طباعة هذه الصفحة

مبدأ ثابت في سياستها الخارجية

لهذه الأسباب ترفض الجزائر التدخل في شؤونها

حمزة محصول

رفضت الجزائر-التي تعرف حراكا سلميا للتغيير السياسي-  التدخّل الخارجي في شؤونها الداخلية، وأكدت شعبا وحكومة، أنها ليست في حاجة لأية تعليقات تصدر من عواصم أجنبية تتجاوز الحدود الدبلوماسية المتعارف عليها في العلاقات الدولية.

رفض الجزائريون، الذين خرجوا في مسيرات سلمية، أبهرت العالم، مطالبين بالتغيير السياسي والذهاب نحو جمهورية جديدة، كل ما صدر من الخارج من تصريحات تخص مستجدات الساحة الوطنية. رفعت لافتات تشدد على عدم السماح «بالتدخل في شؤوننا الداخلية»، حاثة قادة أجانب بالاهتمام بمشاكل بلدانهم وشعوبهم.
 في أول ندوة صحفية، للوزير الأول، نور الدين بدوي، ونائب الوزير الأول، وزير الشؤون الخارجية، رمطان لعمامرة، صرح الأخير،  بأن «التدخل في شؤوننا الداخلية، أمر مرفوض رفضا باتا».
وحث لعمامرة، الجزائريين على التحلي باليقظة للتصدي لكل اختراق خارجي مهما كان نوعه، مؤكدا أن «الدولة مهيأة ولديها الخبرة والكفاءة للحفاظ على سيادة وحرية الشعب الجزائري وقراره».
 دعا الدبلوماسي المخضرم، الأخضر الإبراهيمي، المعروف بقيادة وساطات دولية في الشرق الأوسط بتكليف من هيئة الأمم المتحدة، إلى الحفاظ على سلمية المسيرات الشعبية، والتصدي لمحاولات خدش تحضر الجزائريين، قائلا: «بأن هناك من يجد مصلحته في المشكلة ويجب الحذر».

رصيد ومرجعية

الإجماع بين الشعب والدولة، على رفض التدخل في الشأن الداخلي الوطني، يؤكد أن مبادئ الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال، فيما يتعلق باحترام سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، نابعة من مرجعية وطنية متجدرة في ثقافة المجتمع.
 عملت الدولة الجزائرية، على وضع هذا المبدأ ضمن القانون الأسمى للبلاد، إذ تنص المادة 31 من دستور 2016، على أن «تـعـمل الجـزائـر من أجل دعم الـتّـعـاون الـدّوليّ، وتــنـمـيـة الـعلاقـات الـودّيّـة بين الـدّول، وعـلى أسـاس المـسـاواة، والمـصـلـحـة المتبادلة وعـدم الـتّـدخّل في الـشّـؤون الــدّاخـلــيّـة. وتــتـبـنّى مـبـادئ مـيـثـاق الأمم المتّحدة وأهدافه».
 تعرضت الجزائر لضغوط دولية، مدعومة بتحاليل خبراء ومراكز دراسات، من أجل تغيير سياستها الخارجية وإسنادها على المصلحة الظرفية بدل المبادئ، ومثال ذلك محاولات جرها للتدخل في منطقة الساحل الإفريقي الذي يشهد أزمات معقدة منذ سنوات.
لكن الجزائر، ظلت متمسكة، بالتعاون الثنائي والمتعدد، مع جوارها الإقليمي وحتى مع دول بعيدة، من منطلق احترام السيادة الكاملة وتفادي كل ما يظهر أنه تدخلا بطريقة أوبأخرى.
 التزمت البلاد، بتقديم مشاورات لحل الأزمات، نابعة من تجربتها الخاصة، دون فرض أية املاءات عليها، مثلما هوالحال مع الجارة ليبيا، إذ فتحت أبواب الخارجية الجزائرية، لكل الأطراف الليبية، حزبية، أوشخصيات أونشطاء، مقدمة عصارة تجربتها في تجاوز الأزمات الداخلية وآليات الذهاب نحو مصالحة وطنية شاملة دون إقصاء.
جددت الجزائر في كل مرة، رؤيتها للأزمة الليبية، بأن «الحل بيد الليبيين وحدهم»، داعية في مختلف المنابر إلى إبعاد التدخل الأجنبي سواء كان سياسيا أوعسكريا.
وقبلت الدبلوماسية الجزائرية، دون تردد قيادة وساطة دولية في مالي، ملبية طلب الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وتمكنت بعد 8 أشهر من المفاوضات، من تقليص الفوارق بين الماليين وجعلهم يوافقون على توقيع اتفاق السلم والمصالحة الوطنية في جوان 2015.
 تملك الجزائر منذ الاستقلال، رصيدا معتبرا من تجارب الوساطات الناجحة، والسعي لإنهاء كل الازمات الدولية عبر قنوات الحوار، حتى في مناطق بعيدة عن جوارها الإقليمي، مثلما كان الحال  في حرب العراق وإيران سنة ١٩٧٥.

التجربة وثقافة صون السيادة

من أكثر العبارات قوة، في ديباجة دستور 2016 أن « الشـعب الجـزائـري ناضـل وينـاضل دومـا في سـبيل الحـريـة والديمـقـراطـية، وهـو مـتمـسك بـسـيادته واستقلاله الوطنيين». لقد كافح الشعب الجزائري من أجل حريته واستقلاله، إبان الاستعمار الفرنسي، ودفع الثمن باهضا جدا، وتمسك بهذين المكسبين حتى في أحلك الظروف التي مرت بها في دولته المستقلة.
 في الوقت الذي كان ينظر إلى «الجزائري»، في المطارات الدولية، سنوات التسعينات، على أنه شخص مشبوه، بسبب العشرية السوداء، رفض الرضوخ لأية ضغوطات خارجية، وعمل على حل مشكلة وطنه بوطنه، بعيدا عن أية إملاءات.
بل كان، من محرمات ثقافة الدولة، محاولة استيراد الحلول من الخارج، وصمد الشعب وضحت الأجهزة الأمنية وحاربت، إلى غاية الانتصار على الإرهاب وتحقيق السلم والمصالحة الوطنية، بإرادة وهندسة جزائرية خالصة.
 في وقت كانت بعض دول العالم تطرح أسئلة استفزازية عما يجري في الجزائر، لم يستفق العالم إلا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، على أن الظاهرة الإرهابية حقيقة قائمة، لا تعترف بالدول ولا بالحدود ولا بالدين ولا بأي شيء آخر غير نشر الخراب والقتل وهدم المؤسسات لخدمة أجندات معينة.
تفرغت القوى الدولية إلى محاربة الظاهرة الإرهابية ومكافحة التطرف العنيف، واضعة التنافس فيما بينها كأولوية ثانية، واضطرت إلى طلب خبرة الجزائر في المجال، ولم تخف الأخيرة في أي منبر إقليمي أودولي أنها انتصرت «لوحدها» على الإرهاب، وصاغت «لوحدها» أيضا مشروع مصالحة وطنية تبنى ميثاقها الشعب الجزائري في استفتاء مارس فيه سيادته، دون أية املاءات خارجية.

دروس وأسبقية

تجربة الشعب الجزائري، ورصيده الطويل في الكفاح التحرري بمختلف أشكاله، من الحركة الوطنية إلى الثورة المسلحة ضد الاستعمار، مرورا بالتظاهر السلمي للانتقال الديمقراطي والتغلب على الإرهاب، جعلته في ريادة شعوب المنطقة من حيث التعامل مع الأزمات واليقظة من أية اختراقات غير مرغوبة.
كانت الجزائر، سباقة إلى رفض الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003، وحذرت من كل ديمقراطية تأتي على ظهر الدبابة الأجنبية كما بادرت من أول يوم لما سمي بالربيع العربي سنة 2011 من التحذير من انزلاقات خطيرة تفتح الباب أمام التدخلات الخارجية.
هذه المرجعية بلغت مستوى عال جدا من النضج والتوافق بين كل الجزائريين ومؤسسات دولتهم، ونجحت في تقديم صورة رائعة عن البلد للعالم، من خلال المظاهرات السلمية التي انطلقت في نصف الثاني من شهر فيفري الماضي، في إطار الرغبة الملحة في تحقيق تغيير سياسي هادئ وبناء يحمل البلاد نحو جمهورية جديدة، تلبي طموحات الشعب.
 كما نجحت في تجاوز أحلك ظروفها بطاقاتها الخاصة، لا يمكن أن تقبل اليوم تدخلا أجنبيا في شؤونها الداخلية من أية جهة كانت، خاصة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة المبنية على دعم أجندات «تفكيك» الدول والأقاليم.