طباعة هذه الصفحة

الدكتور بشير فايد في حوار لـ «الشعب»:

الكتاب التاريخي في بلادنا ضحية ضعف المقروئية

أجرى الحوار: نورالدين بوطغان

دور النشر ساهمت في تهميشه


يرى الدكتور بشير فايد، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة سطيف 2 محمد الأمين دباغين، أنه لا يمكن الحديث عن وضعية الكتاب التاريخي الجزائري دون التطرّق لواقعه والمقروئية بشكل عام في بلادنا، معتبرا أن الإقبال على الكتاب التاريخي ضعيف جدا، إضافة الى اقتصاره على فئات محدودة، فضلا عن النقص الفادح فيه، واليكم نصّ الحوار الذي أجرته معه جريدة «الشعب» حول الموضوع:
«الشعب»: كيف ترون مستوى المقروئية بشكل عام في الجزائر، وبالأخصّ الكتاب التاريخي للحركة الوطنية والثورة التحريرية؟
الدكتور بشير فايد: لا يمكن الحديث عن الكتاب التاريخي، المتعلّق بالحركة الوطنية والثورة التحريرية، بمعزل عن واقع الكتاب والمقروئية في الجزائر بشكل عام، حيث يعرف منذ تخلي الدولة عن كل ما يتعلّق بالإشراف والدعم والتوزيع فوضى واضحة، بالرغم من الخطوات والانجازات المعتبرة التي تمّ تحقيقها في جوانب عدة لغاية الآن هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وبحكم احتكاكي الدائم بالمكتبات والمعارض في داخل البلاد وخارجها، أرى أن إقبال الجزائريين على الكتاب بصورة عامة ضعيف جدا بل لا أبالغ إذ قلت أننا مجتمع لا يقرأ، وأن التحجّج بغلاء الأسعار هو تهرب من الحقيقة، لأن الغالبية من الناس تنفق أموالا طائلة على الكماليات وأشياء تافهة، وتمسك في المقابل جيوبها وأيديها عن الكتاب غذاء الروح والعقل، وحتى الجرائد اليومية التي تباع بأسعار زهيدة لا تشتريها إلا فئة محدودة من القراء وتبقى مكدسة حتى آخر النهار لتعاد إلى المطابع أوتباع بالجملة لتغليف السلع في المحلات التجارية، بل الأدهى والأمّر من كل ذلك، أنه من النادر جدا أن تصادف طالبة أوطالبا واحدا يحمل أو يتصفّح جريدة داخل حرم الجامعة التي أعمل بها ولا أقول كتابا، فالإشكالية إذن أننا مجتمع لا يقرأ وإذا قرأ ففي حدود الضرورة وفقط، فتغذية العقل وتهذيب الروح هي آخر الأولويات عندنا.
 ما الأسباب في رأيكم التي تقف وراء هذه الوضعية؟
  الكتاب التاريخي المتعلّق بالحركة الوطنية وثورة التحرير، أرى أن الإقبال عليه ضعيف جدا في المكتبات العمومية والجامعية على حدّ سواء، حيث يقتصر على فئة محدودة من التلاميذ وطلبة تخصص التاريخ فحسب، ليس من أجل المطالعة وإنما من أجل إنجاز بحوث مدرسية أو جامعية كلفهم بها أساتذتهم وفقط، ومن ناحية أخرى وبحكم تخصصي في التاريخ أرى أن ما طبع منذ الاستقلال من كتب حول الحركة الوطنية والثورة التحريرية قليل جدا بالمقارنة مع ثراء هذه الفترة من تاريخنا المعاصر بالأحداث والقضايا، ومع ما كتبه جيراننا في تونس والمغرب، رغم الفارق الشاسع في حجم النضالات والتحديات التي واجهت البلدان الثلاثة. والإشكال ليس في قلة الدراسات والبحوث التاريخية، المتوفرة بكثرة في السنوات الأخيرة، بل في دور النشر التي تفضل الكتب التجارية مثل كتب الطبخ، على حساب الكتب الأكاديمية والعلمية المتخصصة، بحجة كثرة الإقبال على الأولى دون الثانية، وعدم قدرة الباحثين والمؤلفين على طبع دراساتهم وبحوثهم بأنفسهم بسبب قلة الإمكانات المادية، وهنا أفتح قوسا لأشير إلى قضية في غاية السوء وهي جشع بعض دور النشر الخاصة التي تأخذ جهد وتعب وشقاء الآخرين دون مقابل، في مشهد يشبه عبودية من نوع آخر، حيث يفضل المؤلف التنازل عن حقوقه المادية مقابل طبع كتابه وإيصال محتواه إلى أكبر عدد ممكن من القراء، أما عن نوعية الطباعة والورق والإخراج فحدث ولا حرج، وكأننا ما زلنا في بداية عصر الطباعة الأول ولم نلج بعد عصر الطباعة الرقمية الفائقة الجودة.
 كيف ترون النهوض بوضعية الكتاب التاريخي ببلادنا؟
 أرى النهوض بالكتاب التاريخي المتعلّق بالتاريخ الوطني بشكل عام، وتاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954م بشكل خاص وترقيته، هي مسؤولية ينبغي أن تتحملها مؤسسات رسمية شبه مستقلة، حتى لا تغرق في البيروقراطية الإدارية، لها كل الوسائل والإمكانات البشرية والمادية والتقنية، على غرار ما هو موجود في الدول الرائدة في هذا المجال، حيث تعمل على تسويق تاريخها الوطني محليا وخارجيا، بتشجيع المؤلفين وتحفيزهم ماديا وليس بسرقة جهودهم مثلما تفعل بعض دور النشر الخاصة عندنا، وفي هذا الصدد نثمّن الدعم الرسمي الذي قدم في السنوات الأخيرة في إطار ما سمي بالعواصم الثقافية الإسلامية والعربية (تلمسان وقسنطينة) مع الالتزام بفرض الرقابة الصارمة على دور النشر والمكتبات التي تطبع الكتاب المدعم، حيث  لاحظنا أن العديد منها بلغ بها الجشع حدّ بيع الكتب المدعمة بأسعار مرتفعة جدا والمفترض أنها مجانية، مضاعفة أرباحها بطريقة غير قانونية وغير أخلاقية.
 هل من كلمة أخيرة بخصوص هذا الموضوع؟
  يتعين القول في الأخيرأن الوقت قد حان، لنفكّر جيدا في استرتيجية جديدة، تهدف إلى جعل الجزائري الذي أصبح في السنوات الأخيرة مستهلكا لكل شيء بامتياز، أن يضيف إلى قائمة مستهلكاته اليومية الكتاب، فنراه يتردّد باستمرار على المكتبات العمومية، أوالخاصة التي أغلق أغلبها وتحوّلت إلى أنشطة أخرى أكثر ربحية، ويطالع الكتاب في وسائل النقل والحدائق العمومية مثلما هوالحال عند الأمم الراقية.