طباعة هذه الصفحة

المؤسّسة الدّينية ومعادلة مكافحة الإرهاب بالسّاحل الإفريقي

الإمام أحمد تيجاني سي: لا خوف على مرجعيتنا من الأفكار الضالة

حمزة محصول

لا يتوقّف التّصدّي للتطرف والتطرف العنيف (الإرهاب) بمنطقة السّاحل الإفريقي، عند البعد الأمني الذي تستثمر فيه أموالا طائلة وتواجدا عسكريا أجنبيا، بل يتعدّاه إلى أبعاد أخرى تخص تكريس الديمقراطية والحكم الراشد، التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفكر الديني المعتدل.

احتضنت بوركينافاسو الأسبوع الماضي اجتماعا رفيع المستوى لقادة دول السّاحل الخمس (موريتانيا، التشاد، النيجر، مالي والبلد المضيف)، بحث سبل تفعيل القوة العسكرية المشتركة لمكافحة الإرهاب، وانخراط المجتمع الدولي في مقاربات تذليل التحديات التي تواجه المنطقة.
واعترف القادة بصعوبة ضمان النّجاعة في مواجهة الهجمات الإرهابية الخاطفة، بسبب نقص الإمكانيات من جهة وطبيعة الحرب التي تعتمد أسلوب حرب العصابات.
خلال الفترة ذاتها، أشرفت وزارة الشؤون الدينية الجزائرية، على تأطير دورة تكوينية لفائدة أئمّة ينحدرون من دول: مالي، السنغال، غامبيا، النيجر، التشاد وغينيا، وشكّلت فرصة هامّة لترسيخ المرجعية الدينية للمنطقة القائمة على الوسطية والاعتدال.
وإذا كان العمل الإرهابي ينطلق من فكر ظلامي ضال، فإنّ مجابهته تكون بالفكرة المستنيرة المعتدلة، وهنا يأتي دور المؤسّسات الدينية في التصدي للتطرف والتطرف العنيف، الدخيل على المنطقة، والذي يشكّل خطرا حقيقيا على أمنها وتماسكها الاجتماعي.
ويقابل العجز الواضح في السيطرة على المساحات الجغرافية الشاسعة لدول الساحل، تقاربا وتشابكا في المذهب الديني والمنهج الوسطي المنحدر من الطريقة التيجانية، التي يفوق أتباعها أزيد من 250 مليون نسمة بالمنطقة، حسب وزير الشّؤون الدينية محمد عيسى.
دور الأئمّة
وعلى هامش الدورة التكوينية، تحدّث الإمام ومدير مدرسة قرآنية بالسنغال، أحمد تيجاني سي، إلى «الشعب»، ليؤكّد أنّ الإرهاب حقيقة قائمة بالساحل الإفريقي، وأنّها تتغذّى من الفكر المتطرّف النّابع بدوره من عوامل أخرى على رأسها الفقر واستيراد الأفكار، والفتاوى المتعارضة مع المرجعية الدينية للدول.
وأوضح أحمد تيجاني أنّ «التطرف موجود في عدة دول، ولكن حاليا يتولّى الأئمة والمشايخ التصدي له بكل تفان، من خلال الحرص على ترسيخ تعاليم ديننا الحنيف القائمة كلها على التسامح والتآخي والاعتدال».
وعمّا إذا كانت لديهم قدرة على التأثير المضاد للفكر الضال، قال المتحدث: «نحن في منطقتنا نشأنا على احترام ما يقوله مشايخنا ولهم تأثير إيجابي كبير علينا، إذ نأخذ رأيهم ومشورتهم في كل صغيرة وكبيرة تخص ديننا، ويتصرّفون سريعا عندما يرون فردا أو مجموعة أفراد بصدد سلوك طريق خاطئ، فيسيطرون على الوضع بالكلمة الطيبة».
وأضاف الإمام الذي يدير مدرسة قرآنية شرق السنغال، أن الشباب بصفتهم الفئة الهشّة الأكثر عرضة للاستغلال في ميدان الهجرة غير الشرعية وآفات أخرى خطيرة، «يأخذون برأي كبار رجال الدين لدينا».
نشاط سري
وشدّد أحمد تيجاني سي على أن دول الساحل الإفريقي تعاني من أفكار دخيلة «خطيرة جدّا»، مفيدا بأن حملة تلك الأفكار يتسلّلون إلى قلب المجتمع ولا يجاهرون أبدا بنشاطهم لأنّهم لو فعلوا سيتحرّك المشايخ ويطفأون سريعا نار الفتنة».
وأوضح الإمام أنّ للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان المنطقة يد مباشرة في سقوط العشرات في يد المتطرّفين والجماعات الإرهابية، قائلا «أن من بين الأسباب المؤدية للإرهاب عندنا، الفقر، فهو يدفع الشباب إلى التنقل من دول إلى أخرى بحثا عن عمل، وهناك يلتقون بأناس حاملين للفكر السّلفي المتعصّب، يسيطرون على عقولهم سريعا مع إيهامهم بأن تعاليم الإسلام التي نشأوا عليها خاطئة وقديمة، وعندما يعودون إلى مدنهم وقراهم الأصلية ينقلون تلك الأفكار إلى ذويهم وأصحابهم، وهنا مكمن الخطر».
كيف التّعامل معهم؟
وفي السياق، أفاد المتحدّث أنّ منطقة السّاحل الإفريقي كغيرها من مناطق العالم، أصبحت مفتوحة على الآخرين، وباتت مطالبة بمواكبة مختلف التطورات بما فيها ما يتعلق بالممارسة الدينية «لكن دون التخلي عن مرجعيتنا».
وتابع الإمام أحمد تيجاني: «هذه النقطة، كانت من أبرز ما استفدنا منه في الدورة التكوينية بالجزائر»، مضيفا: «لقد تعلّمنا كيف نتعامل مع الآخرين، أولئك الذين لا يقاسموننا أفكارنا، حتى نقنعهم بمرجعيتنا».
وفي السياق، أكّد المتحدث أنّ التحاور مع حملة الفكر المتطرّف، يتطلّب «غزارة في العلم والثّقافة»، مشيرا إلى استعدادهم لخوض هذه التجربة بالتنسيق مع حكومات الدول.
تنسيق محكم
في المقابل، اعتبر الإمام أحمد تيجاني سي، أن المرجعية الدينية لمنطقة الساحل الإفريقي «لا خوف عليها»، مهما اشتدّت الصعاب، «لأنّها راسخة في التاريخ وفي قلب المجتمع المتسامح والمسالم».
وحسب المتحدث فإنّ ما يزيد من قوة هذه المرجعية «كونها مشتركة بين جميع الدول في المنطقة، فجلّنا من أتباع الطريقة التيجانية، وهناك تواصل دائم وزيارات متبادلة فيما بيننا».
وقال أحمد تيجاني: «هناك طلبة يأتون من موريتانيا لتلقي علوم الدين عندي في السنغال، بحكم المعرفة المسبقة لكوني تخرّجت من موريتانيا، وآخرون يذهبون إلى مالي والنيجر وهكذا..».
وأكّد ذات المصدر، أنّ هذه الحلقة القوية تعتبر سدّا منيعا في وجه الأفكار المتطرّفة والراغبين في استغلال الشباب، وتجنيدهم لارتكاب أعمال إرهابية لا تمت بصلة للدين الإسلامي.
 ويحظى كبار رجال الدين في دول الساحل بالاحترام، حيث استطاع رئيس المجلس الإسلامي الأعلى لدولة مالي، الشيخ محمد ديكو، أن يجمع حوالي 80 ألف مواطن في ملعب بباماكو قبل أيام، للحديث عن قيم المصالحة الوطنية والتسامح والتآخي، عقب سلسلة من أعمال العنف العرقي في مختلف مناطق البلاد.
واللاّفت في نشاط الجماعات الإرهابية بالمنطقة، أنّهم ينحدرون من دول أخرى بعيدة يتم تجميعهم وتجنيدهم وفق أجندات معيّنة، لزرع الرعب وإراقة الدماء.