طباعة هذه الصفحة

بيدرسون لم يكشف عن الملف السوري في «خارطة طريق » مساعيه

لماذا عودة الحديث عن اللّجنة الدستورية؟

جمال أوكيلي

هامش تحرك المبعوث الأممي ضيّق

إستلم المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا السيد غير بيدرسون مهامه في ظروف خاصة تختلف اختلافا جذريا عن الذي كان يشتغل فيها سابقه ستيفان دي ميستورا قد لا تساعده على استكمال المهمة المكلفة بها نظرا لانعدام الهامش الذي يتحرك فيه إذا ما راعينا المستجدات الأخيرة في المشهد الحزبي بعودة الهدوء إلى المناطق التي كانت مسرحا لمعارك طاحنة بين الأطراف المتصارعة زادتها حسما الترتيبات الأمنية الروسية.
كيف سيكون عمل بيدرسون خلال الأيام القادمة على ضوء سرعة الأحداث في سوريا وما جاورها؟ بالرغم من كفاءاته الدبلوماسية العالية نظير وجود بصماته على الأحداث السياسية الكبرى كإتفاقية أوسلو واطلاعه الواسع على الملفات الشائكة والقضايا الساخنة على المستوى الدولي لذلك فإنه مضطر لايجاد لنفسه الرواق الذي يسمح له بالسير فيه بآمان قد يشبه ما يعرف بالحقل الملغم في حالة السعي لتفادي أخطاء المبعوث السابق وهذا بعدم الانحياز لأي جهة لا المعارضة ولا النظام وإنما الاكتفاء بما تم التسطير له أمميا بالتنسيق مع كل المعنيين. بالنسبة للمتتبعين فإن عنان، الإبراهيمي، دي ميستورا، فشلوا في مهمتهم وهذا يعني ضمنيا أن الأمم المتحدة استعصى عليها ايجاد الحل الذي كانت تريده أو تبحث عنه، منذ اندلاع النزاع.
انتهى الأمر بانسحاب الجميع الذين ذكرناهم سالفا تاركين الأمر معلقا إلى إشعار آخر أي دي ميستورا فترة توليه الإشراف على النزاع كانت غنية باللقاءات والاجتماعات والمنصات أستانا، سوتشي، وتارة جنيف، ناهيك عن مواعيد في عواصم أخرى للتنسيقيات المعارضة، وما يسجل عن الرجل أنه أراد الحسم في فترة قياسية دون مراعاة اعتبارات أخرى عندما أوهموه بأن المعارضة المسلحة على أبواب دمشق.
فهل يتبع بيدرسون «خارطة طريق» دي ميستورا؟ هذا الأخير حاول في آخر أيامه تجهيز تركيبة اللجنة الدستورية المكونة من ١٥٠ عضو، (خمسون عضوا عن كل من المعارضة، الأمم المتحدة، النظام )، لكن الواقع كان عكس ذلك خاصة بعد أن تحفظت السلطات السورية عن العناصر الذين اختارتهم الأمم المتحدة، هذه القبضة الحديدية هي التي عجلت بذهاب دي ميستورا بعد أن وجد نفسه أمام انسداد لا مخرج منه، الخيار الأوحد والوحيد هو المغادرة وترك منصبه لشخصيات أخرى.
هذه الخلفية جديرة للتذكير بها من باب التساؤل عن مصير هذا الملف عقب مجيء بيدرسون الذي بمجرد استلام مهامه يوم ٧ جانفي لم ينتظر طويلا للشروع في نشاطه، بل طار إلى العاصمة السورية لملاقاة مسؤولي هذا البلد، ولم يظهر أي مؤشر ملموس يوحي بآفاق كيفية تناول هذا الملف من ناحية العمق في المعالجة واكتفى الجميع بالدعوة إلى التعاون فيما بينهم.
خلال الساعات التي تلت الزيارة عاد الحديث عن اللجنة الدستورية وهذا على لسان الأمين العام غوتيريس الذي اعتبر بأن تلك الآلية غير مرتبطة بزمن محدد بمعنى أنها مفتوحة في مهامها ولم تلغ وهي رسالة إلى مبعوثه كي يثيرها من جديد مع الأطراف المعنية بها لعل وعسى تؤتي بأكلها هذه المرة ويقبل بها البعض، ممن أبدوا ملاحظات عليها ولم يتحمسوا لها.
بيدرسون استمع لما قاله السوريون وذهابه إلى موسكو يندرج في إطار جمع المزيد من المعلومات وستكون له زيارة أخرى إلى طهران وأنقرة، وانطلاقا من كل هذا سيعلن خطته للمرحلة القادمة بناءً على كل المعطيات التي بحوزته، للشروع في العمل هذا لا يعني بأنها مقبولة سلفا، كونه تفادى الخوض في هذه النقطة قبل حبس نبض الجميع الذين صنعوا المشهد السوري العسكري خاصة.
لابد من الإشارة هنا إلى أن بيدرسون فقد المساحة التي كان يرى بأنها ملك له في حالة استئناف العمل وعليه فإن سقف المطالب المتوقعة لن تتعدى حيزا ضيقا جدا بحكم افتقاره لمفاتيح حل «الأزمة» ووجودها عند جهات أخرى إيران، تركيا، وروسيا، في حين هناك إختفاء لأطراف كان  لها تأثير مباشر على المعارضة المسلحة زمن الحرب، وما تزال لها يد تحملها حاليا لكنها تنتظر إستقرار الأوضاع.
كان متوقعا أن لا يسمح الأمين العام الأممي لدي ميستورا أن يذهب بعيدا في مسعاه وحدد له نهاية السنة لترك منصبه لخليفته الجديد وشعر المبعوث الأممي غياب التفاعل معه عندما التزم بإعداد اللجنة الدستورية في وقتها المناسب..لكن هذا لم يحدث أبدا وترك كل شيء لبيدرسون الوافد الجديد للبث فيه.
منطقيا واستنادا إلى ما يجري على الأرض فإن مهمة المبعوث الجديد تبدو معقدة جدا فالفائدة المرجوة من عودته بعد انتفاء أسباب المهمة القادم من أجلها؟ أي انتهاء الحرب فمن الصعوبة بما كان أن يقبل السوريون بالشق السياسي في الصيغة التي جاء بها من سبق تلك المغلفة بالضغوط والخلفيات واللجنة الدستورية واحدة من كل هذا.
اللجنة الدستورية وليدة كل ذلك المخاض السياسي في أستانا وسوتشي باتفاق ورعاية الأطراف الفاعلة على أساس التوجه إلى خيارات «صادمة» بالنسبة للسوريين كالانتقال السياسي، تنظيم الانتخابات وصياغة الدستور الجديد هذا باختصار ما أراده دي ميستورا غير أن تسارع الأحداث أدى إلى توقف كل شيء.
رفض التركيبة البشرية للجنة الدستورية من قبل السوريين، إنما يعود إلى منح هؤلاء صلاحيات في غير محلها قد تتحوّل إلى «سيف ديمقليطس»، إن تحصلوا عليها، تسحب من المؤسسات القائمة لتعطى على طبق من ذهب إلى أناس آخرين.  هذه التخوّفات أو المخاوف السياسية لا يمكن أن تبدّد بين عشية وضحاها.. وستستمر مادام هناك ضبابية في كل هذه المساعي وغياب الرؤية الواضحة في هذا العمل الأممي، فهل سيجد بيدرسون نفسه في كل هذا الزخم المتداخل؟ هذا ما سترّد عليه الأيام القادمة.