طباعة هذه الصفحة

الأستاذ زاوي رابح لـ«الشعب»:

هناك من يجرّ ليبيا للاحتراب الداخلي بقصد التدخّل الخارجي

حاورته: إيمان كافي

توافق القوى الكبرى على دعم حفتر يعزّز الخيار العسكري
تسوية الأزمة بيد الليبيين والتدويل سيُدخل المنطقة في دوامة

تتطرّق جريدة «الشعب» في حوارها مع السيد رابح زاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو، لأبرز المستجدات التي تسجلها الأزمة الليبية عقب التحركات العسكرية للمشير خليفة حفتر، وذلك ضمن سياق تأثيراتها على مسار التسوية السياسية، وانعكاساتها الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة.

«الشعب»: كلما تحسّست ليبيا طريق النجاة، إلا وسقطت مجدّدا في عمق الأزمة التي تغرق فيها منذ 8 سنوات، ما قولكم في هذه المعضلة؟
الأستاذ رابح زاوي: صحيح، هي معضلة حقيقية جعلت ليبيا تعيش هذه الحالة من عدم الاستقرار، هي معضلة جعلت البلاد تصل إلى حالة متقدمة من الفشل الدولاتي، والمثير في الموضوع أن تداعيات الحالة لم تقتصر على ليبيا لوحدها بقدر ما تداعت تأثيراتها على المنطقة المغاربية والساحل الإفريقي، من الجيد في أحيان كثيرة التذكير بأن أصل المعضلة القائمة هو سياسي بحت من خلال مطالب الليبيين بإسقاط النظام السابق لتتطوّر الأحداث وتتحوّل شيئا فشيئا إلى تدخل دولي أفضى إلى انهيار تام للدولة الليبية ودخولها في اقتتال داخلي  بين قوى متصارعة..  دائما ما نذكر بأن أخطر المراحل في حياة أي دولة هي تلك المتعلقة بالانتقال والتحوّل الديمقراطي في الأنظمة غير الديمقراطية، فالنظام السابق وطوال أربعين سنة لم يبن لا مجتمع مدني ولا ديمقراطية تشاركية ولا حتى بنى حزبية، وبالتالي النتيجة كانت صعوبة كبيرة في بناء المرحلة التي تلت سقوط النظام، دون إغفال دور العامل الخارجي الذي كان فعالا، وكرّس حالة من التنافس بين القوى خاصة فرنسا وإيطاليا.

تدعو للحل السياسي  وتدّعم التصعيد العسكري!

 تحرّك المشير خليفة حفتر العسكري باتجاه طرابلس، جاء تحت عنوان محاربة الإرهاب عشية عقد المؤتمر الوطني الذي كان الليبيون يعلقون عليه آمالا كبيرة للخروج من الأزمة، ما الأسباب الكامنة وراء عملية حفتر ولماذا في هذا الظرف بالذات؟
 العملية السياسية في ليبيا كانت قد خطت خطوات هامة ومشجّعة، وعقد المؤتمر الوطني كان سيقدم دعما هاما لهذه العملية التي تحظى بدعم أممي وإقليمي في صورة الجزائر التي تدعم مسألة الحوار الداخلي والحل السياسي بين الفرقاء الليبيين لأنه الأساس لحل الخلافات الموجودة، لكن وجب الإشارة إلى أن المشير خليفة حفتر لا يؤمن بالعملية السياسية وقد شنّ عمليته وهو يعلم جيدا أن هناك محاولة من الأمم المتحدة لعقد مؤتمر بحثا عن مخرج من الأزمة، لكن إن لم تكن هناك مقاومة عسكرية على الأرض ورفض دولي حقيقي لتحركه، فإن زحفه العسكري سيستمر، كما لا يفوتنا هنا الإشارة إلى الدعم الذي يحظى به من بعض الأطراف التي أصبحت أوراقها مكشوفة وواضحة.
 بالرغم من الخسائر التي تسجّلها في صفوف المدنيين بقلب العاصمة طرابلس، إلا أن عملية حفتر العسكرية تلقى دعما وتأييدا كبيرين من العديد من الدول، لماذا هذا التأييد برأيكم؟
 على المستوى الدولي، يمكن ملاحظة أن حكومات بعض الدول منها إيطاليا وفرنسا سبق وأن أصدرت بيانا مشتركاً دعت فيه إلى وقف التصعيد الحالي، مؤكدة على عدم رؤيتها لحل عسكري للصراع الذي يمكن أن يقود ليبيا نحو الفوضى، لكن هذا الموقف هو مجرد تحرّك دبلوماسي ولا يعكس الموقف الحقيقي لتلك الدول، التي ترغب دائما في الظهور بمظهر الراغب في الحوار السلمي،  كما لا يجب أن ننسى الدعم الفرنسي والإيطالي للعمليات العسكرية من خلال حلف شمال الأطلسي وسياسيا من خلال مجلس الأمن الدولي واستصدار القرارات الأممية الخاصة بالتدخل خلال الفترة السابقة، فكيف يمكن لتلك الأطراف التي كانت سببا في الأزمة أن تكون أيضا طرفا في حلها؟، فمن جهة تدعم الحل السياسي وحكومة الوفاق الوطني الشرعية، ومن جهة أخرى تدعم التحرك العسكري والعمليات العسكرية تحت غطاء مكافحة الإرهاب، فأيهما أولى بالدعم الحلول السياسية الشرعية أم إدخال البلاد في فوضى؟

تهميش دور الأمم المتحدة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أجرى شخصيا اتصالا هاتفيا مع حفتر ما يعكس تحوّل الموقف الأمريكي من الوضع الليبي، ما تفسيركم لموقف ترامب هذا، وما معنى دعمه لحفتر؟
أعتقد أنه لا يمكن قراءة موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمعزل عن مشروع قرار بريطاني يذكر المشير خليفة حفتر بالاسم ويدعوه لوقف إطلاق النار والذي لقي اعتراضا من طرف كل من روسيا وأمريكا، وانضمت لهما لاحقا ثلاث دول إفريقية أهمها جنوب إفريقيا، كوت ديفوار وغينيا الاستوائية، ونفس القرار ألقى اللوم على الأمين العام للأمم المتحدة الذي التقى المشير خليفة حفتر بعد بدئه الهجوم بيوم بدلا من لومه والتنديد بتدخله العسكري، إذن يمكن ملاحظة أن كل من واشنطن وموسكو تبدو أن في صف واحد، وفي ذلك تهميش لدور الأمم المتحدة في ليبيا.
 الموقف الأمريكي من عملية حفتر يتقاطع مع الموقف الروسي ومع مواقف العديد من الدول، فهل هو صراع مصالح أم أنه تفاهم على تقسيم الكعكة الليبية المسيلة للعاب؟
 هناك توجّه كبير نحو دعم الحل العسكري على حساب الحل السياسي والمجازفة بإدخال البلاد في حالة فوضى غير مضمونة العواقب، بالتأكيد إن مسألة التوافق بين القوى الكبرى له وزنه وتأثيره، على اعتبار أن ليبيا كانت ومازالت تشكل أهمية كبيرة بثرواتها ومواردها وموقعها الجيواستراتيجي للقوى الكبرى، وهو الأمر الذي جعلها تعاني إلى غاية الآن من ظاهرة الاستقطاب، خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وايطاليا، الكعكة كبيرة جدا وتستحق المجازفة.

مبادرات الاتحاد الافريقي لا تلقى الدعم

أمام التصعيد الذي تشهده ليبيا لا يبدي الاتحاد الإفريقي موقفا واضحا وفي الغالب يلتزم الصمت، لماذا؟
 في حقيقة الأمر سبق وأن تمّ الكشف عن تفاصيل خارطة الطريق التي أعدها القادة الأفارقة لحل الأزمة الليبية وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، وتشمل الخارطة خمس مراحل أولها اجتماع اللجنة العليا للاتحاد الإفريقي حول ليبيا بهدف بلورة التصورات والمواقف حول القضية الليبية وتكليف اللجنة التحضيرية الليبية لإعداد مؤتمر المصالحة وتشكيل لجنة ثانية لتليين وتسهيل المواقف، على أن يشارك في هذا الاجتماع ممثلو البلدان الأعضاء في اللجنة الرباعية المنبثقة عن الإتحاد الإفريقي، والفاعلون السياسيون للمجتمع المدني الليبي وممثّلو القبائل، كما يحضره كملاحظين مندوبون عن الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي، وتنتهي خارطة الطريق الإفريقية بتنظيم الانتخابات العامة الرئاسية والبرلمانية يوم 20 أكتوبر 2019، هذا أبرز مثال على موقف الإتحاد الإفريقي من الأزمة الليبية، دون أن ننسى البيان الذي أصدره الاتحاد في ختام قمة عقدت في فيفري 2019، والذي كلف جمعيته العامة رئيس المفوضية الإفريقية موسى فقي ببذل جهود «من أجل الدعوة لمؤتمر دولي في أديس أبابا في (جويلية وأوت) 2019، حول المصالحة في ليبيا بإشراف الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة». لكن يبدو واضحا أن هناك دولا معينة في الإتحاد الإفريقي قد اختارت معسكرها وطرفها من النزاع على غرار جنوب إفريقيا، كوت ديفوار وغينيا الاستوائية التي رفضت مشروع القرار البريطاني مثلما أشرنا إليه سابقا، فالمشكل ليس في البيانات الصادرة ولكن في خطط العمل الملموسة والجادة لحل الأزمة من جذورها.

الانفلات الأمني يؤثر على استقرار المنطقة

الانحدار الأمني بليبيا يلقي بظلاله الداكنة على المنطقة ويضعها في وجه الإعصار ما تعليقكم؟
 أكيد، ربما هذا أخطر ما في القضية وهو حالة الانفلات الأمني القائمة والتي بوسعها التأثير على الأمن في المنطقة كاملة، وتأثيرها يمتد حتى إلى الساحل الإفريقي، وبدون أمن من المستحيل الحديث عن التنمية والديمقراطية وغيرها من الشعارات التي تتغنى بها القوى الكبرى، ومع حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتزايد الاستقطاب الإقليمي اتجاه الأزمة الليبية فإن الأمور تسير إلى الأسوأ.
 ما انعكاسات الوضع الليبي على الجزائر؟
 حتى في عزّ الانفلات الأمني بعد سقوط النظام السابق في ليبيا، استطاع الجيش الجزائري ووحدات الأمن الوطني تأمين الحدود الوطنية وإحباط العديد من المحاولات المتعلقة بتسلل الإرهابيين أو تهريب السلاح، وبالتالي أعتقد وكلي ثقة بقدرة الجيش الجزائري على الحفاظ على الأمن الجزائري، فيما تبدو تأثيرات ما يحدث في ليبيا متعلقة بشكل كبير بمستقبل الميليشيات المسلحة بعد وصول قوات المشير حفتر، هنا تكون الحدود التونسية والجزائرية هي المستهدفة بالأساس.
 كيف تتوقعون مآل الوضع في ليبيا وأي حل للأزمة التي تتخبط فيها؟
 الأمور وصلت إلى نقطة اللارجوع، وحظوظ الحل السياسي تراجعت بشكل كبير خاصة مع هذه التطورات، نتمنى أن تدرك الأطراف الليبية المعنية بالأزمة أن حلّها مرتبط بتوفّر إرادة طيبة لبناء ليبيا جديدة، وأن التدخل الخارجي لن يزيد إلا من سوء الوضع بدل الدفع بمسار التوافق.