طباعة هذه الصفحة

النّاشط الجمعوي سمير بوراس د:

الشّراكة بين المثقّف والسياسي حتمية لا مفر منها لتفعيل الحركة الثّقافية بالجزائر

باتنة: لموشي حمزة

يعتقد الأستاذ سمير بوراس رئيس الجمعية الثقافية «أصدقاء بلدية باتنة»، والفاعلة في الحقل الثقافي بالولاية، أن هناك قصورا لدى غالبية المواطنين في فهم ماهية المثقف، الذي ينحصر حسب الفهم العام في حاملي الشهادات الجامعية أو المتحصلين على الدرجات العلمية الرفيعة، بل هناك مثقفون كثر ولهم تأثير في عوالم الثقافة.

ويعرّف ضيف جريدة «الشعب» بوراس الثقافة بالتأكيد على أنها المهارات والقدرات التي يكتسبها المثقف من خلال تحصيله لأكبر عدد ممكن من المعلومات في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والعلمية، وغيرها مما يجعل تحليله لكل ما يستقبله مختلفا عن غيره، فالمثقف ملم بالسياسة بصفة أكثر نجاعة و شمولية من السياسي نفسه، لذا فالشراكة بينهما حتمية لاتخاذ قرار صائب آني ويتماشى والمرحلة، بحيث يوفر المثقف للسياسي قاعدة بيانات واستشراف نتيجة تراكمات معرفية لديه.

إشراك المثقّف في السياسة مربوط بموضوعية طرحه

وبخصوص التهميش الذي تتعرض له النخبة المثقفة في المجال السياسي بالجزائر، فيوضح محدثنا بأنه مزيج عزوف المثقف وتهميشه من صناع القرار في المشهد السياسي لأنّنا نشهد حاليا تأزم العلاقة المثقف والسياسي، ومرده الدور النقدي الذي يلعبه أغلبية المثقفين وإلصاقهم في كل فرصة جل تهم التخلف والتأخر وغياب التنمية بالسياسي وحده، في حين أن عزوف المثقّف وتفريطه في أهم قضايا مجتمعه، وكذا انخراط بعضهم في دعم وتعزيز بعض السياسات الخاطئة بحكم الانتماء الجغرافي أو التوافق الإيديولوجي أو التوجه الحزبي ساهم بصورة أو بأخرى في تهميشه ومحاربته من بعض الدوائر المخالفة وغير المسايرة له، وهذا لديمومتها وضمان بقاء سيطرتها، لذا فإشراك المثقف في السياسة مربوط بموضوعية طرحه وعلاجه للأمور لتجنيبه الصراعات التي ترميه خارج الحلبة والسياق.
فمن الجلي يضيف الأستاذ سمير بوراس الناشط الجمعوي في قطاع الثقافة بولاية باتنة، أنّ المثقّف يميل للتشكيك في كل المعطيات المعروضة أمامه تجعله دائما في رحلة بحث عن مواطن الخلل مما يعزّز لديه ملكة النقد بعد التفكير والتحليل، وبالتالي تواجد المثقف في هيئة منتخبة كالبلدية أو المجلس الولائي أو حتى البرلمان تنقله من مثقّف ناقد إلى مثقف مقرر أو مشرع، فيدخل في مرحلة الإنتاج والتأثير المباشر ليترجم دراساته السابقة إلى قرارات وقوانين لتخلق نوع من التحرر الثقافي لديه لتشخيص مواطن الضعف والعمل للقضاء عليها، والمساهمة في غرسها في إطاره المعيشي، وقد يؤدي تواجده ضمن نيابات أو لجان إلى تطبيق فعلي للثقافة الإنتاجية على أرض الواقع.
هذا التأثير القوي والفعال يجعل أغلبية رؤساء الأحزاب إذا استثنيا منهم الأكفاء - حسب بوراس - يرون في المثقف ذلك الفرعون المتمرد الذي قد يكون مصدر خطر وتهديد لوجودهم واستمرارا لهيمنتهم، فقد أصبح مجرد ترشيحهم أو إعطائهم حتى فرصة الانخراط في الحزب خطيئة لا تغتفر هذا لممارستهم أسلوب التشدد والانتقاد الصريح للأوضاع القائمة في غالب الأحيان، مستثنين من هذا الحكم مثقفو الحزب ما انجر عنه تحييدا للنخب وتغييبها، وما تبعه من فراغ ثقافي في بعض الأحزاب، ضف إلى ذلك مبدأ العروشية في تقديم المترشحين أو ما يسمى بممثل العرش في القائمة الإنتخابية، والذي غالبا ما يكون شخصا طاعنا في السن أو من أصحاب المال والجاه بعيدا عن امكانياته المعرفية والثقافية، والترتيب يكون حسب قوة العرش لا على معيار الكفاءة والرصيد العلمي، ما عدا بعض العيّنات الخفيفة التي نجحت بها بعض الأحزاب العريقة وحتى حديثة النشأة.

النّخبة المثقّفة والجمعيات تتحمّل مسؤولية عزوفها عن المشاركة السياسية

فمعظم بلديات الولاية تعيش ركودا ثقافيا يضيف بوراس سمير لغياب مثقفين على رأس هيئاتها الثقافية، ووجود من لا علاقة لهم بالثقافة، وهذا راجع بالأساس لعزوف النخبة عن خوض المعترك السياسي من جانب، ومن جانب آخر تغييبها العمدي من بعض الأحزاب أثناء تحضير القوائم، كما أن المسؤولية لا تقع على عاتق الأحزاب وحدها، فبعض الجمعيات الانتهازية والتي تمارس الثقافة الربحية هي الأخرى مسؤولة عن تردي الوضع وانحطاط المستوى، ووجب علينا في هذا السياق ذكر بعض التجارب الناجحة كبلدية باتنة التي ساهم مسيّرو  هيئاتها الثقافية في خلق حركية ثقافية ملفتة، ناهيك محافظة باتنة لحزب جبهة التحرير الوطني لامتلاكها مركزا ثقافيا يضم مكتبة تحوي آلاف الكتب ومجمع سمعي بصري احتضن العشرات من الندوات واللقاءات الفكرية.
 كما أنّ «جمعية شباب أصدقاء بلدية باتنة» التي يترأّسها السيد بوراس ساهمت - حسبه - بالقسط الكافي في تكريس مفهوم إشراك النخبة والمثقفين في التنمية، والتنظيم السياسي من خلال سلسلة منتديات حول دور النخب في التنمية المحلية، بحيث ينظّم بصفة دورية بمشاركة مثقّفين ودكاترة ورؤساء بلديات ومنتخبين ومجتمع مدني، حيث يتم في كل مرة مناقشة وطرح مواضيع متعلقة أساسا بنقد
وتشريح الأساليب، والنظم الخاصة بالتنمية والخروج بتوصيات طبق بعضها في الميدان، ناهيك عن تكريسنا للثقافة الجوارية من خلال عدة أنشطة على مستوى الأحياء والمجمعات السكنية لتبادل الكتب وقراءة في أهم العناوين لرفع المستوى، وتقليص الهوة بين المثقف والمواطن التي ما فتئت تتّسع في ظل التطور التكنولوجي الذي يكرس الهيمنة الخفية لثقافات أجنبية، بالإضافة إلى المساهمة في تكوين نشء مثقّف، وحثّه على المشاركة الجمعوية والسياسية من خلال ندوات تكوينية ومخيّمات شبانية.