طباعة هذه الصفحة

المخرج والنّاقد المسرحي حبيب بوخليفة:

ممارسة الفكر والثّقافة ترتكزان على القيمة الانسانية قبل العرق والدّين

تيبازة: علاء ملزي

أكّد المخرج والنّاقد المسرحي الأستاذ حبيب بوخليفة بشأن موضوع التنوع الثقافي، على أنّ ممارسة الفن والثقافة يجب أن ترتبط بالقيمة الانسانية وتسبح في فضاء فكري إنساني بعيدا عن مقتضيات العرق والدين لاسيما حينما يتعلق الأمر بالمجتمعات التي تفتقد الى مفهوم الاختلاف.
قال الأستاذ بوخليفة بهذا الشأن بأنّ المسرح والسينما مثلا يمكنهما تحقيق تغيير جذري للمفاهيم البالية والضيقة، فهناك العديد من الأعمال الفنية التي تطرّقت لموضوع التفاعل بين الثّقافات على غرار أفلام مرزاق علواش في الجزائر ويوسف شاهين في مصر، إضافة إلى الأعمال الأدبية لكل من رشيد بوجدرة وكمال داود وآسيا جبار، والفنون التشكيلية لنصر الدين ايتيان ديني وحادة وعمر راسم، وهي الأعمال التي انتشرت بشكل لافت خلال القرن الماضي، كما يمكن القول بأنّ الجيل الجديد من السينمائيين مثل بوشوارب وكريم موساوي والياس خاد تجاوزوا الرؤية الضيقة العرقية من خلال الاهتمام والتركيز أكثر على الجانب النفسي الإنساني فيما يتعلق بموضوع معاناة أبطالهم، ومن ثمّ يمكن التأكيد على ضرورة تجاوز الإنتاج الفني الثقافي اليوم للحدود الضيقة المرتبطة بالعرق والدين لتخترق الزمان والمكان في آمان.
 وفي سياق ذي صلة، قال المخرج المسرحي حبيب بوخليفة بأنّ حوار الثقافات هو جسر المشاركة بالأفكار والآراء المتنوّعة بين الشعوب والأعراق المختلفة، ويرتب فهم الاختلاف بين الثقافات، والاجتهاد على تقريب المواقف والآراء معاً من خلال توضيح التقارب الثقافي المبني على خصائص محددة مثل: اللغات، الأخلاق، التاريخ، الدين وغيرها، وبذلك تبنى الحضارة الإنسانية، فلا مجال للدين في هذه الحالة باعتباره ظلّ يشكّل دائما بمعية عامل العرق السبب الرئيسي في التفرقة والحروب المختلفة، بحيث يتجلى ذلك في ثقافات بعينها مثل نظام الابارتيد في جنوب إفريقيا أو أوجه الاضطهاد في فلسطين وكمبوديا من خلال الاعتماد على تقييم أحد مظاهرها مثل الفنون والأدب وغيرها. والأمر لا يختلف عن هذه الحالة تماما حينما يتعلق الأمر بالشعوب التي كانت تعاني من الاستعمار السياسي أوالاقتصادي أوالثقافي، ويمكن لحوار الثقافات أن يؤدي بلا شك الى بناء مجتمعات متسامحة بعيدا عن الاختلاف العنصري بحكم كونخا تنبثق من إنتاج إنساني بحت.
 الحضارة الإسلامية أبرزت التّنوع الثّقافي
 وفي شقّه التاريخي، قال بوخليفة بأنّ موضوع التنوع الثقافي برزت ملامحه الأولى في إطار الحضارة الإسلامية ما بين القرنين الثامن والرابع عشر وفقا لمقتضيات العقيدة الإسلامية، التي تؤكد على أنّه لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى، وكون شعوب العالم إنما خلقت بهذه الصفة لتتعارف وفقا لما تنص عليه آية كريمة من سورة الحجرات، إلا أنّه عقب سقوط الأندلس في القرن الرابع عشر تغيّر مفهوم الحوار بين الثقافات والأمم، وتأسس الفكر المبني على الايديولوجية العنصرية وتفوق الرجل الأبيض بمعية انتشار الحروب بشكل لافت لغرض تدمير ثقافات الأجناس المستعمرة على غرار ما حصل بالجزائر، وأفرزت الثورة الفرنسية سنة 1789 م انتشار فكر إنساني جديد قاده مجموعة من المفكرين والفلاسفة على غرار لامارتين وكورناي وديدرو، وهوالفكر الذي يهتم بالطبيعة البشرية واستمر إلى غاية القرن العشرين وما بعد الحداثة ممّا أسفر عن بروز نظم ديمقراطية نيرة، لتضيف الثورة البلشفية في روسيا قدرا كبيرا من الاهتمام لهذا الجانب من خلال إعطاء الإنسان قدره الذي يستحقه من خلال القضاء على الفوارق الطبقية وتعطيل مفهوم تفوق السيّد الأبيض، ومن ثمّ فقد قطعت الإنسانية شوطا كبيرا في مجال حوار الثقافات بحيث نجد في أوربا حاليا عدّة أقليات تعيش ثقافتها بكل حرية.
تجاوز التّعصب اللّغوي تشجيع للتّواصل مع الآخر
  وتجاوز المجتمع الأوروبي بذلك إشكالية التعصب للغة أوثقافة معيّنة، واستطاعت النظم اللائكية التأسيس للتنوع الثقافي في إطار قوانين الجمهورية أوالملكية بعيدا عن حشر الدين في تنظيم المجتمعات، ويبقى دور الثقافة والفن مميزا في أداء هذا الدور الإنساني المتعلق ببناء مجتمعات متسامحة، بحيث يتجلى ذلك في مشاركة فنانين وأدباء ومفكرين من أصول مختلفة ومن أجناس مختلفة في مختلف المهرجانات والتجمعات الثقافية العالمية،  وأضحى الاهتمام بالإنسان وما يعانيه من مشاكل في صلب الثقافة العالمية الحديثة، ولم تعد الحدود الدينية والجغرافية عائقا مثلما كانت عليه من ذي قبل، مع الإشارة إلى كون منظمة اليونسكو ساهمت مساهمة فعّالة في الترويج لهذا التوجّه الذي يعتمد على التنوع الثقافي العالمي.