طباعة هذه الصفحة

مُسلسل الانسحاب من المعاهدات الدولية يتواصل

ترامب يُعيد رسم الخارطة السياسية والأمنية العالمية

فضيلة دفوس

منذ مجيئه الى هرم السلطة بالولايات المتحدة الامريكية قبل سنتين، والرئيس دونالد ترامب يفاجئ العالم ويصدمه بالانسحاب من الاتفاقيات والمعاهدات التي وقّعها أسلافه، فقد انسحب من اتفاقية الشراكة مع دول المحيط الهادي، ومن اتفاقية باريس للتغير المناخي، وتلاهما بمغادرة منظمة اليونيسكو، ثم اعلان القطيعة مع ميثاق الامم المتحدة العالمي للهجرة، ونسف الاتفاق النووي الايراني، لينتهي به المطاف، نهاية الاسبوع الماضي، الى اعلان تعليق التزام الولايات المتحدة الامريكية بالاتفاقية النووية الموقعة مع موسكو قبل أزيد من ثلاثة عقود في انتظار ترسيم الانسحاب منها بعد ستة أشهر، بسبب ما يقول خرق روسيا لها.

بوضوح يتجلى أن نسف ترامب لمعاهدة الحد من السلاح النووي التي أبرمت لطيّ فصول الحرب الباردة، ليس سابقة بقدر ما هي عادة دأب عليها، لكن حساسية هذه الاتفاقية وتأثير الغائها على الامن والسلم العالميين، يجعل تمزيقها أمرا بالغ الخطورة، لأن ذلك سيطلق منافسة صاروخية جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، ويعطي إشارة انطلاق لسباق تسلح سيفتح بالتأكيد شهية دول أخرى للانخراط فيه خاصة في آسيا.
علاوة على أن مثل هذه الخطوة ستزيد من فجوة الثقة لدي دول كثيرة تجاه واشنطن وتضفي مزيدا من الشكوك حول مصداقيتها وقدرتها على الالتزام بتعهداتها الدولية، فكوريا الشمالية مثلا تتساءل اليوم كيف تعمل الادارة الامريكية على تجريدها من ترسانتها النووية فيما تمضي هي نحوخرق كل الحدود لتطوير أسلحتها المحظورة ونشرها عبر ربوع العالم، وعلامة الاستفهام ذاتها تطرحها إيران التي لم تستوعب الى غاية الآن سلوك ترامب الذي قرر في ماي الماضي الانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق النووي رغم أنّه يقدّم كل الضمانات وبشهادة الدول الاوروبية الكبرى، على أن الجمهورية الاسلامية ملتزمة بسلمية برنامجها النووي.
في الواقع لا تبدوالتبريرات التي تسوقها واشنطن للانسحاب من المعاهدة النووية، بحجم تداعيات هذه الخطوة التي يجزم كثيرون بأن لها مآلات بعيدة واستراتيجية قد تقود الى إعادة تشكيل نظام أمني عالمي جديد.
 يرجح خبراء كُثر، بأن لا ينحسر تأثير إلغاء المعاهدة - في حال حدوثه -على الولايات المتحدة وروسيا فقط، بل سيمتد إلى الصعيدين الأوروبي والعالمي.
فعلى مستوى أوروبا التي تعتبر اتفاقية التخلص من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى حجر الزاوية لأمنها، قد تعاود الصواريخ الأمريكية الظهور فى دول مثل رومانيا وبولندا، وفي المقابل ستعزز روسيا ترسانتها النووية، ما يجعل القارة العجوز في وضع لا تحسد عليه، وهوما تفسره الاصوات الداعية من الآن الى تشكيل جيش أوروبي موّحد.
 على المستوى العالمي، يبدوأن التلويح الأمريكي بالانسحاب من المعاهدة النووية هدفه الدخول فى حقبة جديدة من المنافسة الاستراتيجية مع الصين عملاق آسيا المنطلق بقوة البرق خاصة على صعيد النمو الاقتصادي.
وبعيدا عن انعكاسات قرار ترامب الذي صدم به العالم، نهاية الاسبوع الماضي، يبقى الجزم بأن أحد أسبابه الرئيسية يكمن في استجابته لرغبة أصحاب مصانع السلاح، الذين لا يناسبهم ثبات اتفاقيات الحد من التسلح كونها تُقلّص من حجم الطلب على شراء الأسلحة على الصعيدين المحلي والعالمي.
ناهيك عن أن الانسحاب الأمريكى من المعاهدة النووية الموقعة مع روسيا سنة 1987، سوف يدفع مناطق بأكملها إلى سباق تسلح جديد يحرك مصانع الاسلحة لتتهاطل الاموال على الخزانة الامريكية وليذهب الامن والسلم العالميين الى الجحيم.