طباعة هذه الصفحة

الكتاب العلمي واجهة الجامعة وثمرة مجهودها البحثي

حينما يصبح «اقتصاد المعرفة» عنوان النهوض بالثقافة

أسامة إفراح

حينما نتحدث عن العلاقة بين البحث العلمي وعالم النشر، أو بصفة أدق «صناعة الكتاب»، فإننا نتطرق بوسيلة أو بأخرى إلى مفهوم أشمل وأعمق هو «اقتصاد المعرفة»، الذي يعتبر فرعا جديدا من فروع العلوم الاقتصادية، يقوم على «فهم جديد أكثر عمقا لدور المعرفة ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع». وبدون «اقتصاد المعرفة» لا يمكن الحديث عن دور الجامعة في صناعة الكتاب العلمي وخدمة الثقافة.
لعل حديثنا عن دور المعرفة في التطور الثقافي للإنسان بات يعتبر من نافلة الأمور، فاختراع المطبعة على يد غوتمبرغ، وهو الحدث الذي أحدث في حد ذاته ثورة في عالم الكتاب، ونقله من مرحلة «المنسوخ» إلى مرحلة «المطبوع» ومكّن من التوزيع واسع النطاق للكتب، هذا الاختراع هو في ذاته نتاج للتطور المعرفي والتقاني. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بتنا نتحدث اليوم عن الكتاب الإلكتروني، وهو نتيجة طبيعية وحتمية للثورة العلمية التكنولوجية، أو ما أسماها «آلفن توفلر» بالثورة الثالثة، التي تلت الثورة الزراعية ثم الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية.
الكتاب رافد أساسي للمعرفة
والنشر ضرورة أساسية للتمكين من الاستفادة من هذه المعرفة التي يتم إنتاجها، ونجد بعض الباحثين يشبّهون المعرفة بالنقود أو الإلكترون لا يمكن لصاحبها أن يشعر بقيمتها إلا إذا تحركت، أنها المورد الوحيد الذي لا ينضب بل وعلى العكس من ذلك كما في خصائص مفهوم المعرفة يزداد حجمه باستمرار فيما لو أخضع للتشارك والتحاصص.
ومن أساسيات اقتصاد المعرفة إعادة هيكلة الإنفاق العام وترشيده وإجراء زيادة حاسمة في الإنفاق المخصص لتعزيز المعرفة ابتداء من المدرسة الابتدائية وصولاً إلى التعليم الجامعي، مع توجيه اهتمام مركز للبحث العلمي. ولا يكون الاهتمام بالبحث العلمي دون أخذ النشر بعين الاعتبار، لأنه حلقة هامة في انتشار المعرفة وتعميم تأثيرها.
ثم يأتي العمل على خلق وتطوير رأس المال البشري بنوعية عالية، من خلال خلق المناخ المناسب للمعرفة التي لا يجوز اعتبارها ترفا فكريا أو ضربا من ضروب الكماليات، وإنما هي اليوم «أهم عنصر من عناصر الإنتاج». هذا ما يقودنا إلى ضرورة أن يدرك المستثمرون والشركات أهمية اقتصاد المعرفة. وبما أن دور النشر تعلّل نقص اهتمامها بالكتاب العلمي والجامعي بالعديد من الأسباب، فإن الدولة هي الأقدر على الاستثمار في هذا الإطار، والرهان على النشر الجامعي، بالطبع مع توفر الشروط العلمية الضرورية لذلك.
المعرفة تشكل 80 بالمائة من المنتوج
ينقل ستيفن كوفي قول بيتر روكر في كتابه «الإدارة من أجل المستقبل»: «من الآن فصاعدا المفتاح هو المعرفة. إنّ العالم لا يتحول إلى مكان يحتاج بشدة إلى العمل والمواد الأولية، إنّه يتحول إلى مكان يحتاج بشدة إلى المعرفة». وإذا أدركنا بأن 80 بالمائة من القيمة المضافة إلى المنتجات والخدمات تأتي من عامل المعرفة، فسيكون منطقيا القول بأن خلق الثروة «ينتقل من المال والأشياء إلى الأشخاص، وأن أعظم استثمار مالي نقوم به هو ما نستثمره في عامل المعرفة».
وفي هذا الصدد تقول الباحثة وهيبة بوربعين إنّ التنمية المعرفية هي قضية ثقافية، فالإنسان عليه تثقيف نفسه وتجديد عتاده المعرفي لتعزيز خبرته العلمية في توظيف هذه المعرفة، حيث أصبحت الثقافة في عصر المعلومات صناعة قائمة بذاته. وتضيف بأن المعرفة قوّة، والقوّة أيضا معرفة، تعززها هذه القوة لخدمة أغراضها وتبرير ممارستها وتمرير قراراتها.
نحن اليوم نعيش عصر العلم، عصر لا يترك الأمور للصدفة، ويعتمد على الرؤية الاستراتيجية في تكوين ملامح المستقبل في جميع القطاعات، بما في ذلك الثقافة، والكتاب الجامعي محرّك أساسي للتنمية الثقافية، لأنه الناقد الذي يقيّم الأعمال الفنية ويقوّمها، ولأنه المبدع الذي ينقل العقول من مرحلة فكرية إلى أخرى. وهذا الثالوث، المعرفة والاقتصاد والثقافة، يمكن أن يعتبر السلاح الأقوى في مواجهة أمواج العولمة العاتية.