طباعة هذه الصفحة

بالرغم من تداعيات الأزمة السورية

لبنان عازم على تشكيل حكومة شراكة

جمال أوكيلي

إن اعتاد لبنان على الأحداث التي تشدّ إليها المتتبّعون لشأن هذا البلد، بحكم موقعه الجيو ـ استراتيجي ومتاخمة لدول تعيش على وقع اللاّإستقرار، فإنّ انشغال قيادته اليوم هو العمل على جبهتين، الأمنية والسياسية لمحاولة التحكم في الأوضاع وتفادي الانفلات، بالرغم من أنّ هذه المهمة صعبة ومعقّدة إلى درجة لا يمكن تصوّرها، خاصة مع تداعيات الأزمة السورية التي أثّرت تأثيرا مباشرا في سيرورة طبيعة أي مسعى يناشد تهدئة البلاد والعباد.
أمّا أمنيا فإنّ النزاع القائم في سوريا انتقل بشكل أو بآخر إلى لبنان، وهذا من خلال زعرعة استقرار المؤسسات عن طريق التفجيرات لملاحقة حزب الله الذي دفع بأنصاره في مستنقع الصراع في سوريا، وقدرة عناصره على حسم العديد من المعارك لصالحهم نظرا لكفاءاتهم العالية في العمل العسكري. وقد شعر خصومهم بأنّه منذ دخول قوات هذا التنظيم تغيّرت المعادلة على أرض الميدان، وخسرت المعارضة المسلّحة الكثير من سيطرتها على أجزاء مهمة من الأماكن التي كانت تحت سيطرتها.
ولم يجد هؤلاء «جبهة النصرة» وغيرهم أيّ خيار آخر سوى الذهاب إلى عقر دار حزب الله وضربه هناك، وقد وصل الأمر إلى دخول الضاحية الجنوبية التي تعدّ الموقع الحيوي لمسؤولي هذا الحزب، ناهيك عن اغتيال شخصية مرموقة في عالم الاتصالات وفي نفس المنطقة. وبالرغم من الفطنة التي يتمتّع بها الجهاز الأمني والاستخباراتي لحزب الله في الكشف عن جواسيس وعملاء إسرائيل الذي اصطادهم الواحد تلو الآخر، إلاّ أنّ هذه المرة عجز في معرفة مصدر الضربات التي يتعرّض لها والوقاية منها. ومازال الضغط يطاله إلى غاية انسحابه من سوريا، وإلاّ فإنّ لبنان سيتحوّل إلى حديقة خلفية للصّراعات الحادة التي تشهدها المنطقة، ومهما كانت هذه الضربات فإنّ حزب الله لا يتراجع عن ذلك، كون قراءة نصر الله لها أبعاد أخرى منها خاصة الإبقاء على المحور الإيراني ـ السوري ـ حزب الله قائما وثابتا في مواجهة كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وكل من يعادي هؤلاء أو يعمل لإضعافهم أو إلحاق الضرر.
وما من يوم يمر إلاّ ويتّضح فيه المشهد الأمني في هذه المنطقة وبخاصة في سوريا ولبنان،على أنّ غايته التدمير الذاتي. شعارهم في ذلك «البقاء للأقوى» حتى وإن انتقل النزاع إلى «جنيف ٢» فإنّ الواقع لا يغيّر شيئا فيما يجري من تصعيد، بدليل أنّ الكل يحمل في حقائبه ملفات «اللاّءات»، وما تمّ الإتفاق عليه ولم نسبيا هو الجانب الإنساني فقط، أما المواضيع أو النقاط الأكثر أهمية فإنّ هناك قبضة حديدية بشأنها لأنّ ما يحدث في الأرض هو الذي يحدّد الموقف.
وبالتوازي مع ذلك، فإنّ الطبقة السياسية في لبنان ترفض رفضا مطلقا وقاطعا هذه الأعمال التي تصفها بالإرهابية، كونها عطّلت كثيرا مسار البلد السياسي ومدّدت في الفراغ المؤسساتي وبخاصة تشكيل الحكومة. وفي هذا الشأن لم يتردّد الرئيس ميشال سليمان  في الإعلان الرسمي عن الجهاز التنفيذي في أقرب وقت يحمل الطابع الحيادي، يكون جامعا وبشراكة وطنية، على ثلاث ثمانات (الثلث لكل من فريقي ١٤ أذار و ٨ أذار والتيار الوسطي) قصد إنهاء هذا الإشكال بصفة حاسمة، ولمصلحة لبنان لا أكثر ولا أقل.
وهذه الدعوة هي بصدد الدراسة والبحث من قبل كل المعنيين لإخراج هذا البلد من هذه الضائقة الأمنية والسياسية، وتحريك دواليب الإقتصاد والخدمات وفق ما ينص عليه الدستور بعيدا عن الحسابات الضيقة التي توجد لدى البعض، في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث في سوريا أو إضفاء الطابع السياسي على الحكومة القادمة. والأخطر من ذلك إدراجها ضمن أجندة معينة تخرجها عن المهام المخول لها ألا وهي ضمان حماية مصالح الشعب اللبناني وترقية الأداء الميداني من تكفل بالمواطنين من خلال توفير لهم الكهرباء والمتطلبات اليومية. هذا المفهوم بالنسبة لحزب الله تجاوزه الزمن كونه يريد أن تساير هذه الحكومة خياراته وبالأساس مواجهة إسرائيل، لذلك فإنّ هناك توجّها يؤكّد على الطابع التقنوقراطي للحكومة أي حكومة كفاءات لا تضمّ السياسيين. وقد يصطدم هذا الأمر بمعارضة شديدة نظرا للسياقين الأمني والسياسي بالمنطقة، ورفض كل طرف الجلوس  مع الآخر بسب التباعد في تحليل الأوضاع في سوريا، والرهان على سقوط طرف على حساب طرف آخر، متناسين القاعدة الذهبية «لا غالب ولا مغلوب».