طباعة هذه الصفحة

خلفيات وتداعيات هجوم حفتر على طرابلس

الخبير الأمني بن عمر بن جانا:

حمزة / م

الاقتتال في ليبيا لن يؤثر أمنيا على الجزائر

تصدّرت ليبيا، مجددا، أجندة الأخبار الدولية، بعد عودة الاقتتال العنيف بين الأطراف المسيطرة على المشهد العام بالبلد في السنوات الأخيرة في وقت كان الجميع يعقد آمالا كبيرة على نجاح المؤتمر الجامع المقرّر عقده بمدينة غدامس بين 14 و16 أفريل الجاري.

قرّر قائد ما يعرف بالجيش الليبي المسيطرة على الجهة الشرقية لليبيا، المشير خليفة حفتر، الأربعاء الماضي، الهجوم على العاصمة طرابلس، بحجة «محاربة الإرهاب وتطهيرها من المليشيات المسلحة».
إعلان حفتر للعملية العسكرية العنيفة، تزامن وتواجد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بالعاصمة الليبية، أين نشّط ندوة صحفية أكد فيها «حرص الهيئة الأممية على مساعدة الأطراف الليبية من أجل التوصّل إلى حل سياسي ينهي الانقسامات ويضع حدا لمعاناة الشعب الليبي».
حاول غوتيرس، القيام بوساطة سريعة، لاحتواء الوضع، والتقى رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، ثم تنقّل إلى بنغازي بمقر إقامة خليفة حفتر، محاولا إقناعه بوقف العملية العسكرية.
رد حفتر على الأمين العام الأممي، بأنه لن يوقّف العملية إلى غاية «تطهير العاصمة بشكل نهائي من الإرهاب».
ويقصد حفتر، الذي نصّب نفسه قبل سنوات قائدا للجيش الليبي، ومشرفا عاما على عميلة الكرامة لطرد الإرهاب من بنغازي، المليشيات المسلّحة المرابطة على تخوم العاصمة طرابلس والمتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني.
غادر غوتيرس، ليبيا، وبدأت البيانات الدولية المندّدة بالهجوم على طرابلس والداعية إلى الوقف الفوري للاقتتال تتهاطل من مختلف العواصم، ومن داخل التكتلات الإقليمية والدولية، كالاتحاد الإفريقي، الجامعة العربية، مجلس الأمن الدولي ومجموعة السبع.
وبينما حاول الأعضاء الدائمون لمجلس الأمن الدولي، ليلة الأحد إلى الاثنين، صياغة بيان يطالب حفر «بوقف الهجوم فورا»، منعت روسيا إصدار النسخة النهائية منه، وطالبت بأن يشمل الطلب «كل الأطراف الليبية».
هل أخطأ التقدير؟
عند إعلانه العملية العسكرية، على طرابلس، قال خليفة حفتر، أنه سيطّر على الوضع بشكل كامل في ظرف 48 ساعة.
لكن الواقع العملياتي، بدا معاكسا تماما لما اعتقده المشير وأبرز ضباطه، إذ أن الاشتباكات العنيفة جارية منذ أزيد من ستة أيام، دون أن يستطيع التقدّم لأكثر من 70 كلم عن وسط العاصمة.
ويكون حفتر قد تفاجأ بالرد العنيف للقوات الداعمة لحكومة الوفاق الوطني، واعتمادها الانسحاب التكتيكي والهجوم المضاد، لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها قواته بشكل سريع، مثلما حصل مع المطار الدولي السابق.
وردا على هجومه، أعلنت حكومة الوفاق الوطني، عملية «بركان الغضب»، مستعملة الطائرات الحربية لصدّ قوات الجيش الليبي وإرغامها على التراجع.
وخلف الاقتتال، عدة قتلى وعشرات الجرحى عسكريين ومدنيين، ودعت البعثة الأممية للدعم في ليبيا بقيادة غسان سلامة إلى هدنة إنسانية، لتقديم المساعدات للمدنيين ساعتين في اليوم.
دوافع الهجوم؟
كل شيء كان يبدو مهيأ لإنجاح المؤتمر الوطني الجامع المقرّر انعقاده الأحد والاثنين القادمين، الذي تكفلت البعثة الأمم للدعم في ليبيا بإعداده والتحضير له من كافة الجوانب.
واستبقت اللمسات الأخيرة للمؤتمر بلقاء ثنائي، بين حفتر والسراج في العاصمة الإماراتية أبوظبي، لقاء كل ما تسرّب منه أن الطرفين «اتفقا على دعم العملية السياسية وإنهاء الانقسامات»، وكلّل بارتياح الأمم المتحدة وباقي الدول.
لكن مؤشرات انفجار الوضع مجدّدا كانت بادية، من خلال تصريحات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
فقد انتقد عدم تلقيه دعوة حضور المؤتمر الجامع من قبل البعثة الأممية، وردت الأخيرة بأنها استثنت الفاعلين الأساسيين عمدا عن المناسبة التي تتيح الفرصة لمختلف أطياف المجتمع الليبي لوضع تصورات توافقية للخروج من الأزمة.
وبشكل مفاجئ أعلن حفتر، الأربعاء الماضي، هجومه على العاصمة طرابلس، في خطوة أثارت استغراب المجتمع الدولي والليبيين أنفسهم.
والحقيقة، أن إجهاض التفاهمات السياسية قبل ميلادها ليس جديدا في المشهد الليبي، إذ اندلعت مواجهات مسلحة في 2017 و2018، كلما لاحت في الأفق بوادر الحل السياسي.
ومن الواضح، أن خليفة حفتر، يصرّ على السيطرة على المؤسسة العسكرية بشكل كامل في أي حل توافقي، ويتحرّك بالسلاح كلما شعر بضعف ضمانات بقائه الفاعل الأول في المشهد الأمني.
فرض الأمر الواقع
 وجاءت خطوة حفتر بالهجوم على طرابلس، أسابيع قليلة، بعد سيطرته على منشآت نفطية جنوب البلاد، ورأى أنه لم يتبقَ له سوى الجهة الغربية ليبسط سيطرته عسكريا على كامل التراب الليبي.
ويبدو أن العسكري الذي لديه ماض سيء في حرب ليبيا والتشاد، حين وقع أسيرا لدى الأخيرة، استلهم من «سياسة الأمر الواقع» التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث غامر بالهجوم على العاصمة، للسيطرة الكاملة على الوضع.
وبقدر ما تعتبر خطة حفتر رغبة في فرض سياسة الأمر الواقع، بقدر ما تظهر أنها مغامرة قد تقضي عليه نهائيا، فكلما تأخّر تحقيق السيطرة على طرابلس كلما نقصت أسهمه لدى داعميه من القوى الدولية، في ظلّ سقوط الضحايا من المدنيين وانزلاق الوضع نحو حرب أهلية معقّدة، تعيد البلد إلى سنة 2011.
الأبعاد الإقليمية
يرى الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية بن عمر بن جانا، أن إعلان خليفة حفتر الهجوم على طرابلس «خطوة انفرادية تلزمه هو شخصيا من باب السعي للسيطرة والسلطة عبر قوة السلاح».
وتوقّع بن جانا، في حديث لـ»الشعب»، أن الاقتتال الحاصل بين قوات حفتر وقوات حكومة الوفاق الوطني، يطغى عليها منطق المليشيات وليس الجيش الاحترافي، من كلا الطرفين.
وأضاف أن «كثرة المليشيات لن تزيد الوضع في البلاد إلا تعقيدا ولن تسمح بالتوصّل إلى توافقات سياسية على الأرض»، لافتا «إلى خصوصية المجتمع الليبي الذي لم يصل بعد المجتمع السياسي وإنما تسيطر عليه النزعة القبلية».
التداعيات على دول الجوار
ويؤكد الخبير في الشؤون الأمنية، أن هجوم حفتر على طرابلس، «لا يشكل تأثيرا من الناحية الأمنية على الجزائر تحديدا، والجيش الوطني الشعبي يوجد في راحة تامة ويؤدي مهمته المعتادة في مراقبة الحدود باحترافية عالية».
واستطرد المتحدث، بأن ما يجري في طرابلس، يمسّ بالأمن الليبي، «ومعرف أن الأخير مرتبط بشكل وثيق بالأمن الجزائري مثلما هو الحال مع كل دول الجوار».
لذلك، توقّع بن جانا أن تكون تداعيات ما يجري في ليبيا، على المجهود الدبلوماسي للجزائر، خاصة وأن «الدبلوماسية الجزائرية منشغلة إلى حدّ ما بما يجري داخل الوطن من مسيرات سلمية مطالبة بالتغيير، ومن الأهمية البالغة أن تكون حاضرة في المشهد الليبي نظرا لترابطات الأمن الإقليمي».