طباعة هذه الصفحة

الفنّان التّشكيلي محمد غرناوط لـ «الشعب»:

إبداعات الجيل السّابق كثيرة والاستمرارية مهمّة الجيل الحالي

قسنطينة: أحمد دبيلي

عدا الأعمال التي خلّدت مآثر ثورة التحرير الوطنية والأحداث التي سبقتها أو صاحبتها في مجالات مختلفة مباشرة بعد الاستقلال سواء منها الفكرية، الأدبية والفنية بأشكالها المتنوعة، بدأت الاهتمامات بهذه المواضيع ومنذ أكثر من عشريتين في التراجع، ويعود مرد ذلك حسب بعض المتتبّعين إلى عوامل عديدة ترتبط تارة بقصر الذاكرة وعدم اهتمام الأجيال الحالية بالموروث التاريخي، وتارة أخرى بسبب تقصير جيل ما قبل الاستقلال الذي لم يستطع نقل الرسالة الى الأجيال الصاعدة حتى تتمكن من نقل التاريخ عبر كل الأعمال المنجزة بمصداقية ووفاء لتضحيات هذا الشعب في سبيل الحرية والانعتاق.
 هذه الأسئلة تعيد اليوم طرح نفسها على النخبة ـ تزامنا وإحياء الجزائر لذكرى مجازر 08 ماي الأليمة ـ في سبيل معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع؟ جريدة «الشعب» وهي تتحرى مكامن هذا التردي وجهت جملة منها الى السيد محمد غرناوط، فنان تشكيلي باحث ومهتم بتاريخ المسرح والثقافة عموما فكانت هذه الردود.
قال الأستاذ محمد غرناوط في بداية حديثه: «إنّ الاهتمام بالأحداث التاريخية أو ما يتعلق بالذاكرة الخاصة بالنضال، والكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي منذ أن وطأت أقدامه التراب الجزائري، في الحقيقة، مجال اقتحمه المبدع الجزائري بقوة خلال العشريات الأولى بعد الاستقلال غير أن هذا الاهتمام بدأ حاليا يتراجع من خلال ما نلاحظه من أعمال فنانين ومبدعين على الساحة الفنية».
وفي ذات السياق يضيف: «..لقد كانت بالأمس القريب فقط، لهذه الشريحة من المجتمع رغبة كبيرة في تقديم صورة الذاكرة للمجتمع الجزائري عبر مختلف الوسائط، فالمسرح الجزائري مثلا كان له دور في تجسيد الفعل الدرامي لمشاهد الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي الذي كان يستعمل كل وسائل البطش والقهر والتدمير، وعلى غرار المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي الذي قدم العديد من الأعمال الفنية مثل» أبناء القصبة»، «حسان طيرو»  1963، «الخالدون» 1966 ، كما نشير أيضا  الى مسرح قسنطينة الجهوي، الذي اهتم هو الأخر بالأعمال التي لها علاقة بتاريخ الجزائر، نذكر منها مثلا «الرفض» (1982) وهو عمل مسرحي من النوع الوثائقي والذي يعرف أحيانا بالمسرح التسجيلي، و»الصخرة» (1983) التي تطرح صمود الشعب الجزائري في وجه الاستعمار الفرنسي، و»الكلمة» (1984)..وغيرها من الأعمال التي جسدت في العديد من المسارح.
كما نشير هنا أيضا الى الفن السابع الذي  له هو الآخر سجلا حافلا من الأعمال التي دونت أهم الأحداث التاريخية للجزائر وثورتها، ونذكر هنا وعلى سبيل المثال «جمال شندرلي» الذي سجل على الأشرطة السينمائية أول معاقل الثورة سنة (1956)، و»رونيه فوتييه» من خلال أعماله «الجزائر أمة» و»الجزائر تلتهب» سنة (1957) ثم «ساقية سيدي يوسف» لكل من «بيير اليمون» و»رونيه فوتييه»، وبعد الاستقلال واصل جيل آخر عمله في الحفاظ على هذه الذاكرة بامتياز بتصوير أفلام مطولة حول الكفاح المسلح أمثال «محمد لخضر حمينة»، «أحمد راشدي»، «عمار العسكري» وغيرهم، كذلك مساهمة بعض الأجانب مثل المخرج «جيلو بونتيكورفو» في «معركة الجزائر» سنة (1966)، كل هذه الأعمال ساهمت في ترسيخ وتدوين الأحداث التاريخية لجيل كامل من المبدعين ونالت به جوائز عالمية..
 وعن الأعمال الإبداعية الأخرى يضيف غرناوط: «..ما يقال عن السينما والمسرح يقال أيضا عن الشعر الملحمي والرواية كأعمال المبدعين: كاتب ياسين، محمد ديب، مولود فرعون، عز الدين مهوبي، أبو القاسم سعد الله والقائمة طويلة..بالإضافة إلى الفن التشكيلي على غرار أعمال «بايا، محمد إيسياخم، محمد تمام و..».
وفي ختام حديثه يقول: «..أظن وهذا ـ حسب رأيي الشخصي ـ فإن المبدع الذي يتطرق في أعماله لموضوع الذاكرة لابد أن يكون كفؤا، لديه منهجية علمية تأهله للوقوف على حقائق الأحداث التاريخية والوطنية، بجمع الأدلة وتقويمها، بالتدقيق في المصادر والمراجع ليكون عمله متّسما بالموضوعية، ومنها يصل إلى أفكار جديدة مميزة وقابلة للتطبيق وبرؤية للأشياء بمنظور مختلف وبقدرة على ملاحظة وإدراك التفاصيل..
..كما أشير أخيرا، وهذا إحقاقا للحق أن هناك أعمالا لعدة مبدعين في شتى المجالات تستحق الإشادة بها لما تتسم به من مصداقية وموضوعية في الطرح، بينما توجد أعمال كثيرة لم توفي التاريخ حقها لكون عدم اهتمام أصحابها بالبحث والتدقيق الجيد في المراجع، ممّا يؤثّر سلبا في نفسية المتلقي حين يلاحظ أقلام تكتب لتاريخ المسرح في الجزائر مثلا بمعلومات خاطئة تكون بعد ذلك هي الأخرى مرجعا في متناول الطلبة والباحثين والمبدعين المهتمين بالأحداث التاريخية، ولهذا يطرح السؤال أين هي الأمانة العلمية لتزويد الذاكرة بما هو حقيقة والمحافظة عليها للتاريخ؟».