طباعة هذه الصفحة

الأستاذ ميلود عبابسي من جامعة المدية:

اختيار كل سنة ولاية لاحتضان الاحتفائية بـ16 أفريل

المدية: علي ملياني

 يرى الأستاذ ميلود عبابسي من جامعة المدية في مسألة اشكالية يوم العلم بين الشكل والحقيقة بأن «المتأمّل للوضع العام للأمة العربية والإسلامية ليجده مزريا جدا مقارنة بأوضاع دول العالم الأخرى. وما يزيده ازدراء وسواء هو «أننا نعيش حالة عجيبة جدا من التناقض الذاتي، فمن جهة نحن أمة إقرأ ولا يزال الجهل والأمية متفشيان بيننا، ونحن من قيل فينا - كنتم خير أمّة أخرجت للناس - ولكننا نقبع في آخر سلم الأمم، وكم هي كثيرة صور المتناقضات التي نعيش عليها اليوم، ومن تلك الصور ايضا - صورة يوم العلم في الجزائر.. فما حقيقة الاحتفال بيوم العلم في الجزائر؟.. ولماذا يستمر مستوى الاهتمام به  في تقهقر وتراجع عاما بعد عام؟».

 يوضح الأستاذ عبابسي المختص في تحليل الخطابات بأن «الجزائر تحتفل بيوم العلم كل 16 أفريل من كل سنة، وهي ـ في الحقيقة ـ أصدق صورة عن المتناقضات، إذ يمثل 16/أفريل / 1940 تاريخ وفاة رائد النهضة والإصلاح في الجزائر الإمام عبد الحميد بن باديس.. فلماذا اخترنا تاريخ الوفاة ولم نختر تاريخ الميلاد؟ قد يكون الجواب - إنّ في اختيار تاريخ الوفاة عهدا نعطيه لابن باديس بعد موته على أننا سنبقى على طريقه في حبّ الجزائر والسعي إلى العلم ما حيينا..».
وفي السياق ذاته، تساءل عبابسي قائلا: «فما حقيقة هذا الوفاء الذي زعمناه؟»، مشيرا في  هذه السانحة بأنه «يعتبر يوم العلم في الجزائر- بعد الاستقلال - محطة ثقافية احتفالية، كما هو الحال في بعض الدول العربية، حيث يقتصر الاهتمام بها وإحياؤها ـ باحتشام ـ على قطاعين هما التربية والثقافة».
 أمّا قطاع التربية، يقول، فيحتفل بيوم العلم وفقا لما ترسله مديريات التربية من تعليمات إلى جميع المؤسسات التربوية داعية فيها إلى تشجيع التلاميذ على إنجاز بحوث عبارة عن تراجم لشخصيات وطنية أو بحوث علمية عامة تتناسب مع قدرات التلاميذ ومستواهم العلمي أو تقديم عروض مسرحية، ويقام لكل ذلك احتفال على مستوى الولاية، وينفض الجمع وانتهى العلم».
«والصورة نفسها تقريبا على مستوى الثقافة التي تقتصر على برمجة بعض الأنشطة الثقافية مثل معارض بيع الكتب، أو عروض مسرحية، وينتهي يوم العلم وبموازاة ذلك  يغطي الإعلام الوطني المرئي والمسموع والمكتوب تلك التظاهرات في بضع دقائق أو بضع من الصفحات أو بضع من المراسلات وكفى».
كيف لنا أن نرجع للعلم مكانته؟
وأضاف أستاذ قسم اللغة والأدب العربي قائلا: «أما والحال هذه، فما هو السبيل إلى أن يكون ليوم العلم مكانته؟ وقبل ذلك - كيف نعيد للعلماء منزلتهم؟» - مستشهدا بقوله تعالى: {.. يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، صورة المجادلة (11)،  مشيرا إلى «أن هذه الآية القرآنية تعكس الحظوة التي ينالها صاحب العلم وطالبه عند الله عز وجل، ومن ثمّ درجة عليا في المجتمع، قد يقول أحدنا - إن الجزائر ـ والحمد لله ـ تحتفي بيوم العلم وتقيم له الحفلات والمهرجانات ويتحدّث عنه الإعلام بأنواعه وكذالك إلى جانب ما تبذله الدولة وما تسخّره من أموال وبرامج تعليمية، وعلى رأسها مجانية التعليم.. أليس هذا كله خير دليل على هذا الاهتمام؟».
فلا ينكر هذه الجهود وغيرها إلاّ جاحد، لكن ألم نسأل أنفسنا أين نتائج كل هذا؟ والجواب  يقول عبابسي هي موجودة تملأ الدنيا فالمؤسسات جامعية والأعداد الكبيرة جدا من حاملي الشهادات من المتخرجين والإطارات.. وغيرها، لكن وللأسف.. وكل ذلك صحيح، لكن أين التطور الذي كنا ننشده..؟  وأين حلم آبائنا الشهداء الذين حرروا هذا الوطن من الاستدمار الفرنسي الذي عمل على أن يبقى الشعب الجزائري جاهلا أميّا؟».
إيلاء العناية الكافية لرجل العلم معنويا وماديا
وكحل لتدارك المسار، اقترح عبابسي مراجعة وتصحيح الوضع على أن تصبح ذكرى  16 أفريل من كل عام محطة للمراجعة ورسم الاستراتيجيات التي تمكننا من معاينة التغيير الحاصل في حياة الأمة وهو الهدف الذي يمكنه بلوغه حسب المتحدث إلا عن طريق، «إحداث انقلاب في سلّم القيم السائد في المجتمع الجزائري بإسناد الأولوية  والأهمية للعلم والثقافة عوضا عن  المال والسياسة وكذا السهر على بنشر التوعية المستمرة بالقول والفعل لأن الجيل تتغير اعتقاداته بالقدوة أكثر من القول وحده،. وشدّد عبابسي على «ضرورة ايلاء العناية الكافية لرجل العلم معنويا وماديا وإبعاده تماما عن كل ما يعرقل مسيرته العلمية والسهر على تربية الجيل الناشئ على حبّ العلم وتقدير أهله والتنافس فيه بالقول والفعل من خلال المقررات المدرسية، والبرامج الإعلامية، وتوجيه استغلال الفضاءات الافتراضية، ووضع جائزة رئيس الجمهورية لفائدة أفضل بحث علمي، مع إنشاء مرصد وطني للعلوم والابتكارات.
 كما دعا الأستاذ الجامعي إلى «تشجيع إنشاء وإصدار دوريات ومجلات النشر العلمي المتميز، وتخصيص واحدة من ولايات الوطن كل سنة لاحتضان فعاليات الاحتفاء بيوم العلم، إجراء مسابقات علمية جادة في كل التخصصات ورصد جوائز قيمة لها».