طباعة هذه الصفحة

السوق الجزائرية تعرف فراغا في النشر كمًا ونوعًا، والأسعار لا تناقش

أساتذة وجامعيون يرتقون إلى درجات علمية عليا بمنتوج فكري هزيل جدا

سوق اهراس» صحراوي . ح

تأخر الجزائر في النشر الورقي، دفع إلى تشجيع الاستيراد على الانتاج المحلي

يشكل النشر عاملا مهما في المنتوج الفكري العلمي والادبي، وترتبط عملية التأليف إرتباطا كبيرا بحركة سوق النشر الورقي، فهي المحفز الرئيسي للمنتوج الفكري على مستوى العالم، تبقى الكمية والنوعية فيما ينشر هي المسؤولية الكبيرة التي توضع على عاتق المؤسسات العلمية والأدبية والفكرية ولجان القراءة والتقييم العلمي، في الجزائر خلف الفراغ الرهيب في المنتوج الفكري الورقي على مستوى السوق نوعا من التخبط الكبير في تدارك هذا العجز بوضع تسهيلات كبيرة في هذا الاطار، أضرت بالمنتوج الفكري وفي القيمة العلمية فيما هو موجود في روفوف المكتبات، هذا ما نريد أن نعرفه في هذا الحوار مع أستاذ الاعلام والاتصال بجامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس منصوري فوزي.

«الشعب»: ماهوواقع النشر الورقي في الجزائر؟
«الأستاذ»: أولا أشكر جريدة «الشعب»؛ على هاته الفرصة، حقيقة واقع النشر الورقي في الجزائر معقد جدا، لا من ناحية الكمية الموجودة من منتوج علمي فكري على مستوى السوق الوطنية ولا من ناحية النوعية العلمية والقيمة الفكرية لما هو موجود على رفوف المكتبات، ولا من ناحية تطور ونمو الصناعة الورقية وحركية النشر والتأليف التي تعتبر متأخرة جدا مقارنة بالدول العربية والدول الأوربية خاصة، لهذا تعرف سوق النشر في الجزائر فراغا رهيبا بسبب التكاليف الكبيرة لصناعة الكتاب والذي أدى إلى عزوف الكثير من الناشرين عن نشاط الطباعة والنشر وإلى لجوء البعض منهم إلى إستيراد الكتب والاكتفاء بنشاط التوزيع الذي يعتبر أقل كلفة وأقل مخاطرة.
فالنشر عبارة عن ثقافة وتقاليد ترتبط بالتطور الفكري والأدبي وهي نوع من التنافس إن صح التعبير في المنتوج الفكري، يرتبط بالعديد من القطاعات العملية والثقافية والأدبية، فلو أخذنا مثلا النشر الروائي والقصصي، هذا النوع من المادة الثقافية ترتبط ارتباطا وثيقا بتطور السينما المحلية، فلو اخذ مثلا أمريكا اللاتينية أو الدول العربية على غرار مصر ولبنان، تطور النشر في سنين مضت بتطور المنتوج السينمائي، فما يؤلف وما ينشر يترجم إلى أعمال سينمائية تعود بالفائدة الكبيرة على الكتاب وعلى مؤسسات النشر وعلى المجتمع ككل، وهذا ايضا لمسناه في سنوات السبعينيات في الجزائر كانت لنا حركة فكرية ثقافية سينمائية لكن للأسف لم نكمل المسار وتوقفنا في نفس النقطة ونفس المكان.
«الشعب»: ما هو موقف الناشرين من هذا الواقع الحقيقي، في ظلّ تطفل كبير ضاعف من تأخر المجال؟
@@ في ظلّ هذا الوضع المعقد وجد الناشرون أنفسهم أمام صعوبات مالية كبيرة فرضتها فوضى النشر الذي لم يعد نشاطا مربحا أمام كثرة المتطفلين على النشاط والذين أغرقوا المكتبات العمومية والخاصة بمؤلفات وكتب ودوريات وبحوث في شتى التخصصات المعرفية والتي وعلى كثرتها لا يكاد القارئ يجد فضوله المعرفي وإشباعه العلمي، فأصبحت العملية شكلية لا غير تأخذ البعد التجاري والترويج التنافسي الشكلي، أحيانا ترى العديد من العناوين البراقة والتي ربما تلفت الانتباه، لكن بمجرد أن تتناول المحتوى تجد مستويات يندى لها الجبين، تخيل أحيانا تجد من يكتب بلغة هجينة وبأسلوب ضعيف جدا لا يرتقي أن تكون المادة المنشورة محل نقد أودراسات من طرف المتخصصين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاج، من فتح المجال على مصراعيه لهاته الفئة المتطفلة الإنتهازية التي تحسب على الفكر والعلوم والتخصصات هكذا بهتانا وزورا، كان المفروض أن تؤطر عملية النشر بقوانين علمية ولجان قراءات تأخذ بعين الاعتبار كل تخصص علمي. ومن أوجد هاته المطبوعات على الرفوف دون أن تمر على دوائر الرقابة والمتابعة التي يفترض وجودها ـ وأين هي دور لجان ودور النشر فيما ينشر.
«الشعب»: أي مستقبل للنشر في الجزائر في ظلّ هاته الصورة الفكرية المشوهة؟
@@ فعلا هي صورة مشسوهة جدا للفكر وللتخصصات العلمية بمنطق سطحي ساذج يقوم على العشوائية وعدم التقدير والتقييم الفعلي الحقيقي، نحن اليوم أمام قمامة على رفوف المكتبات يجب أن تزال اليوم قبل الغد، لأنها باتت عائقا كبيرا في تطور ورقي هذا المجال النبيل الذي كان من المفروض أن تكون الطباعة والنشر هي الواجهة الحقيقية لشتى العلوم والتخصصات في مختلف المجالات الفكرية، وربما أنقل تجربة شخصية غالبا ما تستهويني كأستاذ في تخصص الاتصال في الجامعة العديد من العناوين التي أرى أنها مجالا خصبا للبحث، لكن للأسف الشديد بعد أن أتناول ما هو مطبوع أو منشور حول تخصص معين محليا أجده فارغا لا يحتوي على شيء سوى معلومات سطحية غالبا ما تجدها خارج السياقات العلمية السليمة، وهذا محسوب على الجامعة الجزائرية من فئة سامحها الله ترى في هاته الحركة الفكرية نوعا من التحايل المبطن الذي ترتقي به الى درجات علمية معينة في ظل فراغ رهيب في ما يكتب وينشر حول تخصصات علمية مختلفة.
لقد تحولت سوق النشر في الجزائر من إنتاج الفكر والثقافة والإبداع المعرفي إلى تمييع الثقافة والإبداع عبر إنتاج إصدارات رديئة لا تساوي أحيانا قيمة الورق الذي طبعت عليه،ويبدو دور لجان القراءة مهما جدا اليوم في فرز المنتوجات الثقافية وتثمين الإبداع الثقافي والمعرفي للكتاب والمؤلفين بما يرتقي بالذوق العام للقارئ، مع إعطاء الأهمية للقيمة الإبداعية للمؤلفات قبل التفكير في الربح المادي المحصل عن طريق النشر أوالتوزيع. وأن كان الربح حقا مشروعا ويسمح بتمويل دار النشر واستمرارها في النشاط إلا أنه قد يضيع جهود إبداعات المؤلفين والباحثين ومالكي الأفكار الراغبين في نشر أفكارهم إذا لم يراع معه احترام المقاييس العلمية التي تثمن قيمة الإصدارات وتمنع الرديء من الوصول إلى رفوف المكتبات.
من زاوية أخرى الدولة الجزائرية لم تقصّر في هذا المجال فالجامعة الجزائرية، مثلا ليست بمعزل عن فوضى النشر، فرغم الميزانيات المرصودة لاقتناء الكتب والمراجع إلا أن كثيرا منها لا تشبع الحاجة وبعضها يحمل عناوين براقة بمحتوى هزيل وبعضها يصدر بألوان راقية لا تتطابق مع حجم الأخطاء المنهجية واللغوية الموجودة بين دفاتها، وكون الجامعة باعتبارها قاطرة التنمية فهي أحوج اليوم إلى إنشاء وتفعيل لجان قراءة موسعة ومتعددة الاختصاصات يكون دورها رصد وفرز واقتناء أفضل المؤلفات لفائدة الطلبة والأساتذة.