طباعة هذه الصفحة

الأستاذ رابح زاوي لـ «الشعب»:

تعقيدات الوضع في الجنوب اللّيبي لن يخدم مسار التّسوية

حوار: إيمان كافي

خلق التوتّر المتصاعد في الجنوب الليبي بؤرة صراع جديدة بين أطراف تريد أن تستغل ورقة مكافحة الإرهاب لأجل بسط سيطرتها وتوسيع نفوذها على الأرض، وتحقيق أهداف معلنة وخفيّة في القارة السّمراء عبر بوّابة ليبيا.
 للاطّلاع على ما يجري في جنوب ليبيا وانعكاس ذلك على العملية السياسية، حاورت «الشعب» أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو،رابح زاوي، الذي خلص إلى أن الحوار الوطني يبقى طريق الخلاص الوحيد، ودونه فهو إطالة لأمد الأزمة.

❊ الشعب: عاد الوضع في الجنوب الليبي ليحتل واجهة الأحداث بفعل العملية العسكرية التي أعلنها الجيش الليبي، ما مغزى هذه العملية؟ وما علاقتها بالقصف الذي تشنّه الطائرات الفرنسية شمال تشاد؟
❊❊ رابح زاوي: في البداية يجب التذكير هنا بأهمية مدينة سبها الجنوبية التي تشهد منذ سنوات سيطرة جماعات مسلحة غير نظامية، بعضها يضم مسلحين من تشاد والسودان والنيجر، دون أن نغفل كذلك عن الترابط الذي أصبح واضحا وبشكل جلي في العلاقة بين تلك التنظيمات المسلحة وعصابات التهريب والجريمة المنظمة، وكلاهما استفاد من تدهور البيئة الأمنية.
وإذا جئنا إلى تحليل الدوافع الخفية والصريحة من هذه العملية، يمكن القول أن الهدف المعلن يتمثل في القضاء على العصابات الإجرامية التي تمتهن الحرابة والسرقة والابتزاز والخطف في جنوب شرق منطقة الجغبوب، في إشارة إلى حركة العدل والمساواة السودانية والمجموعات التشادية الموجودة بجنوب شرق البلاد، أما ما خفي منها، فيمكن الإشارة إلى أن إطلاق هذه العملية يأتي في سياق محاولة التسويق لطرف معين على أنه يحارب عصابات تهريب الوقود والهجرة غير النظامية، كما أنه تحرك لتوسعة النفوذ في الجنوب الشرقي.
وبالنسبة للقصف الفرنسي في شمال تشاد وعلى الحدود مع ليبيا ليس استثنائيا بالنظر إلى التاريخ الطويل للتدخل في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة، تشاد هي الدولة الأفريقية التي شهدت أكبر عدد من التدخلات العسكرية منذ الاستقلال، حيث من المؤكد أن أشكال ومبررات الوجود العسكري الفرنسي قد تغيّرت، فعلى الرغم من أن الجيش الفرنسي في بياناته الرسمية يؤكد على أن هدف التدخل هو محاربة الإرهاب والمتمرّدين، إلا أن الأمر الأكيد متعلق بمسألة حماية المصالح الفرنسية في المنطقة، نحن نتحدّث عن مستعمرة فرنسية سابقة، وعن عدد كبير من الشّركات الفرنسية النّاشطة في المنطقة.

الجنوب...فجوة أخرى

❊ جهات عديدة في ليبيا وعلى رأسها الحكومة المعترف بها دوليا، تبدي مخاوفها ممّا يجري في الجنوب وتعتبره انعطافا يزيد من تعطيل العملية السياسية ويصعّد الوضع الأمني، ما تعليقكم؟
❊❊ طبيعي جدا أن تبدي الحكومة المعترف بها مخاوفها من حالة اللااستقرار واللا أمن في الجنوب الليبي، لأن الأمر يتعلق بالوحدة الوطنية، وبالأمن الوطني أيضا، إذ لطالما كان أكبر تحدي بالنسبة للحكومة الليبية هو مدى قدرتها على إعادة الأمن وضبط الحدود، وخاصة إعادة بناء الجيش والمؤسسات الأمنية، لكن يبقى أن أكبر مشكلة تواجهها هي حالة الانقسام الداخلي ووضعية الأسلحة المنتشرة عند الميليشيات المسلحة، أما عن كيف يمكن أن تؤثر الوضعية الحالية على العملية السياسية؟ فالإجابة مرتبطة بإطالة أمد الصراع والانقسام الداخلي، وزيادة تعميق فجوة الخلاف بين الفرقاء الليبيين.
❊ ألا تعتقدون بأن التحرك على الأرض في ليبيا معناه أن الذي يهيمن على المساحة الأكبر تكون له الحظوظ الأوفر في انتزاع مقاليد السّلطة لاحقا؟
❊❊ أكيد، نحن نتحدث هنا عن منطقة ذات أهمية جيوسياسية كبيرة في ليبيا، سواء تعلق الأمر بالثروات الهامة التي تملكها، أو من حيث كونها تمثل عمق ليبيا، وبالتالي فإن بسط النفوذ فيها له عوائد هامة، حيث في حالة نجاح العملية العسكرية لصالح أحد الأطراف سيكسبه ذلك العديد من النقاط التي يبحث عنها، ويزيد من شرعيته التي يحاول بناءها تحسّبا للاستحقاقات القادمة، ومن جهة أخرى الحكومة من مصلحتها عودة الاستقرار للدولة، وبالتالي التوجه نحو أهداف أخرى.

أطراف خارجية كثيرة تعرقل عودة الاستقرار


❊ كتابات عديدة تجزم بأنّ التحرّكات الجارية على أرض ليبيا هي رجع صدى ورد فعل لما يحدث بين الأطراف الخارجية من صدامات وتسويات، هل من تفسير؟
❊❊ أعتقد أنّ الأمور أصبحت تلعب على المكشوف، حيث لم يعد يخفى لا على المتجمع الدولي ولا على الليبيين من يقف وراء عدم التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء الليبيين، وعدم تحقيق تقدم في عملية بناء مؤسسات الدولة الليبية، إذن هذا يعني بشكل أو بآخر، أن هناك أطرافا مستفيدة من الوضع القائم، وأطراف ليس من مصلحتها عودة الاستقرار ما لم تحقق أجندة معينة تسعى إلى تجسيدها منذ انهيار النظام السابق. أحسن مثال يبرز بشكل جلي في التنافس الفرنسي – الإيطالي الذي كان قبل سقوط النظام السابق ومازال مستمرا إلى غاية الآن، دون أن نغفل دور الدول الأخرى في الصورة.

الحوار الدّاخلي مخرج النّجاة

❊ ما تعيشه ليبيا من تصعيد وتأزّم غير بعيد عن الصّراع بين فرنسا وإيطاليا الذي نراه يتجاوز المطامع العلنية على الثّروة النّفطية، إلى تحديد منصّات نفوذ على القارة الإفريقية التي يطل عليها الجنوب الليبي، هل توافقون هذا الرأي وكيف تفسّرونه؟
❊❊ هناك دائما سقف لأي حركة معينة إلا الطموح لدى القوى الكبرى، أكيد أن الأمر لا يقتصر فقط على الثروة النفطية على أهميتها للطرفين، ولكنّنا هنا بصدد الحديث عن عمق إستراتيجي هام بالنسبة للطرفين، وعن تقاطع المنطقة والتحولات الحاصلة فيها مع المفهوم الإستراتيجي للأمن الأوروبي القائم على أن الأمن في البحر الأبيض المتوسط، وهذا الأخير مرتبط بالأمن في منطقة الساحل الإفريقي. هذا من جانب، ومن جانب آخر لا يجب أن نغفل تصاعد الدور الصيني في القارة الإفريقية من خلال حجم الاستثمارات الكبير جدا، والذي يأخذ منحى تصاعديا.
❊ الأحداث المستجدّة في الجنوب الليبي جاءت بعد إعلان المبعوث الأممي غسان سلامة تأجيل المؤتمر الوطني الجامع، ومن خلاله طبعا تأجيل الانتخابات، فإلى أين تتجه ليبيا وما هي مآلات العملية السياسية التي نراها تتعثّر؟
❊❊ في حقيقة الأمر من المؤسف مشاهدة تعطّل العملية السياسية في ليبيا بعد الخطوات الإيجابية التي خطتها، خاصة بعد وصولها إلى مرحلة الإعداد للانتخابات، وكذا التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في سبتمبر 2018 من طرف مختلف الجماعات المسلحة بطرابلس، كلّها خطوات إيجابية سيكون مآلها التأخير لفترات زمنية أخرى، حيث أن إمكانية تنظيم انتخابات رئاسية خلال الثلاثي الأول من سنة 2019 غير ممكن لأنّه لا يمكن تنظيم انتخابات دون وجود دعم دستوري، ونضيف إلى هذا تماطل البرلمان في إعداد مشروع الدستور وعرضه للاقتراع، كما أنه لابد من «تنسيق منتظم» بين الجزائر وتونس ومصر بصفتها دولا مجاورة لليبيا، وذلك من أجل مراقبة أفضل للحدود وهي خطوة من شأنها تجنيب ليبيا من أن تصبح ملجأ للإرهابيّين القادمين من مناطق أخرى، ويمكن توسيع هذا التنسيق إلى بلدان أخرى إفريقية واقعة جنوب الصحراء على غرار النيجر والتشاد والسودان.
❊ كيف ترون الحل في ليبيا؟
❊❊ الحل هو العودة إلى الأسس الواضحة التي تمّ تحقيقها إلى غاية بداية الحملة العسكرية الأخيرة، خاصة مسألة الإنتخابات التشريعية لأنّ الأمر هنا متعلق بمسار بناء المؤسسات، دولة بدون مؤسسات لن تقوم لها قائمة ولا يمكن لها أن تفرض قوّتها وقانونها، دون أن ننسى مسألة الحوار الداخلي الذي يبقى ضروريا جدا في هذه المرحلة.