طباعة هذه الصفحة

الدكتور محمد حسان دواجي:

يقظة إفريقية للخلاص من المنطق الكولونيالي للغرب

أجرت الحوار: إيمان كافي

 عملية «برخان» هدفها حماية المصالح الفرنسية لا محاربة الإرهاب

 يقف الدكتور محمد حسان دواجي، أستاذ بجامعة مستغانم، في حواره مع «الشعب» عند التوتر الذي تشهده العلاقات بين باريس وباماكو على ضوء تنامي رفض الماليين للتواجد العسكري الفرنسي، وتشكيكهم ليس فقط في عدم نجاعته بل وفي أهدافه الحقيقية، فالشعب المالي وحتى بعض المسؤولين وصلوا الى قناعة بأنه منذ التدخل الفرنسي في بلادهم والأوضاع تتقهقر من سيء إلى أسوإ، فقد تحولت هذه الدولة الى حاضنة للجماعات الإرهابية والمتطرفة بمختلف اتجاهاتها وأسمائها، إضافة إلى تدهور ظروفهم المعيشية التي تدفع بالكثيرين للارتماء في أحضان الدمويين، الأمر الذي يعزّز من شوكة الإرهاب  ويحوّل المنطقة الى بؤرة الإرهاب العالمي الأولى.
الدكتور محمد حسان دواجي، يقيّم 7 سنوات من التدخل العسكري الفرنسي في مالي، ويبحث في الأسباب الخفية له، وفي الوسائل التي تمكّن الماليين وشعوب منطقة الساحل عموما من إنهاء ظاهرة التدخلات الخارجية التي تجسّد منطقا كولونياليا يرهن حاضر ومستقبل أفريقيا.

- « الشعب» يبدو أن شهر العسل بين فرنسا ومالي قد انقضى لتطفو الخلافات بين الطرفين إلى السطح، إذ نسجل رفضا متناميا من الماليين للوجود العسكري الفرنسي وامتد الرفض لتعكسه تصريحات المسؤولين الماليين، ما أثار غضب فرنسا المتمسكة بمواقعها في إفريقيا، ما قراءتكم للتوتر الحاصل بين باريس وباماكو؟
 الدكتور محمد حسان دواجي: منذ التدخل الفرنسي في مالي والأوضاع تتقهقر من سيء إلى أسوء، فقد تحولت هذه الدولة الى حاضنة للجماعات الإرهابية والمتطرفة بمختلف اتجاهاتها وأسمائها، إضافة إلى تدهور الظروف المعيشية في ظل عجز السلطات عن إطلاق عملية تنمية شاملة وتشرد عشرات الآلاف من الماليين كنازحين أو لاجئين.
وإضافة لما تعيشه من أزمة داخلية، فقط تصاعدت الأصوات من فرنسا تدعو للانسحاب من مالي، وكذلك الأمر بالنسبة للجانب المالي حيث لم يعد بمقدور الماليين تحمل عبء التدخل الفرنسي سياسيا وأمنيا واجتماعيا.
- ما الذي يرفع نقمة الماليين على التواجد العسكري الفرنسي، هل هو الإخفاق في دحر الإرهابيين، أم هناك أسباب أخرى؟
 فيما يخص أسباب الخلاف المالي - الفرنسي، فهي تتمحور حول عدة نقاط، أهمها الفشل في دحر الجماعات الإرهابية وكذلك لارتباطها لاعتبارات جيوسياسية فهناك نخبة في مالي ترى في النفوذ الفرنسي أمرا جد سيء وسببا في وجود الإرهاب على أرضها، كما أن هناك تنامي لموقف إفريقي متصاعد رافض للنفوذ الأجنبي عامة في إفريقيا وبخاصة الفرنسي منه.
- بنظركم، ما هي حصيلة 7 سنوات من التدخل العسكري الفرنسي في مالي (نقاط النجاح والفشل)؟
فيما يتعلق بنتائج سنوات التدخل الفرنسي في مالي فهي حصيلة جد سلبية يمكن تلخيصها في ما يلي:
- توفير بيئة حاضنة للإرهاب في مالي شبيهة لتلك التي تتواجد بالصومال.
ـ تردي الوضع الإنساني في مالي.  
- تصنيف منطقة الساحل كأخطر المناطق عالميا بسبب سيطرة وفاعلية الجماعات الإرهابية.
ـ تعطيل المشاريع التنموية في المنطقة والساحل عموما.  
-التكالب الدولي للحصول على قواعد عسكرية في المنطقة.
 - فيما يخص الجزائر تسبب هذا التدخل في رفع درجة التأهب على الحدود
أما النقاط الإيجابية فيمكن حصرها في اتضاح فشل الإستراتيجية الفرنسية بالمنطقة وعدم فعاليتها.
- لماذا تصّر فرنسا على البقاء في مالي برغم الانتقادات التي تواجهها ليس فقط من الشعب، بل من المسؤولين أيضا؟
 تصّر فرنسا على البقاء في مالي رغم الانتقادات وهذا راجع لثلاثة أسباب وهي:
أولا: الحاجة لتصدير أزمتها الداخلية التي تمتد لعامها الثالث.
ثانيا: الحاجة لمناطق نفوذ للسيطرة على ثروات المنطقة ومنع دخول استثمارات أخرى منافسة لها في المنطقة كالصين وتركيا والهند وغيرها، ومنع أي عملية تكامل واندماج بين دول المنطقة.
ثالثا: استعمال هذا التواجد كورقة ضغط على دول المنطقة، ولعب ورقة الإرهاب الدولي في وجه سياسات الرفض للنفوذ الفرنسي، وهنا أخص بالذكر السياسة الجزائرية الجديدة الرافضة للنفوذ والهيمنة الفرنسية.
- رغم التواجد العسكري الخارجي، فإن الخطر الإرهابي على العكس تماما ارتفع بشكل رهيب في منطقة الساحل الإفريقي، كيف تقيّمون هذا الخطر وما أسباب تناميه؟
 إن تواجد الإرهاب لن يدحضه أي تدخل خارجي مهما كان، ولعل أحسن صورة ما حدث في العراق وقبله في أفغانستان، بل بالعكس أثبتت التجارب التاريخية أن التدخل العسكري في دولة ما يعتبر أهم وأكبر شروط تنامي الإرهاب والعنف ولعل النموذج الصومالي أحسن مثال يمكن الاستدلال به في هذا الموضوع.
بحيث أصبحت منطقة الساحل مرتعا للإرهاب وشبكات الإجرام الدولي بكل أنواعه وتشعباته من إرهاب مسلح، اختطاف، تجارة السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر، إضافة لتنامي الفقر والمجاعة والبؤس وانعدام أي آفاق للعيش الإنساني الكريم ولعل حملات الهجرة الشرعية وموت آلاف اللاجئين في الصحراء والبحار هي أبلغ صورة على هذا.

 الإنسحاب الفرنسي من مالي ضرورة

-  القوات الأجنبية أخفقت في مواجهة الدمويين بمنطقة الساحل، ومجموعة «5 ساحل» غير قادرة على تحقيق المعجزة في مواجهة غير متوازية مع المجموعات الإرهابية، والاتحاد الإفريقي يعتزم نشر قوة من 3 آلاف رجل، هل سيكون للتدخل المنتظم القاري نتائج إيجابية في تصوّركم؟
 لقد تأخر الدور الإفريقي في حل قضاياه ومشاكله، وهذا راجع بالأساس للدور والنفوذ الفرنسي في القارة، و التدخل العسكري الإفريقي لن يستطيع حل الأزمة بدون البحث عن طريقة لإخراج فرنسا من المنطقة ومن مالي الذي أصبح أكبر من ضرورة.

تطوير السياسات الوطنية لتجفيف منابع الإرهاب

- رغم تنامي المد الإرهابي بالساحل الإفريقي وتزايد ضحاياه، فإننا نسجل لامبالاة دولية اتجاهه، فهل هذا التجاهل مرّده إلى انشغال العالم بمسائل وأزمات أكثر أهمية أم أن الأمر يخفي نوايا مبيّتة وتعمد مقصود في تحويل المنطقة إلى بؤرة إرهاب عالمية لتحقيق أهداف معينة؟
إن عالم العلاقات الدولية يتسم بالبراغماتية والميكيافيلية ولا وجود للوازع الأخلاقي، وبالتالي فالقوى العالمية لا يهمها سكان المنطقة ومعاناتهم مقابل مصالحها وامتيازاتها في المنطقة، وللأسف الشديد رغم نهاية الفترة الاستعمارية بقيت الدول المستعمرة مهيمنة على مستعمراتها القديمة في اتفاق غير مكتوب بحيث بقيت فرنسا تحتفظ بما يشيع الوصاية على هذه الدول بتواطؤ مع المجتمع الدولي، وهذا أمر أصبح واضحا.
لكن العالم اليوم يشهد تغيرات عميقة في ميزان القوى وكذلك في تراجع إيديولوجيات عمّرت لقرون وظهور فكر ونخب جديدة تسعى لكسر هذا النمط في التعامل الدولي مع هذه القضايا، وربما تعد إفريقيا بوابة هذا الوعي الجديد المتنامي في العالم، خاصة من قبل الشعوب التي ذاقت ويلات الاستعمار ثم تبعات نفوذه داخل أروقة حكمها.
- كيف ترون المخرج لتزايد الخطر الإرهابي بالساحل الإفريقي، وهل يجب أن تقتصر المواجهة على الخيار العسكري؟
 في الأخير أظن أن أحسن طريقة للقضاء على الإرهاب هو تجفيف منابعه وتوفير بيئة لا تسمح بانتشاره، وهذا بتطوير سياسات وطنية خالية من كل ولاءات خارجية، والبحث عن تطوير هذه الدول وتنميتها اقتصاديا للقضاء على البؤس والفقر والحرمان والتي تعد أهم مسببات الإرهاب الحالي.
وعلى المستوى الاستراتيجي يجب العمل على تحويل مطامع الدول الكبرى إلى شراكات اقتصادية واستثمارات، وفق قاعدة «رابح رابح «، وهذا كحل تدريجي لتحقيق الاستقلال الحقيقي الذي تبحث عنه أغلب الدول الفقيرة.