طباعة هذه الصفحة

الدكتور أحمد عبد الله بقار:

يمضي الرجال ويبقى الأثر

ورقلة: ايمان كافي

يقول الدكتور أحمد عبد الله بقار الأستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة قاصدي مرباح، أن الرجل بـ(ال) التعريف، هو الذي تتسّع دائرة اهتمامه ليكون فيها الوطن الواسع والأوسع، الذي لا يعيش لنفسه، بل يسكنه الهم الأكبر لمحيطه الواسع بكل ما فيه من جمال وقبح، وفي هذا أستحضر المرحوم «أحمد شريبط» الذي يقول معبرا لأحد سائليه حينما التقاه في سوريا في اتحاد الكتاب العرب سنة 1997 عن المرض الذي هزَّ جسمه ولكنه لم يفتَّ من عضده، متكلما ـ فيما يبدو - عن جمعه لأعمال الروائية الجزائرية «زوليخة مسعودي» .
في البداية لمّا بدأت طباعة أعمالها الأدبية، كنت في بداية مرضي، كنت أعاني من القصور الكلوي الحاد وبدأت أخضع لعملية تصفية الكلى منذ عام 2000 بمعدّل ثلاث مرّات في الأسبوع، وتراكمت عليّ مجموعة من الأمراض وهموم أخرى، تراكمت لدي أعمالي أريد أن أطبعها وأعمالها أيضا، وبدأت رحلة طباعة الأعمال الكاملة وكانت شاقة، متعبة ومؤلمة، خاصّة وأنّني كنت في ظرف صحي قاس جدا، كنت أقرب إلى القبر، إلى باطن الأرض من سطحها، وكنت أسابق الزمن ويسابقني، يلاحقني وألاحقه، كنت صباحا أقوم بعملية تصفية الكلى وفي المساء إلى ساعة متأخرة من اللّيل أقوم بالكتابة، لا يصدق في هذا المقام إلا قول الشاعر العربي الذي يقول،

إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام

وهنا يوضّح الأستاذ أحمد بقار أن الذي شدّه في قوله السابق عراكه للزمن ومغالبته له رغم سياط المرض التي لا ترحم «وكنت أسابق الزمن ويسابقني، ويلاحقني وألاحقه»، لعلمه أن ما بين يديه من أعمال لا تحتمل التأجيل، فقضاء الموت قد يعتري فجأة، والمرض رسول من رسل المنية، ولا يريد الرجل أن يمضي من دون أن يترك أثرا.
أراد المرحوم شريبط ـ يضيف المتحدث ـ أن يقدّم لهذا الوطن من زبدة روحه وعقله وفكره خدمات جليلة وبإخلاص كبير، فكما خصّ الشهداء دماءهم وأرواحهم فداء للوطن، خصّ هو قلمه لخدمة تاريخ وثقافة وأدب هذا الوطن، حتى مات على ذلك، وآثاره خير دليل وشاهد، ومنها، «تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة»، وكتاب «الخطاب الأدبي الجديد: وهم الواقع وعنف المتخيل»، وتناول في البعض منه تجارب بعض الشعراء الجزائريين، وقدّم تحقيقا لكتاب «مائة ليلة وليلة وحكايات أخرى» للباهي البوني، وهذا وحده أثر مهم يعكس حرص الفقيد على كل ما يتعلّق بتاريخ وثقافة الجزائر، وكتاب الحركة الأدبية المعاصرة في عنابة، وكتاب عن الأديب عبد المجيد الشافعي، قدم فيه بعض الآراء والأطروحات النقدية حول أعماله.
كما يكفيه جهدا أنه أخرج أديبة نموذجية للوجود إنها (زوليخة مسعودي) التي عاجلتها المنية في ريعان الشباب، ويقر شريبط أنها أول من أدخل الأسماء الشعرية العربية المعاصرة للجزائر (السياب ونازك الملائكة)، وكتاب «دراسات ومقالات في الأدب الجزائري الحديث»، و»كتاب جميلة بوحيرد» هذا الذي أحسست أنه أقرب الأعمال إلى روحه، ويبدو أنه لم يكتبه بالحبر والأوراق، وإنما كتبه بمرضه، وبعلب الدواء التي تحوط به من كل جانب، وبتصفية الدم الذي يكاد يكون يوميا، لقد كتبه بتحدّ كبير، ويقع في 504 صفحة، ويحتوي على العديد من القصائد والشهادات والأعمال الأدبية التي أبدعت تخليدا لأسطورة النضال الجزائري جميلة بوحيرد، هذه الآثار وغيرها كثير تمثل محكا حقيقيا وأثرا في حياة الرجل بشكل خاص، وفي حياة الجزائر الوطن بشكل عام.
من هنا أكد محدثنا أن هذا الرجل يحتاج إلى اعتراف وتكريم خاص من لدن الجهات الوصية، كما تحتاج أعماله إلى أن تدرس في أعمال أكاديمية متخصّصة، فهي أعمال جليلة تعكس بصدق أثرا طيبا لرجل أفنى حياته موصلا ليله بنهاره خدمة لهذا الوطن، ولسان حاله يقول، «لا تنسوا لقد مرّرت من هنا».