طباعة هذه الصفحة

قمّة « الناتو» تُعيد ترتيب أولوياتها الاستراتيجية

لماذا أقحم ترامب الصين في نقاش عسكري؟

جمال أوكيلي

إفترق قادة الحلف الأطلسي، عقب قمّتهم الأخيرة، بلندن على خلافات حادة لم يحسموا فيها نظرا لتداعيات التصريح الغريب الصادر عن ماكرون والذي وصف هذا الفضاء العسكري بأنه «في حالة موت دماغي»  كرّد مباشر على غياب التنسيق المحكم بين الأعضاء خاصة سلوكات الولايات المتحدة وتركيا إزاء النزاعات القائمة الحالية والانفراد بالقرارات دون العودة الى استشارة المعنيين المباشرين لاتخاذ الموقف المناسب.
هذا الوصف المفاجئ وغير المنتظر خيّم على الاجتماع بشكل مفرط طغى على بقية النقاط الأخرى المدرجة في جدول الأعمال، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أن ترامب اعتبره «إهانة وإساءة غير مسبوقة وبالرغم من هذه التجاذبات، فإن الرئيس الفرنسي لم يتخل عن رأيه هذا، مجددا موقفه مرّة ثانية أمام الأعضاء 29 إزاء اعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة حاليا والتي ماتزال نمطية في أدائها لاتخرج عن نطاق ملاحقة روسيا والتساؤل: هل هذا البلد يعدّ شريكا مؤهلا للعمل معه أم الابتعاد عنه؟ والتحلي بسياسة الحذر تجاهه.
غير أن قمّة لندن هذه المرّة خرجت عن التقليد المعمول به، وهذا عندما اقترح الرئيس الأمريكي مناقشة ماأسموه بـ» نفوذ الصين المتزايد»، إذ من غير العادة ان يتم تسجيل قضية معينة دون الحصول على ذلك الاجماع المتعارف حول الحيثيات العملية التي تسمح بتناول مثل هذا الموضوع دون البحث في أغواره، ومن بين هذه الانشغالات الأساسية ماهي علاقة ملف الصين بحلف عسكري؟ ولماذا أصرّ ترامب على ادخال هذه المسألة في البحث مابين الأعضاء؟ لا صلة بين الصين والحلف الأطلسي وقد أخطأ الرئيس الأمريكي خطأ فادحا واستراتيجيا عندما تمسّك برأيه هذا حتى يتخلص من كل عقده تجاه هذا البلد.
حاليا لانرى بأن هناك نزاعا عسكريا بين الصين ومنظومة الحلف الأطلسي... إذا لماذا أقحم ترامب هذا البلد في النقاش العام؟ كما أنه ليس هناك توترا مسلحا بين بكين وواشنطن، فلماذا مرّر الرئيس الأمريكي هذا الاقتراح دون معارضة من باقي الأعضاء الذين وقفوا كشهود زور ووافقوا على مثل هذه الدراسة دون إبداء أي موقف جدي لا يتماشى مع النوايا الأمريكية الخطيرة كمحاولة لتركيع هذا البلد.
خلفية ما أقدم عليه ترامب هو سعي دوائره الضيقة محاصرة الصين تجاريا خاصة وهذا المحور لاعلاقة له بالمفهوم الشامل للنزاعات العسكرية، بدليل أن ملف التبادل التجاري بين البلدين مازال محل تعطيل أمريكي مفضوح، في كل مرّة تُسرّب معلومات مفادها تسوية الإشكال المتعلق بالمخلفات الضريبية، إلا أنه يكشتف فيما بعد بأن دار لقمان ماتزال على حالها، وكأن شيئا لم ينجز حتى الآن، كل المساعي تراوح مكانها وتدور في حلقة مفرغة فإلى متى هذا التأخير المقصود من قبل الطرف الأمريكي؟
والأدهى والأمّر في كل مايجري هو أن الأمريكيين اعتبروا الشركة الصينية هواوي بأنها «؟ عسكرية» مانعة حضورها في السوق الداخلي، وهذا ماسبب لها متاعب على الصعيد الدولي بعد محاولة المساس بسمعتها وعلامتها المرّوجة عالميا، علما أن هواوي من الشركات الصينية العملاقة الناجحة تعتمد على أكثر من  40 ٪ كنسبة مخصّصة للبحث العلمي بداخل المؤسسة.
 ولم يتوان ترامب في الاشارة الى أن الصين مطالبة بأن تدرج صواريخها العابرة للقارات ضمن الاتفاقيات والمعاهدات السائرة على هذا النحو، وأن لا تبقى بعيدة عن الأنظار، هذه العناصر الأوّلية «التي أوردها الرئيس الأمريكي ليست مرجعية ثابتة من أجل ادراج الصين ضمن نقاشات الحلف الأطلسي، كونها تنبع من طبيعة العلاقات الثنائية دون أن تُطرح على الصيغة المتعدّدة الأطراف في تناولها، لأنها لاتحمل أي مؤشرات عسكرية وإنها ذات الطابع المدني البحث ولا تحتوي على أي تهديد يذكر على المجتمع الدولي أو على جهات أخرى.
لذلك، فإن العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة يجب أن تبقى في الاطار المعمول بها حاليا وأن لا تخرج عن هذه الدائرة الثنائية التي ماتزال سارية المفعول الى غاية يومنا هذا وتسعى لتحقيق النتائج المبحوث عنها وفق ما تتطلبه وتستدعيه مصلحة البلدين، فالناتو غير مخوّل له أن يتكفل بمثل هذه الملفات ذات الطابع المدني، كما أن التعامل الحالي هو أمريكي ـ صيني وليس صينيا ـ أطلسيا.