طباعة هذه الصفحة

الكاتب والقاص بشير خلف:

ضرورة تبنّي مشروع ثقافي وطني ومنظومة تربوية فكرية

عنابة: هدى بوعطيح

 

 

 

يرى الكاتب والقاص بشير خلف أنّ جمهور الثقافة ينبني من مشروع ثقافي وطني، والذي يأتي نتيجة مخرجات التربية والتكوين، مؤكدا أنه من هنا تبدأ صناعة الجمهور الثقافي، من غرْس حبّ المعرفة، والتدريب على مهارات القراءة والمطالعة منذ السنوات التعليمية الأولى وصولا إلى الجامعة.
وقال خلف في تصريح لـ «الشعب» بأنّ ظاهرة العزوف عن التظاهرات الثقافية لا تمس الجزائر فقط، مشيرا إلى أنّ الكثيرين يرجعون غياب الجمهور الثقافي من الساحة إلى انتشار وسائل المعرفة الحديثة.

أكّد بشير خلف أنّ مختلف التظاهرات الثقافية في الجزائر من ملتقيات وندوات وغيرها، يغيب عنها الجمهور الثقافي، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالتظاهرات التي تنظّمها الوزارات، أو الهيئات الثقافية محليا ووطنيا؛ أو الجمعيات الثقافية، أو جهات أخرى، إنّما حتى ما ينظّم بالجامعة حيث جمهور الأساتذة والطلبة موجود.
وقال بأنّ هذا الجمهور لا يهمّه عمّا يجري من حوله، حيث أن بعض الأساتذة يُقاطع الندوة لأنه على خلاف مع بعض أعضاء اللجنة المُنظِمة، والطُلاب لا علاقة لهم إلا بالدروس للحصول على العلامات في الجامعة، مضيفا أن هذا ما لمسه في العديد من المرات أن أساتذة وطلبة كلية الآداب لا يحضرون ملتقى أو ندوة تنظّمهما كلية العلوم الاجتماعية، وبالمقابل لا يحضر هؤلاء ملتقى أو ندوة تنظمهما كلية الآداب، وكلا الكليتين متجاورتان في نفس الجامعة.
ويرى الكاتب بشير خلف بأن الظاهرة العزوفية ليست في الجزائر فحسب؛ بل هي في أغلب الدول العربية، وقدّم مثالا عن ذلك بمعرض الكتاب الدولي بالقاهرة الذي نُظّم في شهر فيفري الفارط 2018، حيث كانت الجزائر ضيفة الشرف، وقال: «كنتُ شاهدًا حين تمّ استضافة عديد الأدباء الجزائريين ذوي الشهرة، في إحدى الأمسيات بالقاعة الصغرى لا يتعدّى الحضور عشرة أفراد منهم حارس القاعة، ومنظفتها، وفي القاعة الكبرى حيث حاضر الأمين العام لاتحاد الكُتّاب السوريين، كان عدد الحضور لا يزيد عن الستة عشرة فردا؛ بينما قاعة جناح جامع الأزهر غاصّة بالحضور من ذوي العمائم، وحتى الطلبة وقوفًا في الممرّات، والمحاضر شيخٌ أزهريٌّ».
ليس من مهمّة المثقّف والأديب خلق جمهور ثقافي
وفي سؤالنا حول دور المثقّف الجزائري في صناعة جمهور الثقافة والتظاهرات، أكّد بشير خلف، أنه ليس من مهمة المثقف، والأديب خلق جمهور ثقافي وحده، أو إحضاره هناك، ويرى بأهمية وجود مشروع ثقافي وطني، ومنظومة تربوية فكرية تتشارك فيها مجموعة من الهيئات، وتتناغم أهدافها لصنع الإنسان المتعلم أولا، ثم المثقّف، أي الباحث عن المعرفة بنفسه، ولم لا فيما بعد المُثقِّفُ لغيره، من مؤسسات تعليمية في كل المراحل، والهيئات الموكلة إليها الثقافة أولا، فالمؤسسات الدينية، والشبابية، والبيئية، ثم الإعلام والجامعة، هذه الأخيرة اعتبرها الأستاذ «خلف» غائبة تمامًا عن المشهد الثقافي، على اعتبار أن من وظائفها حسب المتحدث ـ صنْعُ نوادٍ ثقافية أدبية للطلبة، يكون بها حراك ثقافي أدبي، والأساتذة يساهمون بتوجيه الطلبة، وتشجيعهم على تنظيم الندوات، والملتقيات، واستدعاء الكتاب، والمبدعين لها؛ حتى إذا ما تخرّج هؤلاء الطلبة سيكونون مبدعين، وكتابا من ناحية، ونشطين في المجتمع صانعي الثقافة.
وأعاب بشير خلف على بعض الجامعات التي أصبحت تنظم في السنوات الأخيرة ملتقى يتعلق بالشعر، أو بالسرد، أو المسرح، أو بالنقد، أو ما يتعلق بالإبداع الأدبي فلا تستدعي أيّ مبدع من خارجها، مشيرا إلى أن من يحضرون من المبدعين قد يكونون أساتذة، وما هو مؤكّد أنّ الطلبة فيهم من سلكوا درْب الإبداع، ولهم مواهب وبإمكان الجامعة اكتشافهم ورعايتهم، وإبرازهم في هكذا تظاهرات، ولكن لا يُلتفت إليهم.
وسائل المعرفة الحديثة سبب غياب الجمهور الثّقافي
وبالمقابل اعتبر المتحدّث التظاهرات التي ينظّمها القطاع الثقافي مركزيا، أو محليا لا يحضرها أساتذة الجامعات، ولا يُوصون الطُلاب بحضورها حتى يبرزوا، ويشاركوا في الفعل الثقافي في المجتمع، ومنهم سيتكوّن الجمهور المثقف الذي يُعوّل عليه مستقبلا، «حتى النوادي الأدبية بأغلب الجامعات اختفت»، يقول المتحدث.
بشير خلف أكّد بأنّ الكثيرين يرجعون غياب الجمهور الثقافي من الساحة، يعود بالدرجة الأولى إلى انتشار وسائل المعرفة الحديثة التي صار في إمكان الكبير والصغير، المتعلم والمثقف، الطالب والأستاذ الحصول عليها من مصادرها، وبأسرع وقت، ولا حاجة لهكذا تظاهرات، وقال بأنّ عدد من المتابعين للشأن الثقافي، يرون أن هذه الملتقيات الفكرية والأدبية فقدت قيمتها وأهميتها، كما أنّ العديد من هذه الملتقيات هي تكرار مُمل لبعض المواضيع والوجوه، التي تتغيّا المتعة السياحية فحسب أكثر من ممارسة الثقافة في الملتقى، أو الندوة، أو التظاهرة، كما أن تلك التظاهرات هدرٌ للمال العام، الذي من الأجدى صرفه في حاجات اجتماعية، إضافة إلى أن التوصيات التي تخرج بها تلك التظاهرات كل عام مكررة، ودون متابعة لتوصيات التظاهرات التي سبقتها.
وشدّد بشير خلف إطار سابق في التربية على أنّ الجمهور الثقافي ينبني من مشروع ثقافي وطني، ومنه يأتي نتيجة مخرجات التربية والتكوين، مؤكّدا أنّه من هنا تبدأ صناعة الجمهور الثقافي، من غرْس حبّ المعرفة، والتدريب على مهارات القراءة والمطالعة منذ السنوات التعليمية الأولى، وكذا استثمار حصص التنشيط في الاستماع إلى الإبداعات الشعرية، والسردية، والمسرحية، والتنافس الثقافي بين المؤسسات، لتكتمل صناعة الجمهور الثقافي في رحاب الجامعة.