طباعة هذه الصفحة

المخرج محمد حازورلي لـ “الشعب”:

السينما ترجمة لواقعنا الذي يتطلب الحديث بلغة الشعب

حاورته: هدى بوعطيح

استخدام اللغة العربية الفصحى لا يكون إلا في الأعمال التاريخية

ضرورة خلق توازن بين الفصحى والدارجة لمخاطبة الجميع

الشعب”: تعددت الأصوات للمطالبة باستخدام اللغة العربية في الأعمال السينمائية والدرامية، في اعتقادك، ما هي اللغة التي يمكنها الانسجام مع السينما والتلفزيون وتتجاوب في ذات الوقت مع المتلقي؟
محمد حازورلي: أهلا بجريدة “الشعب” التي عودتنا في كل مرة توضيح كل ما يتعلق بالدراما والسينما الجزائرية بصفة عامة.. الحقيقة اللغة العربية لابد أن نستعملها على وجه الخصوص في الأعمال التاريخية، وقد كانت لي تجربة سابقة في هذا المجال، حيث أخرجت فيلما باللغة العربية الفصيحة حول سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهنا لا يمكن أن نقوم بفيلم عن الرسول بـ”الدارجة”، وفي نفس الوقت حين نتطرق للواقع والحياة اليومية المعاشة، لا يمكن أن نتكلم باللغة الفصحى، لأنها غير مستخدمة في حياتنا اليومية.
فالسينما هي ترجمة لواقع، وواقعنا هو التكلم باللغة التي يفهمها الشعب، والتي لا يجب أن تكون أدبية، وأقول لك إن “اللهجة الجزائرية” أقرب إلى اللغة الفصحى، لأنها مأخوذة منها، ولكن حسب التاريخ هناك لغة فرنسية متواجدة في حديثنا، حيث دخلت في تقاليدنا وفي تعاملاتنا اليومية.
لذلك عندما يكون عملا حول حياتنا اليومية نستخدم اللهجة الجزائرية، وعندما نريد أن نحكي عن التاريخ والأدبيات، بالتأكيد نأخذ اللغة العربية كلغة مستخدمة في الأقطار العربية.
لماذا نقبل باللهجة المصرية والسورية وحتى الخليجية ولا نقبل باللهجة الجزائرية، لماذا لا نفرضها على غيرنا؟
 ويقولون إن الجزائريين لا يتقنون اللغة العربية.
لا نحن لسنا كذلك وتاريخنا شاهد على ذلك، من الأمير عبد القادر وعبد الحميد بن باديس، ومحمد العيد آل خليفة.. ونتقن بالموازاة مع ذلك لغة الآخر، حيث أن هناك من يكتبون باللغة الفرنسية، ككاتب ياسين، مولود فرعون ومولود معمري.. وذلك مكسب لنا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام، “من حفظ لغة قوم أمن شرهم”.
عندما أتكلم عن “الدارجة” لا أتكلم هنا عن الدارجة السوقية عديمة الفائدة، فمثلا لهجة الجنوب الجزائري أو الصحراوية، جميلة جدا ولو نأخذها كنمط في أفلامنا ستلقى النجاح، مثلما حدث مع فيلم “حيزية”، حيث أن المخرج تعامل مع كل الوسائل من الناحية التعبيرية.
في الجزائر لا يوجد الكثير ممن استخدموا اللغة العربية في أعمالهم، بدوري تعاملت مع الفصحى، وفي نفس الوقت استخدمت اللهجة الجزائرية في سلسلة “أعصاب وأوتار”، علينا الربط بين الأدب واللغة اليومية التي نعيش بها، وعندما نخلق هذا التوازن بين الفصحى والدارجة نستطيع أن نخاطب الجميع.
في سياق حديثك تساءلت عن سبب عدم تمكننا من فرض لهجتنا على الدول العربية، كما فعلت مصر وسوريا، ودول الخليج.. لماذا لم نتمكن من بعث الدارجة إلى ما وراء البحار؟
 سؤال مهم، لماذا؟ نحن في بيوتنا نكاد نتكلم اللهجة المصرية أو السورية، لأن لديهم إنتاج غزير، وصناعة سينمائية، ينتجون 1000 أو 2000 فيلم في العام، ونحن لدينا 4 أو 5 أعمال في السنة.
وحتى اختيار السيناريوهات أو تمويل بعض الأموال، فلماذا نمول هذا الفيلم وليس ذلك، لماذا عندما نقترح عملا يتكلم عن واقعنا وحضارتنا يُرفض، والفيلم البعيد عن يومياتنا نقبله، وفي بعض الأحيان يمس بالشخصية الجزائرية ويشوهها.
الفيلم الذي يتكلم عن واقعنا بشجاعة يجب أن نقبله، وأقولها صراحة “أعصاب وأوتار” عمل شجاع قبل كل شيء، ناجح أو غير ناجح فذلك لا يهمني، لأن ما أهدف إليه هو التعبير عن حالة وآلام واحتياجات مجتمع بصدق وبلغته.
لا بد أن نفرض لهجتنا الجزائرية على المجتمع العربي كله، حتى تونس نجحت في فرض لهجتها وأيضا المغرب الذي أجبرنا على معرفة عاداته وتقاليده.
علينا لفت الانتباه لإنتاجنا من خلال الأعمال السينمائية الدرامية، والتي تمكننا من التعريف بحضارة ذلك البلد وقيمته وتاريخه، إذن يجب أن نستخدم اللغة التي لا بد أن تكون قريبة إلى الواقع، علينا أن نوصل لهجتنا حتى عبر الإذاعات إذا كانت مسموعة في الوطن العربي.
نحن أقرب إلى اللغة الفصحى أكثر من أي دولة عربية أخرى، علينا أن نعمل بجدية، لأن إنتاجنا أيضا موجه للجزائريين بالدرجة الأولى حتى لا نوجههم بأنفسنا إلى القنوات العربية.
 لكن اللهجة الجزائرية طرأت عليها بعض الألفاظ الهجينة والدخيلة على مجتمعنا الجزائري، وهو ما يقف عائقا أمام إيصالها للآخر؟
نعم صحيح، وفي بعض الأحيان نستخدم اللغة الفرنسية في أعمالنا، وذلك أعتبره جزء من ثقافتنا وثروة لنا، لأننا جمعنا بين ثقافتين، اللغة الفرنسية التي أدخلنا عليها الخيال والشعر العربي، واللغة العربية وأدخلنا فيها أسلوب اللغة الفرنسية، حيث ربطنا فيها على سبيل المثال فيكتور هيغو بالمنفلوطي إلى ما ذلك، هذه هي الثقافة التي يجب أن تكون متفتحة على بعضها وعلى كتابنا، وعلى أدبنا الذي يجب أن يكون شعبيا بالدرجة الأولى.
وأقول لك أمرا آخرا من أفلامنا التاريخية والواقعية أخرجت أفلاما من التراث الشعبي، فمثلا “حيزية” مأخوذة من قصيد شعبي لأولاد جلال ببسكرة، واستخدمت فيها الدارجة الجزائرية، بالرغم من أنهم يقولون عنها بأنها العربية المهذبة.
هذه هي ثقافتنا وأدبنا وشعرنا، إخراج فيلم من القصيد الشعبي لا بد أن تكون لنا قدرة على السمو، حتى نكون في مستوى العمل الذي يتحدث عن واقعنا.
يجب على كل واحد أن يبقى متمسكا بشخصيته، حتى لا يتحدثون عنا، وعن حضارتنا، ولابد أن نوجه إنتاجنا للآخر للتعريف بتاريخنا وثقافتنا العربية.
فحين نجد هذا التوازن نستطيع أن نخاطب جمهورنا من أوسع ما يكون، ونقدم له الحقيقة، ونرجعه إلى ماضيه وأصله، وحين يجد نفسه في التلفزيون أو الإذاعة لن يبحث عن ما تنتجه الدول الأخرى.
أتمنى من الفضائيات الجزائرية الحديث عن الجزائري وباللغة المستعملة في حياتنا اليومية، لكن دون الانقطاع عن الثقافة والتاريخ والتمسك بأصالتنا، فالواقع أمر وتاريخنا أمر آخر، عليه أن يبقى دائما محصنا، والجزائر غنية باللهجات من القبائلية إلى الشاوية والميزانية، وبذلك هو بلد ثري ويمتلك فسيفساء غنية.
يقال أيضا أن كتابة السيناريو باللغة الفرنسية وترجمته بطريقة هجينة سبب ما يبث على التلفزيون من لغة غير سليمة؟
 لا يهم كتابة السيناريو باللغة العربية أو الفرنسية، المهم هو المحتوى، نستطيع أن نقتبس أو نترجم عملا ما، شرط أن نعرف إذا كانت القصة محبوكة، وفيها مواضيع وأحداث مثيرة.
يمكن أيضا اقتباس أعمال باللغة الألمانية، المشكل لا يكمن هنا، فقط على المقتبس أن يكون وفيا للنص الأصلي ولا يشوهه، فقد رأينا أفلاما كثيرة أنتجت عبر العالم مكتوبة بلغة وتتحدث بلغة أخرى.
باختصار يجب أن نجد واقعنا في السينما الجزائرية، بلغة مقبولة قريبة إلى واقعنا اليوم، وبالمحافظة على بعدنا الحضاري العربي الإسلامي.