طباعة هذه الصفحة

آفاق سياسية واعدة للقضية الصحراوية

إستئنــاف مسار التسويـة وتعيـين المبعـوث الأممي

جمال أوكيلي

دعا رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون إلى استئناف المسار السياسي لتسوية القضية الصحراوية، وفق ما تقتضيه الشرعية الدولية، القائمة على مرجعية تقرير مصير الشعب الصحراوي من خلال السعي الجاد لتنظيم الاستفتاء، استنادا للوائح الصريحة والواضحة الصادرة عن مجلس الأمن مدعمة بمواقف مساندة على الصعيد العالمي.
الآليات العملية المتعلقة بالتعجيل في بعث هذا المسعى الحيوي تكمن في تعيين المبعوث الأممي في أقرب وقت ممكن تسمح فعلا في الشروع الفوري بإحياء الملف الصحراوي بعد محاولات يائسة أرادت عمدا الرهان على النسيان، وإحلال الطروحات غير الواقعية محل ما أقرته المجموعة الدولية من حل لا يخرج عن نطاق استعادة الصحراويين لحقوقهم المشروعة وغير القابلة للتصرف.
هذا الفراغ المسجل منذ استقالة كوهلر استغله البعض من أجل محاولة سده بأعمال منافية كليا لما يرمي إليه الاتحاد الإفريقي من إظهار إرادة صلبة في أن يكون صاحب المبادرة في الحل العادل والدائم مكمل لما تقوم به الأمم المتحدة منها بالأخص السماح لمبعوث الاتحاد الإفريقي بزيادة الأراضي الصحراوية غير أن القوة المحتلة رفضت دخول هذا المسؤول الإفريقي إلى العيون، كما أبدت قلقا متزايدا من إدراج منظومة حقوق الانسان في المهام المخوّلة إلى المينورسو، خوفا من الاطلاع على المضايقات والممارسات اليومية ضد المناضلين الصحراويين في المعتقلات، وغيرها حتى كوهلر شعر بأن هناك طرفا لا يبدي أي استعداد لهذه المساعدة قصد حل هذا النزاع، مما جعله يرمي المنشفة وينسحب احتجاجا على الانسداد الذي صنعه هؤلاء.
بحسب مصادر مطلعة فإن كوهلر كان على وشك إنهاء هذا الصراع المندلع منذ منتصف السبعينات وقد سار على هذا المسلك المنتظم الأممي بكل قناعة ودون تردد في مسايرة هذا المبعوث. عقب زياراته إلى الأراضي المحرّرة ولقاءاته بالقيادة الصحراوية الذي وجد عندها كل التسهيلات المطلوبة للمضي قدما في هذا الاتجاه المشجّع.
غير أن الضغوط الممارسة من قبل حلفاء المغرب وبخاصة فرنسا كسّر هذا العمل المنجز، مما أجبر كوهلر على ترك الجمل بما حمل والتخلي بصفة نهائية عن هذا الملف شاكرا الجميع على الثقة التي وضعوها فيه، ومتأسفا لما آل إليه الوضع نتاج التعنت المغربي ومن سار على دربه، ومنذ ذلك القرار لم تسجل أي محاولة لاقتراح بديل كوهلر.. صمت مطبق على هذا الجانب حتى الأمم المتحدة لم تتحرك في هذا الشأن، علما أن القضية الصحراوية لا تستدعي كل هذا التعطيل المزايد والذي كاد أن يصل إلى الوقوع في المخطط المدبر، ألا وهو إبعاد المسألة عن المحافل الدولية، ومحاصرتها من قبل أطراف مكشوفة باءت كل مؤامراتها بالفشل الذريع، وقد وقفنا على ذلك في أكثر من لقاء عندما سعوا إلى عدم السماح للوفد الصحراوي بدخول قاعة الاجتماعات والتشويش على حضوره، والأكثر منها تأليب عليه مشاركين آخرين، وكم من مرة ادعى الوفد المغربي بأنه تعرض لاعتداء من قبل الصحراويين. وقد نفى المنظمون نفيا قاطعا هذه الخزعبلات، كونها مجرد مناورات لا طائل من ورائها، أراد أصحابها استعطاف الناس.
ففي كل مرّة يتجدّد أو بالأحرى يتكرّر هذا السيناريو عمدا، ومع مرور الوقت انكشف أمر هؤلاء الحاقدين على الصحراويين، بعد أن سقطت كل مخططاتهم الفاشلة في الماء ..التي أرادت ضرب النجاحات السياسية للشعب الصحراوي.
هذه الخلفية السياسية جدير التذكير بها من باب عدم تكرار ما وقع لكوهلر بعد معاناة جيمس بيكر، بيترفان فالسوم، كريستوفر روس، من ضغوط رهيبة من قبل المغرب أجبر جميع المبعوثين على الرحيل حتى وان طالت عهدتهم أحيانا فإن التوّقعات كانت توحي بأن مهمتهم محدودة زمانيا من حيث سقف الحلول المراد تحقيقها وإنجازها، وتقع المسؤولية كل المسؤولية على المغرب.
ولذلك فإن دعوة الجزائر الصادرة، خلال القمة ٣٣ للاتحاد الإفريقي، إنما هي رسالة إلى المجتمع الدولي لتحمّل مسؤوليته التاريخية تجاه القضية الصحراوية بعدم إضاعة المزيد من الوقت بإجبار القوّة المحتلة على الانصياع للقرارات المطالبة بالتسوية العاجلة، فيكفي ما تعرض له من محاولات الطمس بالتواطؤ مع بعض الأطراف.
وهذا ما هو مطلوب من المبعوث الشخصي القادم للأمين العام في الالتزام بقرارات مجلس الأمن وعدم ترك المغرب يفسر محتواها وفق مزاجه، كما اعتاد على ذلك محدثا تشويشا مغرضا، أثار قلق الجميع ووصل الأمر بمندسيه إلى المساس الخطير وغير المقبول ببيانات، ووثائق قسم الصحافة بالأمم المتحدة، بوصف الصحراويين بأوصاف غير لائقة.
ولن يمر إقدام البعض من الدول الإفريقية على فتح سفارات لها بالعيون دون أن نندّد بذلك أشد التنديد مطالبين بسحبها فورا، كونها توجد فوق أرض محتلة بالقوة، منذ مسيرة العار التي شهدت حربا ضروسا أبلى فيها الصحراويون البلاء الحسن في استعادة أجزاء كبيرة من الأرض وأسر الآلاف من الجنود المغاربة الذين لم يطلق سراحهم إلا عندما طلب هذا البلد من الصحراويين وقف إطلاق النار بموجب اتفاقية في سنة ١٩٩١ تعهد فيها بتنظيم الاستفتاء بعد إحصاء الصحراويين، محاولا إغراق الصحراء الغربية بالمغاربة وإدراجهم في القوائم غير أن القيادة الصحراوية اشترطت بأن يكون التعداد من قبل شيوخ القبائل الذين يعرفون هوية كل واحد، وفشل مرة أخرى تلته خيبات الواحدة تلو الأخرى إلى غاية يومنا هذا.. فكيف لمسؤولي تلك البلدان أن سمحوا بنقل سفاراتهم إلى عاصمة محتلة حوّلوها إلى ثكنة.