طباعة هذه الصفحة

الدكتور ياسين بن عبيد في حوار لـ «الشعب»:

غياب المنابر المتخصّصة فسح المجال لمنابر موازية وبدائل غير شريفة

أجرى الحوار: نور الدين بوطغان / سطيف

يرى الدكتور ياسين بن عبيد من جامعة سطيف 2 محمد لمين دباغين، أنّ للنص الشّعري الجزائري سمعة عربية لا ترد، ويلاحظ غياب المنابر المتخصصة ما فسح المجال لمنابر موازية، وفي هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة «الشعب» يتطرق الدكتور والشاعر للعديد من النقاط التي تخص راهن الشعر الجزائري.

❊ الشعب: دكتور ياسين بن عبيد نبذة عنكم إذا سمحتم؟
❊❊ الدكتور ياسين بن عبيد: نعم شكرا على هذا الحوار للجريدة العريقة واجابة على السؤال أقول ياسين بن عبيد شاعر جزائري، مترجم ومساهم في الحركة النقدية جزائريا وعربيا، دكتور مؤهل في الأدب المقارن والنص الصوفي، أستاذ بجامعة سطيف2، يكتب باللغتين العربية والفرنسية، له 6 إصدارات شعرية إلى الآن: «الوهج العذري، أهديك أحزاني؛ معلقات على أستار الروح؛ غنائية آخر التيه؛ هناك التقينا ضبابا وشمسا؛ فارس في مملكة الغيم»، وله مجموع دراسات بالعربية وبالفرنسية، صدر بعضها بالجزائر وبعضها الآخر بألمانيا.
❊ ماذا يمثل لكم إشكال راهن الشّعر في بلادنا؟
❊❊ راهن الشعر الجزائري إشكالي بالمعنى الوافي للكلمة إذا نظرنا إلى الأداء الفردي لبعض الشعراء وجدنا ما يبعث على احترامه والإشادة به، أما ما يتجاوز الفرد إلى غيره فكارثي حقيقة. النص / الفرد في الجزائر لا مزيد على قوته وأصالته، خير دليل على ذلك ما يحظى به خارج الجزائر. للنص الجزائري سمعة عربية لا تُرَدّ، وتكييف مع الراهن لا يخطئ تقديرَه، سلوا إذا شئتم المؤسسات الراعية للمسابقات مثلا (وإن كانت المسابقات أدنى من أن تكون مقياسا لمثل هذا الحضور)، تتأكّدوا من أن مشكلة النص الشعري الجزائري ليست في حمولته الجمالية ولا هي في مضامينه وفي خطاباته، ولكن في محليته...
❊ ماذا عن المنابر المتاحة للشّعر الجزائري؟
❊❊ هناك ملحظ ينبغي النظر إليه بجدية، هو غياب المنابر المتخصصة في الجزائر، الأمر الذي فسح المجال للمنابر الموازية وللبدائل غير الشريفة في إرساء نظام ثقافي يشبه العروشية في أسلوبه، وينافس الرداءة الموجودة هنا وهناك في تعاطيه مع الفعل الثقافي. لا أعتقد أن هناك من ينكر أن الساحة تعج بأسماء صلتها بالشعر ضعيفة، وفي الساحة حضور مشبوه لأناس غاياتُهم السمعةُ على حساب الأصالة، وطريقُهم الانتهازيةُ والتسلقُ للوصول إلى واجهات أُعِدَّتْ لغيرهم، والحديث قياس كما يقال بالعامية، كأن الغاية من تعاطي الفعل الثقافي هي المركز ومجرد الإطلالة، وكأن المنتظر من المثقف أن يعلن عن ذاته من غير إعداد حقيقي لهذا الإعداد...
الحديث عن المنابر، والخطأ في تقدير أدوارها، يبعث على تساؤلٍ مشروعٍ عمّن يقف وراء هذه المنابر، وعن الدوافع التي تُغَذِّي المواقفَ التي نندّد بها ولا نقبل بها جملة وتفصيلا. نعلم أن الجهات الرسمية تُسعف هذه الأطرَ بإعاناتٍ نعرف وجودها ولا نعرف مقاديرها، ونتصوّر مردوديتها ولكننا لا نلمسها. لا أريد الدخول في تفاصيل الغايات الرسمية وفي سياساتها تجاه الثقافة، لأني لست عدوّا لأحد، ولكني أقول بما يشبه الجزم إن الدور الرسمي، إلى عهد قريب، لم يتجاوز مسألة التسويق لديماغوجيةٍ الهدفُ منها تلميع الصورة الرسمية، ولا تُتبع حقيقتها برقابة لصيقة بالفعل الثقافي، تؤكد على استثمار الرسمي في الثقافة لأنه واجب محتوم، يوكل إلى أمناء عليه لا إلى غيرهم.
❊ ماهي المشاكل الأخرى التي يعاني منها راهن الشّعر الجزائري؟
❊❊ الراهن يعاني من مشكلة أخرى لا تقل خطورة عمّا ذكرنا، هي عقلية التكتل التي تأبى الانصراف من الممارسات الثقافية في الجزائر. لا تتوقّع إذا كنت شاعرا أن تُقرأ بمستحقك من العناية إن كنت خارج المنطق اللوبي، ولا تنتظر أن تُدعَى لمختلف فرص التمثيل، في الجزائر وفي غيرها، إن كانت لك خصومة، من أي طبيعة كانت وبأي دافع كان، مع الجهات المتكتلة (إيديولوجيا وبحساب الانتماءات المعلنة والمبطنة)؛ يدعوني الأمر إلى إثارة مشكلة تتفرع عن هذا الذي نلمع إليه، هي استدعاء المغمورين (بحكم السن أو بحكم الأهلية) إلى الواجهة لأنه يسهل بهم ضرب الأسماء المرشحة للإقصاء، الأمر الذي كرّس من جهة صنميةَ بعض الأسماء، واستفراغَ الحرب على المرادين بالإبعاد وما هو في حكمه، وسهّل من جهة أخرى عملية الاستحواذ على الواجهة الثقافية، بالدواعي التي ذكرنا.
❊ ماذا عن الايديولوجيا في العملية الابداعية الشّعرية؟
❊❊ مشكلة الإيديولوجيا لا يمكن نكرانها، وبرأيي يجب إثارتها بشجاعة لمواجهة أخطارها. في جزائر التعددية، يجمل بالفعل الثقافي أن يحتوي التمثيليات على ما بينها من اختلاف، لأن التفاعل الإيجابي يقوم على التنوع لا على الأحادية، والفعل الثقافي بصورة كلية إذا نهض على استبداد النافذين، وأكثرهم من المادة الثقافية المغشوشة، مآله الانتكاس وفساد الحال، والتجارب أثبتت ذلك. لكل مثقف أن يتخندق إيديولوجيا، وله أن يتصرف بما تمليه عليه قناعاته، ولكن من الممنوع أن يتسلط في فرض رؤياه على غيره بمنطق التخطئة والإدانة كأنه إله يجب السجود له. إذا أضفينا الإيجابية على الأدلجة وجدنا أنها الداعية إلى المنطلق الذي هو قاعدة الكتّاب والشعراء والمفكرين عموما، وفي التجارب الإنسانية وفي مثيلاتها المحلية كثير من النماذج الخالدة الآتية من هذا الحيز، ولكن إذا خرجنا من النظرية إلى تطبيقاتها في كُتَّابنا ومثقفينا - على ما بين الجميع من عموم وخصوص - وجدنا الأمر بعيدا عن حقيقة ما يجب أن يُعِدَّ به الكاتبُ أو الشاعر نفسَه، وما ينبغي أن يأخذ به أداءه إن كان يحترم نفسه...في النفس شيء كثير من هذا المعنى لأنّي ممّن عانوا منه في وقت من الأوقات.
❊ كيف ترون فرص النّشر للشّعر الجزائري؟
❊❊ لمشكلة النشر، أعني فرص النشر في الجزائر دور رئيس في إدارة الممارسات الثقافية وإرساء تقاليدها. يتاح الآن لكثير من الأسماء أن تنشر، وهو أمر جيد من حيث المبدأ، ولكن الرهان على نوعية المنشور (أعني ترك النظر إلى المضمون الحامل لمشروع مثلا، أو الانصراف عن خطاب المشروع إلى وجه صاحبه وقابليته للتطويع وبيع الذمة)، هذا الرهان هو الذي أفسد الحسابات وشوّش على الخارطة الثقافية وجنى من هنا على الذوق...تداعيات ذلك جانية...صدقني يا سيدي...
آن الأوان للحديث عن البدائل، ما ينبغي أن تُوغِل في السوريالية، ولا أن تنصرف إلى المثالية بكليتك، لتقول إن استدراك الأمر في الراهن الثقافي الجزائري أمر ممكن جدا. يهون الأمر لو أن الثقافة تُرِكت للثقافة، وتركت السياسة لمن هي لها بنت عمة وبنت خالة. الفيصل بينهما يبدو لي أكثر من مهم، لأن فيه الحاجز بين السماوي وبين الترابي، وفيه الفارز بين ما هو نفعي وما هو مجرد، بين ما هو محدود وما هو مطلق.
❊ كلمة أخيرة من فضلكم؟
❊❊ أعتقد أنه مهم أن تعتذر الجهات الرسمية التي استدعت إلى الواجهة أسماء لا تمثل أحدًا، والتي نشرت أعمالا لا تمثل حتى أصحابها، كل ذلك على حساب خصوبة جزائرية من حقها أن تمثل بلادها في المحافل، وأن تتحرّك - على الأقل - في الجزائر التي هي فضاؤها الطبيعي ومجالها الفطري، من غير حسيب غير الأصالة ومن غير رقيب غير الشعر.