طباعة هذه الصفحة

الإعلامي الطاهر يحياوي لـ «الشعب»

الفعاليات الثّقافية بحاجة إلى التّأسيس لجمهور نوعي

ورقلة: إيمان كافي

تشهد الفعاليات الثّقافية وعلى غرارها العلمية في الجزائر عزوفا جماهيريا واضحا، حيث يرتبط في أغلبها الحضور بافتتاح فعاليات هذه التظاهرات من طرف شخصيات معينة أو بمشاركة هذه الشخصيات،وبمجرد مغادرتها القاعة حتى يجد القائمون على النشاط أنفسهم في قاعات بكراسي خالية لا وجود لتفاعل ولا نقاش على الرغم من أهمية المواضيع المطروحة.

وقد خلّف هذا الوضع الذي عرف تزايدا في مؤشّراته الواقعية العديد من التساؤلات حول أسباب غياب الجمهور النوعي أو المختص والنشط والتفاعلي في مثل هذه التظاهرات، من هنا انطلق الإعلامي والأديب الطاهر يحياوي في حديث لـ «الشعب» حول ظاهرة عزوف الجمهور عن الحضور، والتفاعل مع التظاهرات الثقافية المختلفة في بلادنا.
واعتبر الطاهر يحياوي أنّ هذا يعود بالأساس إلى أن تكوين الجمهور المتميّز والراقي الذي يتابع القصيدة الشعرية والمحاضرة والندوة ليس أمرا متاحا بسهولة في الوقت الحاضر، نظرا لأنّ خلق الجمهور النوعي المهتم والمتابع لهذه الفعاليات الجادة ليس بالأمر السهل، ومبرّرا ذلك بغياب الوعي لدى القائمين، والذين يملكون كل الإمكانات والقدرات الكفيلة بتكوين مجتمع راق ومهتم بالشأن العام.
وأوضح الإعلامي يحياوي أنّ كل هذه العوامل كان من شأنها أن تساعد على تسخير المؤهلات الممكنة من أجل البحث في أسباب الظاهرة ومحاولة إيجاد علاج لها، وذلك بالاستفادة من خبرات المختصين في العالم والقادرين على ترقية المجتمع بوسائل علمية ودراسات اجتماعية ونفسية لفهم احتياجات المجتمع، وتحديد أهم سبل تكوين الجمهور في أوساطه، خاصة وأنّ من أهم أسباب العزوف أو التقاطع بين المبدع والفنان والجمهور هو انعدام دراسات للسوق علمية ودقيقة تحدّد ذوق الجمهور وميولاته كما ذكر، فالجمهور بطبيعة الحال يقاطع ما لا يتماشي وأذواقه وقناعاته، كما أن الثقافة في أي بلد في العالم تعبّر عن جمهور البلد، هذا فيما يخص الثقافة العامة، وكلما ابتعد الواقفون عن هوية البلد كلّما لاقوا مقاطعة وعزوفا.
وأشار المتحدث إلى أنّه بعد دخول الجزائر مرحلة التعددية الثقافية والانتقال من الاقتصاد الموجّه إلى حرية الاقتصاد، أوكلت الثقافة إلى المجتمع المدني وبالتالي ظهرت جمعيات كثيرة فاقت 3 آلاف جمعية، ولكن هذا الكم تراجع كثيرا أو ظل مجرّد رقم على ورق، نظرا لغياب الدعم الثقافي في الوقت الذي لا تستطيع هذه الجمعيات الوقوف على أقدامها لأن المجتمع خذلها، فالمجتمع الجزائري لا يقدم الهبات والدعم المالي للجمعيات الثقافية، ولا يقبل على التعاطي معها كما أن قلة قليلة جدا ممن يشترون الكتب أو يدفعون المال لحضور محاضرة أو ندوة والقليل ممن يفعل ذلك مع المسرح والسينما أيضا، لهذا لم تجد هذه الجمعيات حسبه منفذا للبقاء أو لمواصلة سيرها، ورغم تحرير الدعم بقانون وطني إلا أن الهيئات الرسمية لا تدعّم النشاط الثقافي الحر، كما أنّ المجتمع المدني لا يمكنه أن يحتضن الثقافة إلا عندما يكون راقيا ومدركا لدور الثقافة في بناء الإنسان والوطن.
وأضاف ذات المتحدث أنّ غياب النخبة وعدم السعي لصناعتها ساهم بشكل كبير في تشتيت الرأي العام، باعتبار النخبة التي تمثل تلك المجموعة الفاعلة التي تضم خيرة رجال الأدب والفكر والثقافة والعلم هي التي تعمل وتسعى من أجل الارتقاء بالثقافة والجمهور وصولا إلى الجمهور النوعي، هذا الجمهور الذي يشكّل ما يسمى بالرأي العام الذي يتحوّل إلى قوة فاعلة وكبيرة قادرة على فرض رأيها وفكرها كما يحدد مسار الحياة الثقافية والسياسية، موضحا أن الجمهور لحد الساعة مازال جمهورا عاما ولا يمتلك الأدوات التي تجعل منه جمهورا فاعلا ومؤثّرا ومحاورا ومنتقدا، كما أنّ أفراده يختلفون في خصائصهم وأسباب تواجدهم وأغلبهم جمهور فضولي.
لهذه الأسباب وغيرها أكّد الإعلامي يحياوي أنّ واقع المشهد الثقافي مازال بعيدا عن التطلعات، لكن هذا لن يمنع كما أكّد لو عزمنا وظهرت كوكبة من النخبة الفاعلة أن يكون بإمكاننا أن نختزل المراحل لميلاد شعب يفكر ويقرأ ويتذوق ويناقش، وهو واقع في حاجة إلى اختيار من لهم علاقة وإطلاع كبير بالمجال، والقادرين على حمل همّ الأمة والقيام على الشأن الثقافي، مشيرا إلى أنّ الذين عايشوا المشهد الثقافي في التسعينات يعرفون كيف كانت القاعات تمتلئ عندما يعلن إبداع عن أدب الشهادة والشهيد أو عن تكريم الشاعر محمد الشبوكي أو مولود قاسم.