طباعة هذه الصفحة

الفنّانة حليمة بريهوم لـ «الشعب»:

الفن التّشكيلي مـن أهم لغات التّواصـــل الإنساني

إيمان كافي

تقول الفنانة التشكيلية والكاتبة حليمة بريهوم، إذا كان الفن التشكيلي لغة فهو من أهم اللغات في العالم لأنّها نابعة من عاطفة خالصة جوهرية، يفهمها الإنسان كروح سامية تميل إلى تذوق الجمال ومهارة تسر الناظرين، وتقدمه بشكل فني بعيدا عن كل الخلافات والتناقضات والاعتبارات التي تتقاطع مع التفاعل الإنساني في ممارساته اليومية الجماعية والفردية.

من هذا المنطلق ترى محدثتنا أن من الواجب الاعتناء بهذا الفن كعنصر مهم في حفظ الموروث الإنساني والجمالي، الذي يظهر في تنوعه التشكيلي من نحت وألوان ورسم ونقش وفسيفساء وخط وزخرفة، إلى غير ذلك من التنوع والعمل الفني المعروض في الساحة الثقافية، وخاصة في ظل زيادة عدد المبدعين وتنوع أعمالهم وكثرة مشاركاتهم في المحافل المحلية والدولية وكثرة التنافس بين المنظمين ومنح اللمسة الاقتصادية النفعية للفن من خلال محاولة تسويقه ومساهمة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك.
إلا أن كل هذا الجهد كما أوضحت الفنانة حليمة بريهوم يحتاج إلى تقييم ونقد أيضا كي نبرز الجوانب الإيجابية والسلبية، في شكل نقد بناء يطور من الفن والفنان على حد سواء، مشيرة إلى أنه على الرغم من اهتمام الوزارة المعنية بإحصاء الفنانين والسعي لمنحهم بطاقات الفنان إلا أنها بعيدة عن التكفل الحقيقي بالمبدع في غياب قانون واضح يحفظ كرامته ويضمن حقه ويحتويه ويدعمه كفرد يساهم في بناء حضارة الإنسان.
ولهذا فإن ما يحتاجه الفن التشكيلي حسبها هو توفر دراسات نقدية وإستراتيجية واضحة، واهتمام بالغ وتشجيع استثنائي لإعادة نشره ومساعدته ليقوم بدور فعال في إخراج المخزون الجمالي، وعرضه واستثماره بعد تقويمه وتوجيهه للآخر، وهذا يتحقق بتقديم محفزات للمبدعين وصقل مواهبهم وتوسيع فرص الظهور والمشاركة والتكريم، مؤكدة على أن الفروق بين مستويات العمر في الإبداع ليست معيارا لتحديد الأفضل لأن العمل الفني يقيمه الجمهور ولا فرق فيه بين مبدع صغير أو كبير مشهور أو مبتدئ أجنبي أو محلي، كل يعتز ويفتخر بما يعطيه لوجدانه من جمالية تبهج ناظره وتروي عطشه وتنسجم وإحساسه.

 واقع لابد من التّحكّم فيه

 بخصوص نظرتها للفضاء الافتراضي كبديل في ظل الحجر نظرا للظروف الصحية الخاصة التي يمر بها العالم، قالت حليمة بريهوم أن العالم الافتراضي صار واقعا تمارس فيه الكثير من الأنشطة في مختلف المجالات حتى المتعلقة منها بالفنون لاسيما الفن التشكيلي، الذي كان من أهم المبادرات التي استأنس بها رواد الوسائط الاجتماعية، فانتشرت بشكل واسع المعارض الافتراضية والمسابقات والتبادلات الثقافية من جميع أنحاء العالم، في وقفة استثمارية للانكفاء الذي خنق معظم الناس في ظل الظروف التي فرضها فيروس كوفيد 19، وبعثر ذاك الخمول الذي كان يخيم على الساحة الثقافية بل وباتت الوسائط الافتراضية بديلا حقيقيا، ومسرحا للنشاط الثقافي الذي يشبع بعض الرغبات والتطلعات.
وذكرت أن فكرة إنشاء سوق لدعم حركية الفن التشكيلي لم تكن ببعيدة، وكانت مطلبا أساسيا وملحا بين الفنانين والمؤسسات المتخصصة في تنظيم المعارض وجمعيات مهتمة، وتعزّز هذا المطلب في غياب النشاط المباشر والحركة الفعلية، لهذا لابد من فتح نقاشات عميقة تعالج الوضع والوسائل والسبل التي يمكن من خلالها بعث فكرة التسويق وإقناع الناس بها لأنّنا نفتقد لثقافة تسويق الفن بين المعنيين والمختصين والمهتمين، مع مراعاة الظروف الراهنة واستغلالها لصالح الفن والفنان.
وهذا أمر لا يتحقّق كما أشارت إلا إذا توحّد الهدف، وصار مسعى جموع الفنانين واتّفقوا على استغلال قاعدة صلبة من بنائهم تشارك فيها الهيئات التي تعطي قيمة للفن كأداة لترقية الأمم وحفظ التراث الإنساني، خاصة وبلادنا قارة تزخر بتنوع ثقافي لا مثيل له، وتنعم بأسماء ثقيلة تؤهلها لخوض ثورة ثقافية تبهر العالم وترسخ ثقافة الفن التشكيلي كعامل للتطور والتجديد والرقي.
أما عن واقع الفن التشكيلي في الجزائر، فهو فن لم يحظى بالاهتمام الكافي، وهذا يظهر في قلة تنظيم التجمعات المتخصصة والمهرجانات والأيام الثقافية ونقص التوعية الفنية، وعدم التنشئة الثقافية منذ الأطوار الدراسية الأولى، فلا زيارات دورية للمتاحف والمعارض ولا قاعات عرض ولا تخصيص قيمة مالية من ميزانية الدولة للاعتناء به، وانعدام الأبحاث والدراسات التي من شأنها أن تشجّع الشباب للاندماج والاستثمار في الفضاء الثقافي التشكيلي، كما أنّ الفنان يشعر بالغربة في وطنه وكأنّ لا أحد يتفهّمه ويقلّل من قيمته كونه غير عادي، هذا عدا عن كونه من أفقر الناس في حين كان من المفترض أن تميزه يرفعه شأنا.