طباعة هذه الصفحة

الأستاذ فؤاد جدو لـ«الشعب»:

الساحل الإفريقي تحوّل إلى بؤرة إرهابية تهدّد أمن المنطقة

حوار: فضيلة دفوس

التوتر في ليبيا خلق بيئة لانتشار الجريمة المنظمة

الجزائر تمتلك مقوّمات مواجهة الخطر والطوارئ

تشهد منطقة غرب أفريقيا ودول الساحل تحديدا تزايدا في العمليات الإرهابية التي تحصد في كلّ مرّة العديد من الضحايا، آخرهم 28 عسكريا سقطوا في كمين نصبه الدمويون لقوات النيجر، كما تعرّضت كنيسة كاثوليكية بشمال بوركينا فاسو لهجوم أوقع العديد من الضحايا، وخطف فرنسيان قبل أن يتمّ تحريرهما بفضل عملية عسكرية قادتها فرنسا وخلّفت مصرع عسكريين. التصعيد الإرهابي في منطقة الساحل بلغ مستويات قياسية إلى درجة أن وزير خارجية بوركينا فاسو طالب من على منبر مجلس الأمن  بتحالف دولي كالذي تمّ في العراق وأفغانستان لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة بالمنطقة.
عند هذا التصعيد الإرهابي، تقف «الشعب» مع الأستاذ فؤاد جدو أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر بسكرة للبحث عن أسبابه وتداعياته وسبل مواجهته.

«الشعب»: يشهد الإرهاب تصعيدا خطيرا في الساحل، حيث وقعت عدة هجمات بمالي والنيجر وبنيجيريا المجاورة، ما تعليقكم على هذا التصعيد؟
الأستاذ فؤاد جدو: زيادة الهجمات في الفترة الأخيرة بمنطقة الساحل الافريقي يعود لعدة أسباب، لكن يجب التنويه الى أن هذه المنطقة تعرف حالة عدم استقرار منذ عقود، حيث تنوّعت الاضطرابات ما بين مشاكل داخل الدول تتجسّد في  الصراع البيني كما حدث في مالي والنيجر، وأيضا مشاكل من نوع آخر تتمثل في الهجرة غير الشرعية، الجريمة المنظمة، تجارة المخدرات، وبعدها أصبحت التهديدات عابرة للأوطان وأساسها الإرهاب الذي بدأ مع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ثم مع فصائل أخرى مثل «بوكو حرام» بنيجيريا  و»تنظيم الجهاد والتوحيد» و»أنصار الدين»،  
ومؤخرا ازدادت العمليات الإرهابية في المنطقة خاصة مع مقتل 28 عسكريا من النيجر على الحدود مع مالي وهذا للأسباب التي يمكن حصرها في ما يلي:
- تزايد نفوذ تنظيم «داعش» الإرهابي في منطقة الساحل الافريقي خاصة بمنطقة بحيرة تشاد، وذلك  للفراغ المؤسساتي والأمني في ليبيا التي تعتبر القاعدة التي يتحرك في مجالها أي تنظيم إرهابي، والمرور عبر تشاد، وبهذا تريد هذه التنظيمات الإرهابية الاستثمار في الأوضاع الراهنة لإعادة  بناء نفسها مع قرب نهاية الحسم النهائي للأوضاع في سوريا ، وبالتالي أفضل مكان بالنسبة لهذه التنظيمات الإرهابية هي إعادة التموقع في منطقة الساحل الافريقي.
- بداية فرض النفوذ ما بين تنظيم داعش والذي يطلق على الساحل الافريقي تسمية ولاية الصحراء او ولاية غرب افريقيا، وبين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والذي لم يبايع داعش على عكس تنظيم بوكو حرام الذي بايع هذا التنظيم الإرهابي،  وبالتالي نجد أن داعش يحاول بناء قاعدة ارتكاز له على حساب تنظيم القاعدة الذي تراجع دوره بعد اتفاق السلام الموقع في الجزائر، خاصة ان داعش له خبرة في العمل العسكري.
- تراجع الدعم الدولي لبلدان الساحل الافريقي في محاربة الإرهاب خاصة فرنسا والولايات المتحدة الامريكية، فهذه الأخيرة في عهد الرئيس ترامب خفضت الميزانية الموجهة للجهد العسكري في المنطقة، وفرنسا لم تقدم بما يكفي من الدعم خاصة في ظلّ اهتمامها بالوضع الداخلي على حساب المنطقة، خاصة مع انشاء مجموعة 5 ساحل والتي ترتكز المساهمات المالية فيها لدول أخرى خاصة الامارات والسعودية وهذا انعكس على الجهد الموجه لمحاربة الإرهاب في المنطقة.
- تعكس مؤشرات سياسية وأمنية رغبة التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل الافريقي على استغلال الأوضاع السياسية في الجزائر واعتبار ان الجيش الجزائري يرافق الحراك، من هذا المنطلق تريد زيادة عملياتها الاستعراضية، لكن تدرك هذه الجماعات قوة ويقظة الجيش الجزائري في الجنوب خاصة وخبرته في مواجهة مثل هذه التهديدات  والجماعات.
- تغير الأوضاع في السودان وانشغال الجيش بمشاكل السلطة، إذ لا بد من الإشارة هنا الى ان  السودان على تماس حدودي مع تشاد وفيه تنتشر تجارة الأسلحة، وهذا يعتبر عاملا محفزا تستغله الجماعات الإرهابية لضرب المنطقة بشكل مكثف، فالفرصة بالنسبة لها مواتية لفرض منطقها ونفوذها.

الفوضى الأمنية بليبيا خلقت بيئة مناسبة لتنامي الإرهاب

 ألا يعكس تزايد النشاط الإرهابي بغرب إفريقيا أن هذه المنطقة تكون قد استقطبت الدمويين الفارين من منطقة التوتر بسوريا والعراق لخلق بؤرة أرهابية ساخنة؟
 هذا ما تسعى إليه التنظيمات الإرهابية، فهي تريد الاستثمار في الأوضاع السياسية والأمنية  والاقتصادية بمنطقة الساحل الافريقي لضرب الأوضاع وإعادة بناء نفسهاو خاصة أن داعش التنظيم يعتمد على استراتيجية استقطاب المرتزقة  وإغراء أبناء المنطقة بالمال لدمجهم في العمل المسلح، مع دعم مشبوه من بعض الدول التي تعمل على تنفيذ اجندة معينة بأيدي هذه الجماعات الإرهابية ولا تجد اشكالا في التحالف مع  منظمات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات، ما دام ذلك يضمن مداخيل مالية.
ومع تغير الأوضاع في سوريا والعراق وصعوبة التواجد في أفغانستان، أصبحت منطقة الساحل الافريقي الأنسب لها خاصة في ظلّ مؤشرات الفشل الدولاتي وضعف التغطية الأمنية وكثرة النزاعات الاثنية والقبلية واعتبار دول المنطقة من بين أفقر دول العالم، وهذه كلها عوامل أسهمت في خلق بيئة مناسبة لانتشار التنظيمات الدموية في المنطقة،
وتبقي ليبيا حلقة الوصل التي تربط تنقل الإرهابيين من سوريا والعراق الى منطقة الساحل الافريقي بسبب الفراغ المؤسساتي والأمني فيها.
 تزايد العمليات الإرهابية جاء رغم الانتشار العسكري الغربي «الفرنسي والأمريكي»، هل هذا التواجد العسكري عاجز عن مواجهة الدمويين أم هو مكلف بمهمة أخرى؟
 التواجد الفرنسي والأمريكي في المنطقة محدّد الأهداف فالولايات المتحدة الامريكية لا تعتبر منطقة الساحل الافريقي ذات أولوية في ظلّ سياسة الرئيس ترامب، خاصة بعد مقتل عساكر أمريكيين على الحدود المالية النيجرية، واكتفائها بتقديم الدعم اللوجسيتكي والاستخباراتي في المنطقة مع تواجد قليل لقواتها التي تتحرك في ليبيا وبعض دول المنطقة والاعتماد على قوة الافريكوم التي يقع مركز عملياتها في شتوتغارت بألمانيا، وبالتالي الدور الأمريكي هو دور استخباراتي اكثر منه عملياتي.  أما في ما يخصّ فرنسا فدورها كان يقوم أساسا على دعم الأنظمة السياسية في المنطقة وتقوم السياسة الفرنسية في المنطقة حسب الاستراتيجية التي صدرت في كتاب خاص يعرف بالكتاب الأبيض الذي صدر في عهد الرئيس هولاند، أين تمّ التدخل عسكريا في مالي سنة 2013 وأنشأت قوة الساحل في المنطقة، ولكن تواجدها بقي محصورا في بعض المناطق الاستراتجية التي تحمي المصالح الفرنسية تحديدا في العاصمة المالية بماكو أو حقول استخراج اليورانيوم في النيجر التي يعود استغلال المنطقة للشركة الفرنسية وبالتالي الدعم ضعيف، وما يؤكد تراجع أولوية المنطقة في اجندة هذه الدول، قرارات مجلس الأمن الأخيرة التي جاءت يوم الخميس الماضي لمعالجة الأوضاع في المنطقة بعد مقتل 28 عسكريا نيجريا والدعوة التي تقدمت بها بوركينافاسو لتقديم الدعم لدول الساحل الافريقي لكن الدول الخمس في مجلس الأمن اكتفت بالتعبير عن قلقها حول الأوضاع الإنسانية والأمنية بالمنطقة، وهذا مؤشر خطير يؤدي الى تزايد نفوذ التنظيمات الإرهابية على حساب دول المنطقة التي تعتبر ضعيفة، خاصة أن القوة الدولية لمحاربة الإرهاب المكونة من 5 آلاف عسكري لا تزال تعاني وترفض الولايات المتحدة توسيع الدعم الدولي، لها خاصة من طرف الأمم المتحدة.

تأخّر تطبيق اتفاق السلم  والمصالحة يرهن استقرار مالية


 تشهد دولة مالي انحدارا أمنيا سواء تعلّق الأمر بالعمليات التي ترتكبها المجموعات الارهابية أو بالعنف القبلي، لماذا هذا الانحدار وماذا عن مسار تطبيق اتفاق السلم والمصالحة الموقّع قبل سنوات  بوساطة ومرافقة جزائرية؟
 بالنسبة لمالي، فهي تعاني منذ 2013، من عدم استقرار سياسي وأمني، واتفاقية السلام الموقّعة في الجزائر استطاعت أن تعزل حركة الازواد عن التنظميات الإرهابية كحركة انصار الدين وإبقاء حركة الازواد الممثل الشرعي لإقليم الازواد والذي يبقي على تحقيق السلام والمواطنة، ولكن ضعف مؤسسات الدولة في مالي وبقاء المشاكل كالتنمية  والهجرة كأحد أسباب الاضطراب وعدم الاستقرار،  وبالتالي صعوبة التحكم في الأوضاع الداخلية، فاتفاق الجزائر يعمل في اطار السلام ما بين الازواد والحكومة المركزية وليس لمعالجة الإرهاب الذي يتطلب استراتيجية شاملة.

ما يملكه الدمويون من أسلحة لا تملكه دول المنطقة

 ما علاقة الوضع الليبي المتأزم بما تشهده منطقة غرب افريقيا من تصعيد إرهابي؟
 الوضع في ليبيا هو حلقة الوصل بين دول الساحل الافريقي والمناطق الأخرى، فالجنوب الليبي يعتبر الفضاء الأوسع لتموقع الجماعات الإرهابية والاجرامية مع تواجد كمية كبيرة من الأسلحة ليس التقليدية بل المتطورة، وهذا ما يتضحّ من خلال العمليات التي تتمّ في دول الساحل والتي تعتمد على أسلحة ثقيلة وصواريخ متطورة لا تمتلكها دول الساحل في حدّ ذاتها، وبالتالي منذ 2011 تزايدت معدلات العمليات الإرهابية في المنطقة بسبب انتشار الملايين من قطع السلاح في ليبيا وهذا دون أن ننسى ان تنظيم داعش أنشأ فرعا له وقام بالعديد من العمليات الاستعراضية خاصة في غرب وشرق ليبيا من قتل للرهائن المصريين والأفارقة، ولكن تراجع دوره بعد الضربات الدولية التي تلقاها وهذا لا يعني عدم وجوده بل انتقل من الشمال الى الجنوب،  فليبيا هي البوابة الأساسية للنشاط الإرهابي في المنطقة، واستقرار ليبيا سينعكس على استقرار المنطقة وهذا ما تسعى اليه الجزائر، خاصة ان الخط الإرهابي الذي يمتد من الصومال عبر تنظيم الشباب الصومالي الى غاية بوكو حرام بنيجيريا هذا الحزام تكمن عقدته في ليبيا التي تعتبر ممرا آمنا للسلاح والهجرة
والجريمة.

الجزائر مستعدة لمواجهة المخاطر المحيطة بها

 هل الجزائر في مأمن عن ما يجري بالساحل  وليبيا، وكيف السبيل لحماية نفسها من المخاطر التي تحيط بها؟
 الجزائر عانت من التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الافريقي خاصة القاعدة وحركة الجهاد  والتوحيد في غرب افريقيا والتي كانت موجّهة أساسا ضد الجزائر التي عرفت أكبر قدر من العمليات الإرهابية وعلى رأسها عملية تقنتورين، لكن يقظة الجيش الجزائري الذي يصدر بشكل دوري أرقاما حول الكشف عن الأسلحة والعتاد، خاصة في الجنوب والمناطق الحدودية لمالي والنيجر وليبيا، يؤكد على استهداف الجزائر والعمل على خلق الفوضى، وهذا لأهمية الجزائر ودورها المحوري في استقرار المنطقة، وحتى الدول الكبرى لا يمكنها التحرك الا بعد وضع الجزائر في حساباتها هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نجد ان الجزائر في الوقت الراهن مع الحراك الذي تعرفه تريد بعض الأطراف الاستثمار في الأوضاع لزرع الفتنة والبلبلة في البلاد من خلال اضعاف دور الجيش وتحويل اهتمامه للأوضاع في الداخل بدل التركيز على حراسة الحدود وحمايتها من الاخطار والتهديدات، فالمسألة معقدة في الجوار مع لبييا ومالي والنيجر وحتى موريتانيا، والجزائر تعتمد على استراتجية التعاون ما بين دول الساحل الافريقي وترفض الاطروحات التي تقدمها الدول الكبرى والتي تخدم اجندتها هي ولا تراعي مصلحة دول المنطقة، ولهذا يتوجّب تفعيل آليات التعاون المشترك، خاصة أن الجزائر تبنّت سياسة دول الميدان واعتماد مركز القيادة للناحية العسكرية السادسة كمقر لوجستيكي لدول الميدان  وهذا يبين أهمية الجزائر وإدراكها لحجم المخاطر القادمة من دول الجوار.