طباعة هذه الصفحة

الشاعرة «صليحة نعيجة» تتحدث ل« الشعب»:

الثقافة النخبوية اندثرت والعولمة قلصت المسافة بين المبدع و جمهوره

قسنطينة/ احمد دبيلي

المسؤول المبدع بالأمس، كان يحترم المتلقي ويؤسس للفعل الثقافي المجاني

على قلتها، لا تستقطب معظم النشاطات الثقافية و منذ سنوات، إلا القلة القليلة من المهتمين بالشأن الثقافي وهذا مقارنة مع سنوات السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي، حيث استطاع الحراك الثقافي وقتها، وعبر العديد من الأسماء التي اشتهرت آنذاك، خاصة في المجالات العلمية، الأدبية و الفكرية من  تفعيل الساحة الثقافية و جعل الأخر يتفاعل مع الحدث، بل و الأكثر من ذلك أن هذا الأخر أصبح شريكا فاعلا في المعادلة الثقافية.

 و إذا كان مرد هذا العزوف أو الغياب يعود اليوم لأسباب ظاهرة وأخرى خفية، فان الآراء في تحليل ودراسة هذه الظاهرة تختلف وتتباين بين نخبة المحللين للوضع السائد؟، الكاتبة و الشاعرة « صليحة نعيجة» وبجرأتها المعهودة، دلت بدلوها لجريدة « الشعب» في هذا الموضوع، وهي المطلعة على خبايا عالم الفكر والأدب و المحتكة بالجمهور، والقراء  والنخبة المثقفة عموما.                   
+ عزوف الجمهور يطرح أزمة هوية حقيقية ؟
في بداية حديثها قالت الشاعرة «صليحة نعيجة»: « إن ظاهرة عزوف الجمهور عن معظم الفعاليات الثقافية أصبحت ملفتة جدا للأنظار و تستحق الدراسة و الاهتمام والانتباه لها كواحدة من أخطر الظواهر التي تكاد تخلق أزمة هوية حقيقية فعلا، بحيث تجد نفسك أمام سؤال مربك و هو سؤال يورطنا بحثا عن الإجابة꞉ من هو هذا الجمهور الذي ينبغي أن نؤسس لأجله حراكا ثقافيا ووعيا بمطالبه˓للتعبير عن كينونته˓ومطالبه كجزء مهم و رافد هام للتعبير عن مسار الشعوب؟  
هذا الجمهور،الذي تقوم الدنيا و لا تقعد لإرضائه و التغني به و بنهمه، صار غائبا بشكل مريع عن المشهد و خصوصا في المناسبات الثقافية و الأمسيات الأدبية و المهرجانات المحلية˓الجهوية وحتى الدولية، فنصدم أمام متلقي نضرب له موعدا قد نتغيب لأجله عن عملنا و نسافر لأجله و قد نتج من عناء السفر و مكابداته، إلا أننا لا نجده بعقر داره -اعني مدينته - أقول هذا و أنا أعرف معاناة المبدعين ممن وجدوا أنفسهم ضيوفا للجدران  بالمدن البعيدة و حفلات توقيع مؤلفاتهم إلا من بعض منظمي النشاطات الثقافية وفق رزنامة تقوم على ترسيم تقاليد دور الثقافة و المسارح و قصور الثقافة إلا أن الجمهور( الكسول) أحيانا، (المتكاسل) دائما، لا يأتي على غرار جمهور الرياضة والغناء.. فهل هي رسالة معينة ؟؟..»
+ الإعلام له الدور الرئيس في الحراك الثقافي واستمالة الجمهور
وفي السياق ذاته تضيف المتحدثة:«.. أعتقد أن للإعلام دوره الرئيس و انهماك الجمهور بكل ما هو ترفيهي بعيدا عن جدية المحاضرات الفكرية  التاريخية و التربوية التي تستدعى جمهورا معينا ونخبويا يسلط أفكاره يحرك بأسئلته دواليب الثقافة و يرمى بتوقعاته و خيباته وطموحاته وآماله بمرمى المسؤولين فيحرجهم... كان هذا ديدن المثقف الحقيقي دون النظر الى رثيته أو مهنته لان الهم الثقافي لا لقب و لا شهادة له..
 .. صرنا نفتقد فعليا لجو حوار و نقاش هادئ أو حتى سجالات تصل حد الغليان و الصدام الفكري... لا يهم ؟ كل الذي يهم هو أن نلتقي على صفاء الفكرة و هم التغيير، والغاية هي التواصل لأجل التغيير إلا أننا نصدم دوما بالسلبية...سلبية «شاعر أو مفكر أو محاضر» لا يأتي ( سلبية جمهور لا يأتي )، سلبية جمهور لا يطرح الأسئلة و لا يعي دوره و فاعليته مهما صغر حجمها...؟
بين كل الفاعلين الثقافيين الغياب الكلى للمثقفين إلا ممن «رحم ربى»، و تلبية الدعوة تأتى غالبا نزولا عند رغبة مسؤول نقدر مجهوداته لأجل حراك واع إلا أن الزائر يقع بحيرة حتى المسؤول لا يخفى حياءه من المدعو الذي قد ترك مهامه وضحى بسويعات عمل و أياما بل أسابيعا تحضيرا لورقة مهمة بعدها تفاجأ ممن يصطحبه، هل هذا هو جمهور الثقافة ؟؟؟ يجد نفسه، يحدث نفسه؟ أمام بعض زملائه فلا تتعدى الجلسة أصابع اليد الواحدة؟ و قد تصل لأصابع اليدين و لكنها ليست كافية، إذ يتميع النقاش و قد يخرج عن إطاره لان الجمهور المفترض أن نخاطبه غائب عن مجال التغطية أو أنه يبحث له عن مرافئ أخرى للمتعة و اللهو و المرح اللحظي بعيدا عن جدية الأكاديميات والبحث و التنقيب فمكانها المكتبة و الجامعات و المحاضرات أما تلك المناسبات بالنسبة له لا  تخلو من الروح العلمية و هذا مؤشر فشلها و هو بذلك يهرب من حصص الأكاديميين للمعرفة أو ربما كل المعارف التي رصدها الضيف لا تعنيه..»
وتواصل « صليحة نعيجة»:«..هناك ظاهرة ملفتة فعلا لا تريد أن تندثر وهي حضور شلة مبدع ما ؟ و خروجهم فور اللقاء وهذا من سوء، بل انعدام آداب الجلسات حيث يجدر بنا عدم الحضور أصلا و التعبير عن تقزيم الباقي بهكذا أسلوب مخز و لقد رأيت هذا بأم عيني بعديد المناسبات وفي عديد الولايات.
فعلا، إن الأزمة تكاد تكون عامة و خانقة مما جعل بعض المبدعين يترددون في تلبية الدعوة لأنها ستكون عكس توقعاتهم ومخيبة.
و على ذكر التركيبة البشرية للقائمين على النشاطات الثقافية، فأكاد أجزم أنها لا تزال تتعامل مع الجمهور بفوقية و تعال لان الثقافة النخبوية قد زالت و مع العولمة فقد انعدمت المسافة بين المبدعين و جمهورهم و بالتالي فالجمهور صار انتقائيا لأنه اعلم بمواعيد نزول كاتبه «عالمه، مؤرخه،فنانه» المفضل على مدينته و بضرب لهم موعدا من خلال صفحته ب«الفايس بوك» بعدما كانت الدعوات قديما تسلم يدا ليد أومن خلال مكالمة هاتفية لأعيان المدينة ومثقفيها و مبدعيها و حتى سلطاتها المحلية... فكل هؤلاء كانوا بالعشرية السابقة أوفياء لكل المواعيد الثقافية لان القائمين على الثقافة كانوا مبدعين  يحترمون المتلقي و الاختلاف و يؤسسون لفعل مجاني لتوعية الأجيال دون النظر للرتب و المؤهلات ..»
وتختم أخيرا قولها:«.. حاليا المثقف يعلم انه مجرد أداة لتفعيل حراك لسد الفراغ و الجمهور أيضا يعلم ذلك كأننا أمام لعبة لا نعلم مسبقا أننا ضحاياها بكولسة القائمين على الثقافة لان هذا الجمهور تغير كثيرا و صار يتنقل وفق أهوائه و مطامعه و علاقاته و أصحابه و قد يفعل العكس لينتقم من غريمه كي تفشل نشاطاتهم رغم انف الإعلام و ذلك ب«كولسة» فظيعة ..
أقول هذا و أعي تمام الوعي أن الحراك الثقافي لأجل جمهور افتقدناه  ينبغي له النزول من الأبراج العاجية لمسؤولى الثقافة بكثير من التواضع  لان مأدبة المعرفة صارت بالمتناول و الجمهور ليس بالخب أو الخب يخدعه و هو معول بناء و هدم أيضا».