طباعة هذه الصفحة

الأستاذة فايزة رياش:

التّراث يسكنني....

ن.ل

البحث عن الحلقة المفقودة بين المواطن الجزائري والثّقافة المتحفية هدفي

الكثير يعتقد أن حقل التراث لا يتعدى أن يكون عملا محصورا على القطع الحجرية أو الهياكل العظمية، أو مواقع أثرية وتاريخية قديمة، لكن التراث هو تواصل مع الماضي والغوص في حضارات الانسان القديم، التراث هو المجال الوحيد الذي يجمع كل المجالات الثقافية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياحية، لذلك كان يستوجب علينا إخراجه من الدائرة التي تمّ حصره فيها، وهي أسوار المتحف أو حدود الموقع الأثري.
تجربتي كمحافظة التراث الثقافي في المؤسسة المتحفية لم تكن عادية، فمنذ التحاقي بمتحف الباردو وأنا أبحث عن الحلقة المفقودة بين المواطن الجزائري والثقافة المتحفية. منذ البداية عقدت العزم أن أخلق رابطا بين التراث والمواطن، فصرت أبحث عن سبل تمكّنني من الترويج للتراث الثقافي ورفع الوعي لدى جميع شرائح المجتمع للحفاظ عليه، ومع الغلق المؤقت لقاعات العرض بمتحف الباردو بسبب أشغال الترميم، صار هدفي هو جلب الزوار إلى الباردو حتى وإن كان المتحف مغلقا، فجاءت فكرة الورشات البيداغوجية لما قبل التاريخ، ونجحنا فعلا في إعادة الزوار للمتحف من خلال جلب التلاميذ والعائلات أين كنا نستقبلهم يوميا بحديقة الباردو، فلم أتوقف عند هذا الحد، فحملت حقيبتي المتحفية و التي تتمثل في الورشات البيداغوجية و صرت أصول و أجول بها في المدن و الولايات مثل الأغواط، البيض، مستغانم، معسكر، عين الصفراء، بريان، المنيعة، جانت وغيرها وهدفي كان واحدا هو تقريب الطفل من مجال التراث والآثار، وأن أساهم في تربية جيل يحب الآثار ويعتز بتاريخه وبهويته، وكانت كلها تجارب حفرت في ذاكرتي. لكن تجربة بريان بغرداية كان لها وقع خاص، كيف لا وأنا أرى الأطفال يحملون لأول مرة قوقعة بحرية ويصنعون لأنفسهم عقدا أو سوارا يلبسونه، كانت دموعي تسبقني وأنا أرى طفلا يحمل ورقة ومغرة فقط من أجل أن يرسم لنا آماله وأحلامه، بكيت حينها ليس حزنا ولكن فرحا لأنّني استطعت أن أغرس بسمة على شفاه أطفال بريان، خاصة بعد المرحلة الصعبة التي مرت بها المنطقة، وفي كل مرة ولدى عودتي أشعر بالحزن لأن أغلب الأطفال كانوا يجهلون فترة ما قبل التاريخ، وحينها فقط خطرت لي فكرة، وهي أن أجسد كل حضارات ما قبل التاريخ في لعبة ورقية. وبالفعل قمت بتصميم ونشر اللعبة التي أطلقت عليها اسم «العائلات السبع لما قبل التاريخ»، وصار يقتنيها الكبير قبل الصغير.
لم يتوقّف طموحي هنا، فبعد أن صار من الصعب جلب المواطنين إلى المتحف، فكّرت مليا ووجدت أن الحل الوحيد هو الخروج بالمتحف إلى الشارع، فاستطعت أن أكون فريق عمل وأن نقوم بتنظيم أربع طبعات لتظاهرة المتحف في الشارع، ونجحت التجربة في إعادة الجمهور الى المتحف.

التّراث ذاكرة الأمة ومرآتها

 كان طموحي كبير، لكن منصبي كمحافظ للتراث لم يعد يكفي لتحقيق المزيد من النجاحات في ربط الطفل بالتراث، فطموحي صار يتعدى أسوار المتحف ففكّرت بتأسيس جمعية وطنية لحفظ التراث الثقافي، والحمد لله تحقّق الحلم، فغادرت المتحف إلى الجامعة وبالضبط إلى كلية علوم الاعلام والاتصال وصار الهدف أكبر، وهو البحث عن الحلقة المفقودة بين المواطن الجزائري والثقافة المتحفية، والذي سيكون الوسيلة الفعّالة في الترويج للتراث الثقافي والمواقع الأثرية ويكون في المستقبل مصدرا اقتصاديا مهمّا للجزائر، ولأن التراث ذاكرة الأمة ومرآتها، أسأل الله أن يوفّقني إلى التّرويج لتراثنا عالميا، وأن نساهم في إعادة افتتاح متحف الطّفل الموجود بتيليملي ليحضن آمال وأحلام كل أطفال الجزائر.
* أستاذة جامعية بكلية علوم الاعلام والاتصال ورئيسة الجمعية الوطنية «تراث جزايرنا».