طباعة هذه الصفحة

الكاتب والمخرج المسرحي محمد بويش لـ«الشعب»:

تقنين مسرح الطفل وتصفيته من الجانب التجاري

وهران: براهمية مسعودة

مسرح العرائس.. البديل المقنع الحالي للتهريج

محمد بويش أستاذ ومؤلف مسرحي جزائري له عدّة مطبوعات نصيّة مسرحية موزّعة عبر الوطن العربي وباحث في مسرح العرائس بالتنسيق مع الهيئة العربية للمسرح، ولج عالم الفن الرابع منذ الثمانينات، حيث كانت المدارس الغربية هي السائدة خصوصا في الإخراج والتمثيل، وذلك زمن ستانسلافسكي ومدارس بيتر بروك ومارخولد والتجربة الرائدة للدكتور برشيد في الإحتفالية، لكن توجّهه لكتابة النص جعله يميل أكثر إلى علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة وشتى المعارف الأخرى، وهو صاحب تجربة فريدة في الطرح بالفصحى. في هذا الحوار، عبّر بويش عن نظرته الفريدة للمسرح الموجّه للأطفال  وتأثره بالفكر التسويقي وانعكاسات ذلك على معايير الجودة والتطور الفكري للأجيال القادمة على وجه الخصوص.


 
 «الشعب»: تجاربكم المسرحية تعتمد على الطرح بالفصحى ودهشة العرض، فماذا عن الكتابة للطفل؟
محمد بويش: اتجاهي لكتابة النص جعلني أميل إلى علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة بتجارب جديدة اعتمدت فيها على اللغة الشاعرية في الطرح بالفصحى، وكتبت للطفل بنفس الطريقة مبتعدا عن اللغة الثالثة في المسرح التي أراها قد ابتعدت كثيرا عن المتلقي وخصوصا الطفل الذي بدأ يفتقد اللغة العربية الفصحى ليستعمل لهجة هجينة وخليط لغوي لا ينتمي إليه...
وبحكم تأثري الكبير بالنص المفتوح الذي أسّس له الفيلسوف الايطالي أمبرتو إيكو في كتابه الأثر المفتوح أدركت أنّ اللعبة النصية في الفن الرابع لها دورا كبيرا في استدراج المتلقي إلى ما أسميته دهشة العرض لغويا، وبالتالي تكون الرسالة أسهل بكثير في إيصالها إلى العقل الباطن عند الطفل أو عند الكبير.
 هل يمكننا اليوم أن نسمي عروض المهرج في الجزائر مسرحا موجها للطفل وفق الأطر الفرجوية والتربوية، أم هو عنصر تهريجي فقط أفقد الفن الرابع معناه الحقيقي؟
 في قراءة الواقع المسرحي الجزائري الحالي لابد من الولوج إلى الحركية السوسيولوجية المرافقة له وانسحاب المتلقي النخبوي والعام على حدّ سواء من قاعة العروض المسرحية، وتزامن هذا مع البناء التركيبي غير المجدي لحركية اجتماعية لا تؤمن بالأبعاد الثقافية في بناء المستقبل الفكري للأجيال القادمة.
ولأن الاستثمار في الطفل هو السبيل إلى المرور بعيدا عن العولمة الثقافية الرهيبة التي تسيطر تكنولوجيا وإديولوجيا على العقل البشري الحديث خصوصا في دول العالم الثالث، فإنه لابد من إعادة قراءة ما يقدم للطفل من زاوية الفن الرابع...
 ما مدى نجاح الفن المرتبط مع المادة خارج الرسالة التربوية بالنسبة لمسرح الأطفال والفكر التسويقي؟
 إن انسحاب الكاتب والمخرج والممثل الأكاديمي من لعبة العرض الموجّه للطفولة جعل الركح مفتوحا لما اسماه المتلقي الحالي المهرج، وهذه التسمية هي التي أدخلت مسرح الطفل في الجزائر في تناقضات رهيبة من حيث معطى العرض الرسالي وجانبه النفسي في التعامل مع الطفل، وقد ظهر الأمر دون دراسة مسبقة أو تنظير للأمر الإبداعي فيه واخترق الكثير من تجّار الفن بصيغة تقديم عروض للأطفال، واعتمد الكثير على الطريقة التهريجية في الطرح وفق الموسيقى المسروقة أساسا من الكثير من الحصص التلفزيونية وأصبح النص كوسيلة رسالية غير مرغوب فيه في الطرح التهريجي والمتلقي الطفل داخل لعبة اللعب الطفولي بعيدا عن الهدف الاسمي لمسرح الطفل الذي هو الهدف التربوي.
ألا تعتقد أن الاستسهال الحالي لثقافة الطفل، يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونكشف عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع؟
 أولا إنّ فقدان المجتمع لمعنى العرض المسرحي والذي قد يعتمد على المهرج كممثل لنص قائم لحدّ ذاته جعل الاستسهال الحالي لثقافة الطفل والذي دفع الكثير من الجمعيات والوجوه المسرحية لدق ناقوس الخطر.. أين نسير بهذا التهريج.. وهل يمكن تبني انتقال مسرحي لثقافة الطفل إلى أبعاد تحميه من المحيط الخارجي الصعب التأقلم معه.. ومن ترك قيادة الطفل مسرحيا إلى من لا علاقة لهم بأسس الفن الرابع وبعلم نفس الطفل خصوصا وبالأبعاد السوسيولوجيا للمجتمع.. التصفير والغناء والتهريج لا يعني قيادة الطفل مسرحيا إلى بر الأمان...
أرى أنه، لابد من تدخل الوزارة الوصية لتقنين هذا الإطار والعمل على تصفيته من الجانب التجاري أولا، ثم العمل على تكوين من له علاقة مباشرة للطفل، لأنه لا يعني أبدا أن تلبس سروالا مزركشا لتكون مقبولا أمام ما تقدمه للطفل...
في إنجازك البحثي مع الهيئة العربية للمسرح بالشارقة، ترى أنّ البديل المقنع الحالي للتهريج هو مسرح العرائس، ما تعليقكم على ذلك؟
 في عكسية هذا الاتجاه التهريجي يكون مسرح العرائس مثلا كبديل تربوي مهم في اتجاه حركية بناء عقلية سليمة للطفل ووفق دروس تربوية مقبولة وبإنجاز رسائل هادفة، فتكون الدمية رفيقة سلسلة للبعث الأخلاقي واللفظ التربوي والدهشة في التلقي عند الطفل الذي يحب الاكتشاف.. وفي خلاصة تدخلي أقول واجب علينا النظر إلى البراءة بعيون الأبوة التي تحافظ على مكونات أخلاقية وتربوية ورسائل توجيهية خارج العروض التصفيرية والتهريجيه التي هو في غنى عنها، فطفل اليوم في حاجة إلى سلاح نصي يواجه به ما هو قادم...