طباعة هذه الصفحة

أبــي بشرايـــا البشــير لـ «الشعــب»:

البوليساريو .. “التلميذ النجيب” في مسار التسوية ولم تتلق الجائزة التي تستحق

أجرى الحوار: حمزة محصول

 الأمم المتحدة خاضعـــة لأجنــــدة الاحتــــلال المغربـــي

يتحدث الدبلوماسي الصحراوي، ممثل جبهة البوليساريو بأوروبا والاتحاد الأوروبي، أبي بشرايا البشير، في هذا الحوار الذي خصّ به «الشعب»، عن أهم مكتسبات الجمهورية العربية الصحراوية منذ تأسيسها قبل 44 سنة، كما يحذر من استمرار خضوع الأمم المتحدة لأجندة الاحتلال المغربي، لافتا إلى اقتناع الشعب الصحراوي أكثر من أي وقت مضى بعدم جدوى مسار التسوية الأممية.

- «الشعب»: بمناسبة الذكرى 44 لتأسيس الجمهورية الصحراوية، ماهي أهم الخلاصات التي يمكن أن تعبر عن رصيد كل هذه السنوات من الكفاح من أجل الاستقلال عبر تقرير المصير؟

 أبي بشرايا البشير: الحصائل كثيرة بالتأكيد، لكن أهمها في اعتقادي هو أن الجمهورية الصحراوية، بعد 44 سنة على إعلانها ما تزال هي الوعاء الأقوى والحاضنة الجامعة للصحراويين في مختلف نطاق تواجدهم من أجل مواصلة الكفاح لتحقيق هدف الاستقلال الوطني.
الجمهورية الصحراوية أداة نضال دبلوماسية لا تقدر بثمن، انتزع من خلالها الشعب الصحراوي اعتراف عشرات الدول، وبفضلها هو اليوم عضوا مؤسسا في الاتحاد الافريقي، المنظمة القارية الأم.
 بالإضافة الى كونها قد وفرت السياق السياسي والإداري لحركة التحرير الوطنية، جبهة البوليساريو، للشروع، وهي ما تزال في خضم حرب التحرير، في وضع الأسس القوية للدولة الصحراوية ومؤسساتها في مختلف الميادين الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية والادارية. بالرغم من ظروف اللجوء الصعبة، إلا أن مؤشرات التنمية البشرية في الجمهورية الصحراوية، خاصة ما يتعلق منها بالتعليم والرعاية الصحية، أفضل من العديد من الدول المستقلة، بما فيها المملكة المغربية ذاتها.
 من ناحية أخرى، وأمام تزايد أخطار الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والتي يعد المغرب أكبر رعاتها، فدور الجمهورية الصحراوية في ضمان أمن واستقرار المنطقة يتعزز يوما بعد يوم.
-   الأمم المتحدة مصابة بحالة جمود، ولازالت لم تعين لحد الآن مبعوثا أمميا الى المنطقة، منذ استقالة المبعوث السابق هورست كوهلر، رغم مراسلات رئيس الجمهورية الصحراوية ابراهيم غالي، كيف تفسّرون الأمر ؟
 دعني أوضح قضية مبدئية وهي أن تعيين مبعوث شخصي للأمين العام، ليس هدفا في حد ذاته، خاصة الآن، بعد اصطدام العديد من الوسطاء المرموقين وآخرهم كوهلر بتعنت المغرب ومحاباته من طرف مجلس الأمن الدولي بتأثير مباشر من فرنسا وقوى أخرى بدرجة أقل. لكن، أن ندخل الشهر التاسع، لأول مرة منذ أكثر من عقدين، بدون مبعوث شخصي يرعى مسار الوساطة باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فهذا في حد ذاته دليل واضح على قلة الاهتمام، لكي لا أقول شيئا آخر، الذي توليه الأمم المتحدة للنزاع ولتسويته العادلة. التأخر في تعيين مبعوث شخصي هو أحد تجليات خضوع الأمم المتحدة لأجندة الاحتلال المغربي، الذي يستغل حالة الفراغ الحالي لإطلاق ما يمكن من الألعاب النارية في سماء المدن المحتلة لإيهام الرأي العام الدولي بامتلاك شرعية مزيفة لاحتلاله العسكري للصحراء الغربية. على كل، نحن لم ولن نبقى مكتوفي الأيدي في انتظار مبعوث يأتي أو لا يأتي، وشروط استعادة ثقة الشعب الصحراوي واضحة في رسالة الرئيس غالي الى رئيس مجلس الأمن الدولي في جانفي 2020، ونحن ماضون في مسارنا التحرري ولا يجب أن نسمح ولن نسمح ببقاء الوضع على ما هو عليه، وعلى القوة العظمى التي تشجع المغرب على التمرد على الشرعية الدولية أن تتحمل مسؤولياتها إزاء ما قد يترتب عن تلك المواقف من نتائج وخيمة على أمن واستقرار المنطقة. منطقة هي في حاجة للسلام العادل الذي يؤسس للتكامل والازدهار والتنمية وحسن الجوار، بدلا من التوسع والمواجهة وقانون الغاب.
- وكأن بالمغرب يستلهم من السياسة الأمريكية-الإسرئيلية، تجاه القضية الفلسطينية من خلال التمكين للأمر الواقع، وأقصد السماح بفتح ما يسمى «قنصليات» لدول إفريقية في الأراضي المحتلة ومحاولة ضم المياه الإقليمية للصحراء الغربية وتنظيم تظاهرات رياضية، كيف تعلقون على ذلك؟
 علاقة المغرب بإسرائيل لم تكن سرا في أي يوم من الأيام، والدعم الغربي له، منذ البداية كان قربه من اسرائيل وتآمره على القضية الفلسطينية عاملا مهما فيه. وبالتأكيد فإن المملكة المغربية تستلهم دروس الاحتلال من اسرائيل والعكس صحيح. والتجربة التي يحاول البلدان تطبيقها بالتوازي وبشكل متطابق تقريبا هي، استغلال تقاعس المجتمع الدولي عن الايفاء بالتزاماته تجاه الشعبين الصحراوي والفلسطيني من أجل تعزيز الاحتلال على الأرض ومحاولة اضفاء شرعية عليه. القدس والعيون توجدان في مركز هذه السياسة ان من خلال نقل السفارات وفتح القنصليات وتنظيم المسابقات الرياضية والمؤتمرات الصورية، أو من خلال الجهود الممنهجة الهادفة الى تغيير ديمغرافيا المدينتين ومن ورائهما كل المدن المحتلة. وان كان المغرب يستفيد من التجربة الإسرائيلية فإن الصحراويين يستفيدون من التجربة الفلسطينية أيضا خاصة ما يتعلق منها بمآلات مسار أوسلو المخيب للآمال. الخطوات التي تتخذها جبهة البوليساريو والتي طالب المؤتمر الـ 15 للجبهة برفع وتيرتها وتجسيدها على الأرض، تعتبر استلهاما، بشكل أو بآخر، للتجربة الفلسطينية.
 فمخطط التسوية الحالي، وتواصل تقاعس الأمم المتحدة في فرض قرارتها وخضوعها لأجندة الاحتلال المغربي، يقودنا تدريجيا الى وضع أشبه بأوسلو في الصحراء الغربية. هذا المسار يجب أن يتوقف أو تعاد صياغته على أسس جديدة وإلا فإننا قد نجد أنفسنا في وضع شبيه بالذي يوجد فيه إخواننا الفلسطينيون الآن.
الاحتلال بطبعه يتأسس على منطق القوة وتصور أنها هي الحق في النهاية، والشعوب لا تستطيع انتظار العالم أن ينصفها الى ما لا نهاية. الشعب الصحراوي لن يقبل أن ينتظر الى ما لانهاية، فالزمن يسير في صالح الاحتلال والبوليساريو لعبت دور التلميذ النجيب في مسار التسوية الأممية، ولم تتلق الجائزة التي تستحق، بالعكس التلميذ المشاغب هو من يفرض أجندة الدروس الآن للأسف الشديد. هذا وضع لا يمكن أن يستمر.
- استضفنا في جريدة الشعب، وفدا فرنسيا عاد لتوّه من مخيمات اللاجئين، تحدث عن حالة الاحباط التي استشفها لدى الشعب الصحراوي، تجاه الدور الأممي، كما لاحظ في المقابل اقتناع الصحراويين بأن العودة الى الكفاح المسلح ستكون الحل الوحيد، ألا ينبغي أن يصل هذا الشعور الى المجتمع الدولي بشكل دقيق وصريح؟
 للأسف الشديد هذا هو الشعور الغالب لدى الشعب الصحراوي عامة، ومع الزمن يصعب التحكم في ما قد يقود إليه. لم يعد أحد مقتنعا بأن مسار التسوية، في شكله الحالي سيقود الى تمكين الشعب الصحراوي من حقه في الحرية والاستقلال. القيادات الصحراوية تواجه صعوبات حقيقية في ضبط اندفاع الشباب شرق الجدار العسكري المغربي وغربه، وأيا منا لا يملك حجة واحدة لتبرير مواصلة الانخراط في المسار كما هو الآن. المجتمع الدولي يدرك هذا الواقع حق الإدراك وأتمنى أن لا يخطئ التقدير في قدرة الشعب الصحراوي على رفع تحدي المواجهة المسلحة من جديد. الكركارات (منطقة) غشت/أوت 2016، كانت رسالة واضحة للعالم بأن الرهان على هدنة وقف اطلاق النار كوضع أبدي هو رهان خاطئ. وتلك النقطة من جغرافيا الصحراء الغربية عامرة الآن بأسباب الانفجار من جديد، حينها نكون قد أضعنا فرصة السلام، الذي لا يكلف إلا يوما واحدا من التصويت الديمقراطي في استفتاء، لنفتح أبواب المنطقة على مصراعيها أمام سنوات أخرى من الحرب والتدمير المتبادل، وهذه المرة شظايها سيكتوي بها الجميع، بمن فيهم أولئك الذين يشجعون المغرب على غطرسته الحالية.