفّرته من موارد مادية وبشرية، إلاّ أنّ الترجمة في الجزائر لا تعرف تطورا ملموسا، ما قولك؟
 غزلان هاشمي: لا يمكن القول إن الجهود المبذولة كافية أمام ما تمتلكه دولة كالجزائر من طاقات بشرية وإمكانات مادية، تمكّنها من إنشاء مراكز بحثية ومشاريع ضخمة تختص بالترجمة، فالجزائري لا يتعامل مع هذه المسألة بوصفها ضرورة تفرضها المثاقفة الإيجابية، التي تعنى بتوسيع المدارك والانفتاح على الممكنات الغيرية دون تماهي، بحيث تغنّي كل آخرية الذات، وتفضي إلى امتلائها من خلال احترام المغايرة والاختلاف والاحتفاء بالتعدد، وإنما تمّ التعاطي معها بوصفها ترفا فكريا، لذلك كانت الميزانية المخصّصة لها قليلة مقارنة بنظيرتها في الدول الغربية، إضافة إلى تهميش دور النشر عندنا للمترجمين، نظرا لبحثها عن الربح السريع، وعدم الاهتمام بالكتاب المتخصص بشكل عام مع تراجع المقروئية.

- وهل في اعتقادك ما تملكه الجزائر من مؤسّسات تعنى بالترجمة كافيا، وهل تملك استراتيجية واضحة للقيام بمهامها؟
 لا أظن ذلك كافيا، في ظل وجود صراعات إيديولوجية وتعمّد كلّي لإقصاء اللغة العربية من قبل أصحاب الاتجاه التّغريبي، فالخطاب الأدبي والثقافي كما نعرف مرتهن للسلطة السياسية التي ظلّت عقودا من الزمن ذات منحى إتباعي تماثلي خدمة لأغراضها ومصالحها، لذلك لم يستطع التحرر من النظرة الاستعمارية، والأمر ذاته ينطبق على كل الخطابات المعرفية، ولا أدل على ذلك من تعمّد تدريس بعض التخصصات العلمية في الجامعات باللغة الفرنسية، وإحباط أي محاولة تعريبية للمنظومة التعليمية ككل، لذلك لا يمكننا الحديث عن وجود استراتيجية واضحة متبعة، أو حتى رؤية استشرافية يمكن التعويل عليها.
علينا أولا أن نحرّر الجامعة والمؤسّسة الثقافية من المنظور الانبهاري، حتى نتحدّث عن تجربة واعية في الترجمة المتخصّصة، لأنّ الوعي بالذات أولى الخطوات نحو التعرف على الآخر دون عقدة أو تماه كلي.

- في نظرك ما يترجم في الجزائر كاف لأن نقول بأن هناك ترجمة فعلية لمختلف الإصدارات وفي مختلف المجالات دون استثناء، مقارنة بما يُترجم في الدول الأخرى؟
 إذا كانت إصدارات الدول العربية مجتمعة في الترجمة قليلة جدا مقارنة بنظيرتها في دولة غربية واحدة، فما بالك بالمنجز المعرفي المترجم في الجزائر، إذ ينقصنا الوعي بأهمية هذا المنجز خاصة ما تعلق بالنتاج الفلسفي والأدبي، ناهيك عمّا تعانيه بعض المحاولات من فوضى تفرضها صعوبة ترجمة المصطلح المتخصص، حيث يسعى البعض إلى التغلب على هذه الإشكالية من خلال استعمال التعريب، والذي يكون في غالب الأحيان غير بريء نظرا لمضمونيته وحمولته الإيديولوجية التي تحتمل تحيزا لنسقها الحضاري، إذ تنتفي معها الموضوعية والحياد.

- ما هي أبرز التّحديات التي تواجه الترجمة من وإلى العربية في الجزائر؟
 أهم التحديات التي تواجه الترجمة في الجزائر غياب مشروع مؤسّس على ارتكازات منهجية وعلمية، فمعظم الأعمال المترجمة لا تعدو أن تكون جهودا فردية غير مؤسسة، ناهيك عن نقص المترجمين المتخصّصين المتفرّغين لعملية الترجمة، إذ غالبا ما يكون للمترجم في الجزائر ارتباطات أكاديمية أخرى تعيقه، وهذا يطرح إشكالا آخر متعلقا بنقص التمويل المادي المتجه نحو هذه العملية، مقارنة بالدول الغربية، فالمترجم عادة يضطر إلى التعاقد مع دور نشر هدفها تجاري بحت، لذلك تثقل كاهله بتكاليف مبالغ فيها، وهذا الأمر يشجّع على عزوف المترجمين عن ترجمة الأعمال أوعلى اللجوء إلى الترجمة التجارية غير المتخصّصة، والتي تشيع الفوضى في نقل النصوص من لغة إلى أخرى.

- ألا ترين أنّ ما يعاب أيضا على التّرجمة في الجزائر أنّها عبارة عن مجهود فردي، وليس جماعي؟
 فعلا، تحتاج الترجمة إلى طابع مؤسساتي ينظمها ويؤطّرها، فالجهود الفردية عادة تكون غير مؤسسة على وعي بهذه العملية الحسّاسة، بينما الجهود الجماعية المنتظمة تحاول احتواء العملية دون خضوع للصّبغة النضالية، حيث تفترض الاستقلال الفكري المتحرر من كل تحيز إيديولوجي، إنّ ترجمة النصوص والمصطلحات اليوم معظمها تتجاهل السياقات الحضارية التي أنتجت في ظلّها، وهذا ما يجعل أمر التفكير في إطار مفاهيمي يعتمد المرجعية العربية أو التوليد من المعجم العربي ضروريا، إضافة إلى الترجمة الواعية التي تتضافر فيها الجهود، والتي تعني التقليل نوعا ما من عملية التعريب التي تعمق الإحساس بالاستعباد والاستيلاب والخضوع لدى المتلقي الجزائري.

- على مستوى الجامعات، هل ترين بأنّها باتت اليوم تلعب دورا مهمّا في النّهوض بحركة التّرجمة في الجزائر؟
 إن الترجمة تسقط في كثير من الأحيان في مأزق الأداء الإيديولوجي، فالتكوينات اللغوية والخطابية المترجمة والتي لم تصل إلى مرحلة التشكل المعرفي الواعي، تعبر في النهاية عن مصالح سياسية أو اقتصادية محددة، لكونها مستمدة من الخريطة الإدراكية للدول والمنظمات التي تهيمن على العالم ثقافيا وسياسيا.
لذلك بات من الضروري أن تضطلع الجامعة الجزائرية بمهمة الترجمة الواعية والمؤسّسة على ارتكازات معرفية قويمة، وحسب رؤيتي تبقى الجهود المقدمة في هذا الشأن غير كافية، فالتكوين الأكاديمي يجب أن يصاحبه دعما ماديا كبيرا يضمن تذليل الصعوبات وتأطير هذه العملية وضمان الاستمرار فيها.