طباعة هذه الصفحة

لحسن الواحدي:

التّكفلين المعنـوي والمــــادي ضروري لاصحاب القصيدة

حاورته: هدى بوعطيح

 يرى الشّاعر لحسن الواحدي أنّ الشّعر في الجزائر هو صورة مصغّرة لمعاناة الثقافة بصفة عامة، مشيرا إلى أنّ قلّة المقروئية أثّر سلبا على حركية الفعل الإبداعي، إلى جانب استحواذ أشخاص غير مؤهّلين أو يحملون إيديولوجيات فكرية أو سياسية معيّنة على الفعل الثقافي، وأشار الواحدي إلى أنّ معظم الشّعراء يضطرون إلى نشر أعمالهم على حسابهم الخاص بسبب التهميش المتعمّد من الوزارة المختصة، ومن المؤسّسات التي تمّ إنشاؤها لغرض الاهتمام بالإنتاج ونشره، مطالبا بضرورة تفعيل دور المؤسسات الثقافية وتشجيع النشر وترقية الدراسات النقدية والتكفل المعنوي والمادي بالشعراء.

- الشعب: بداية ما هو تقييمكم لواقع الأدب في الجزائر في الوقت الرّاهن؟
 لحسن الواحدي: لا شك أنّ الجزائر تعيش مرحلة استثنائية في تاريخها ومخاضا عسيرا، أفرزته ظروف سياسية واقتصادية صعبة لا يجهل أحد أسبابها ونتائجها، وهو ما أثّر على الواقع الثقافي عامة والأدبي خاصة، فغاب الأدب الجزائري عن المشهد بفعل هذه العوامل المتداخلة، وكان الصّراع الخفي بين المثقّف والسياسي الفاصل فيه، حيث تمّ تغييب الأدب عن عمد وتهميشه وإبعاده عن الصورة بشكل متفاوت الدرجات، باعتبار الأدب من نوافذ نشر الوعي ومرآة تعكس صورة الواقع للمواطن، وهو ما يرى فيه السياسي خطرا عليه وعلى مشروعه، فتمّ انتقاء أصوات بعينها لتتقدم المشهد، وتكون لسان حال الأدباء الجزائريين تتناغم مع التوجهات الفكرية للطبقة السياسية، لكن الهبة الشّعبية الأخيرة ستكون انطلاقة جديدة للقافلة الأدبية، ليسترجع الأديب مكانته المناسبة ويستعيد الأدب والإبداع بصفة عامّة مقامهما المرموق.

-ألا ترى بأن الشّعر في الجزائر من أكثر الأنواع الأدبية الذي يعيش نوعا من التهميش، في نظرك إلى ما يعود ذلك؟
 ما يعانيه الشعر في الجزائر هو صورة مصغّرة لمعاناة الثقافة بصفة عامة، وهذا مردّه أسباب كثيرة منها قلة نسبة المقروئية التي أثّرت سلبا على حركية الفعل الإبداعي، علاوة على عوامل أخرى كصعوبة النشر واستحواذ أشخاص غير مؤهّلين أو يحملون إيديولوجيات فكرية أو سياسية معينة على الفعل الثقافي، وهي بدورها ساهمت في تهميش الشعر الذي يعتبر قلب الأدب وأيقونته، رغم المنافسة الشرسة التي يعيشها من طرف الرواية  والمسرح. وأعتقد أنّ الشعر يستقطب الكثير من القرّاء في الفترة الأخيرة، لأنه يواكب الأحداث التي تشهدها بلادنا أكثر ممّا تفعله الأجناس الأدبية الأخرى، ومن خلال تجربتي الشخصية أحمل أملا كبيرا في عودته إلى مقدمة الركب الثقافي، واسترجاع تاجه الضائع.

- الكثير من الشّعراء يُجمعون على أنّ الشّاعر في الجزائر لا يحوز على كامل حقوقه، ولا توفّر له الإمكانيات اللاّزمة للنّهوض بالشّعر وإعطائه المكانة الخاصّة به، ما قولكم؟
 عندما نتحدّث عن الشّاعر فالأمر ذاته يخص كل المبدعين والفنانين، والوضع ذاته تعيشه بقية الأجناس الأدبية كالرواية والمسرح والفنون الأخرى، والسبب يعود إلى غياب مؤسّسات تعنى بالتطوير والبحث والتشجيع، والتكفل بالمبدعين الذين يقدمون للمجتمع ما لا يمكن تقديره، فهو يساهم بشكل كبير في رسم صورة مشرقة للجزائر خارجيا، وفي إثراء الموروث الثقافي للوطن.

- ماذا عن النّشر، وما هي الصّعوبات التي تواجه الشّاعر على وجه الخصوص في نشر دواوينه؟
 معظم الشّعراء يضطرون إلى نشر أعمالهم على حسابهم الخاص بسبب التّهميش المتعمّد من الوزارة المختصة، ومن المؤسسات التي تمّ إنشاؤها لغرض الاهتمام بالإنتاج ونشره، والتي صرفت الأموال الطائلة على غير وجهها المناسب، وفي السابق كان الوضع أفضل فقد ساهمت المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع في نشر دواوين شعرية كثيرة، لكن الوضع الحالي ورغم أنّ الدولة وفّرت إمكانات هائلة لهذا الغرض، لكن المستفيدين يعدون على الأصابع، بسبب ما ذكرته سابقا وهي إشكالية كبيرة يجب أن تعالج من طرف المسؤولين، وتغيير الذهنيات والسلوكات السابقة التي كانت المحاباة عنوانها.

- العديد من الأدباء باتوا يلجأون اليوم للنّشر الالكتروني للتّرويج لأعمالهم الأدبية، هل يمكن أن يكون الأدب الالكتروني بديلا للأدب الورقي؟
 لا شك أن قول الشاعر «وخير جليس في الأنام كتاب»، هي الصورة التي يجب رسمها في الأذهان لأنها تعكس المنطق والواقع الصحيح، فلا يمكن تعويض الكتاب الورقي بغيره من شتى الوسائط العصرية، وهذا أمر متعلق بالمطالعة التي غابت عن سلوكاتنا اليومية، فما يقرأ من كتاب ليس كمن يقرأ من غيره، ورغم هذا يبقى النشر الإلكتروني حلاّ اضطراريا للبعض في نشر ما ينتجون.

- في نظرك، كيف يمكن إعادة الاعتبار للشّعر في الجزائر، وجعله بين يدي محبّي القافية؟
 لا يمكن أبدا أن يخسر الشعر مكانته المرموقة مهما عانى من تهميش وتغييب، لأنه أصل لإبداع وملك الأدب بلا منازع، وللنّهوض به هناك عوامل أهمها تفعيل دور المؤسسات الثقافية وتشجيع النشر وترقية الدراسات النقدية والتكفل المعنوي والمادي بالشعراء وتنظيم مسابقات شعرية، فقد أثبت الشاعر الجزائري علوكعبه في المحافل والمسابقات الدولية، وحظي بشهادة كبار النقاد في العالم، وأعتقد أن رحلة إعادة الاعتبار للشعر تبدأ من المدرسة ببرمجة الشعر وانتقاء النصوص الشعرية الراقية، لتكون الحبل الذي يجذب الطفل  إلى الكلمة الجميلة  ويربطه بها.