طباعة هذه الصفحة

احتضنتها جامعة ورقلة بحضور طلبة وأساتذة

معهد اللّغة وأدابها بجامعة ورقلة يحتفي بالقصّة القصيرة جدّا

ورقلة: إيمان كافي

  القاص عز الدين بومرزق يعرض تجربته وبيع بالتّوقيع لإصداراته
 هل هي طفرة جينية طارئة أو شكل موجود عند أغلب من يكتبون القصّة بنفس حديث؟

استضاف نهاية الأسبوع المنصرم قسم اللغة والأدب العربي بجامعة قاصدي مرباح ورقلة الأديب القاص عز الدين بومرزوق لعرض تجربته في القصة القصيرة جدا في إطار برنامج ندوة الباحث التي ينظمها دوريا ذات القسم، وقد تضمّنت النّدوة الأدبية قراءات نقدية في أعمال الأديب نشّطها عدد من الأساتذة والباحثين في الدكتوراه، بالإضافة إلى لقاء مفتوح مع الأديب بومرزوق وكذا بيع بالتوقيع لآخر إصداراته «قلب..مختل عقليا»، بحضور كوكبة من أساتذة قسم اللغة والأدب العربي، وعدد من الطلبة الباحثين والمهتمين بهذا الجنس الأدبي الجديد.
تهدف هذه الندوة كما أوضح الدكتور عبد الحميد هيمة أستاذ في قسم اللغة والأدب العربي بجامعة قاصدي مرباح ورقلة، إلى تعريف الطلاب والباحثين الجامعيين بالقصة القصيرة جدا، والتقرب أكثر من خصائص ومميزات هذا الجنس الأدبي الحداثي.
وقد اتّفق الأساتذة المتدخّلون في الندوة الأدبية على الأهمية النقدية لهذا الجنس الأدبي الحديث، على اعتبار أنّ الدراسات النقدية تعد دافعا للمزيد من التنقيح والتطوير، لحداثته كجنس أدبي، وعلى اعتبار أنه في مراحل أولى من بدايات انتشاره في الجزائر.

أ - فايزة زيتوني: وسيلة طبيعية للتّعبير عن الواقعية الجديدة التي لا تهتم بشيء أكثر

وقد ذكرت الأستاذة فايزة زيتوني أنّ القصّة القصيرة جدّا لون من ألوان الأدب الحديث، له خصائص ومميزات شكلية معينة، يستجيب لروح العصر والذوق العام الذي أصبح لا يستسيغ إلا الإنتاج الموجز والأعمال الكثيفة المقتبضة، وأنها وسيلة طبيعية للتعبير عن الواقعية الجديدة التي لا تهتم بشيء أكثر من اهتمامها باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية والمألوفة، كما أنها نص سردي إبداعي ممتع يكون فيه القاص صانعا حاذقا يتقن جيدا صنعته، ولا شك أن التركيز والتكثيف في بنائها يمكنّانه من القبض على اللحظة مباشرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل التي من شأنها أن تثقل النسيج القصصي ليبدو محشوا مترهلا يضعف من أثرها الجمالي، تحيل على زاوية نظر مركزة وذكية ومختصرة تكتفي بالتلميح أكثر من التصريح.
نصوص تستدعي التوقف وأخرى تستفز الذّات
 وفي ورقتها حول قراءة نقدية في المجموعة القصصية «معذرة يا بحر» لعز الدين بومرزوق من خلال دراستها لقصة قصيرة جدا من هذه المجموعة تحت عنوان «رجل لا يعشقه البحر»، اعتبرت أن هناك مفارقة كبيرة بين عنوان هذه القصة القصيرة جدا والعنوان العام للنص «معذرة يا بحر»، يستدعي التوقف عندها موضحة أن هناك تضادا وتباينا بين المعنى المباشر المكتوب والمعنى غير المباشر المقصود، مضيفة وكأن العنوان سؤالا استهلاليا من المفترض أن يكون المتن إجابة عليه ومنه حقّقت حسبها المفارقة الغرض المطلوب منها كوسيلة مراوغة ومتعددة الدلالات، ويتوضح ذلك من خلال أنّ العنوان «رجل لا يعشقه البحر» تقابله تعبيرات كثيرة تحيلنا إلى أن هذا الرجل مفتتن افتنانا كليا بالبحر وتقدم البحر كبؤرة مركزية.

د - عبد الحميد هيمة: التّخييل والرّمز بدل اللّغة التّقريرية توجيه النّقد اللاّذع لبعض السّلوكات

وفي مداخلة للدكتور عبد الحميد هيمة المعنونة بالقصة الومضة في دراسة المجموعة القصصية «شبه لهم» لعز الدين بومرزوق، اعتبر أنّ هذه المجموعة القصصية عيّنة للقصة الومضة التي تتميز بخصائص عدة كالتوظيف القرآني من خلال عنوان «شبّه لهم»، والذي يستحضر قصة المسيح عيسى عليه السلام في قوله تعالى {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم}، وهي قصة تختصر لنا الواقع المعيش الذي اختلطت فيه القيم على الناس، وبذلك المجموعة تنغمس منذ عنوانها الرئيس في الهم الاجتماعي ونقد الواقع مما يمنح النص قصة تعبيرية بلاغية عالية الدقة والاختزال. هذا بالإضافة إلى العديد من الخصائص التي نجدها في القصة الومضة لدى عز الدين بومرزوق كلغة التخييل والرمز بدل اللغة التقريرية، المحاكاة الساخرة من خلال توجيه النقد اللاذع لبعض السلوكات الموجودة في الواقع وهي حاضرة بقوة، وكذا التكثيف والشعرية وأحادية الرؤية، كما أشار إلى أن تجربة القاص عز الدين بومرزوق تجربة جيدة في مجال القصة الومضة، وهي تجربة واعدة تستحق من الباحثين المتابعة والاهتمام.
النّقد ينتصر للقصّة القصيرة جدّا
واختتم نفس المتحدّث ورقته بتساؤل حول هل أنّ القصّة الومضة تعد جنسا أدبيا جديدا يرتكز على شروط خاصة لا يمكن الاستغناء عنها أم أنّها مجرد نوع ينتمي لجنس السّرد؟ أم شكل أدبي والإطار الأجناسي يضيق عليها ولا يمكن أن يحوي التنوع الذي تنطوي عليه؟ هل هي طفرة جينية طارئة أو شكل موجود عند أغلب من يكتبون القصّة بنفس حديث؟

د - بلقاسم مالكية: القصّة القصيرة تروّج إلى فلسفة واقعية

هذا وتطرّق في مداخلته الدكتور بلقاسم مالكية إلى فلسفة القصة القصيرة من خلال دراسة في أعمال القاص عز الدين بومرزوق، حيث أوضح أن القصة القصيرة تروّج إلى فلسفة واقعية مرتبطة كل الارتباط بالعصر الذي نعيش فيه، والذي يتطلب اختصار الوقت قدر الإمكان على اعتبارات عدة أهمها التشتت والمقاطعات التي أصبح يتعايش في ظلها الإنسان، وقلة الانتباه والتركيز ونفاذ الصبر، كل هذه الأمور حتّمت على الإنسان كما ذكر الاختصار في كل أمور حياته.
وفي دراسة للأستاذة هدى نمير بعنوان العتبات السردية في المجموعة القصصية قلب..مختل عقليا، اعتبرت أنّ فن القصة القصيرة جدا هو فن صعب لا يبرع فيه إلا الكتّاب القادرون على تقنّص اللّحظات العابرة، وأنها مجازفة وتحد للقاص من أجل إثبات قدراته، مشيرة إلى أن المجموعة القصصية «قلب..مختل عقليا» كانت عبارة عن قصص قصيرة جدا تحاكي الواقع الإجتماعي الجزائري المعيش بوضوح، مشيرة في نفس الوقت أنّ الكاتب وفق إلى حد كبير في اختيار العنوان الذي ربط من خلاله اختلالات العقل بالقلب، في إشارة إلى العلاقة المتداخلة بين كليهما.
بالنسبة للأستاذة وردة بالي التي قدّمت قراءة نقدية في المجموعة القصصية «شبه لهم»، أشارت إلى العديد من الإقتباسات التي احتواها النص، بالإضافة إلى تقنية السردية الثنائية كاستخدام ثنائية العامية والعربية في المتن، والتي أعطت بعدا وبصمة خاصة لبيئة القاص، فضلا عن الثنائية الضدية والتي تتوضح في السواد والبياض، الخاسر والفائز، الجن والملائكة بالإضافة إلى الثنائيات غير المباشرة التي كانت كألواح يرسمها القاص في ذهن المتلقي مثل ثنائية الحياة والموت.