طباعة هذه الصفحة

لم يعيّن مبعوثا جديدا منذ 10 أشهر

تفاقــم معانـاة الشعـــب الصحـراوي

حمزة محصول

تقف الأمم المتحدة، منذ ماي 2019، موقف المتفرج على تطورات الوضع في الصحراء الغربية، ولم يسبق أن تأخرت كل هذه المدة في تعيين مبعوث أممي جديد إلى المنطقة، رغم التراكمات التي قد تؤدي إلى الانفجار في أية لحظة.
عادت قضية الصحراء الغربية، إلى مربع الصفر، بعد استفاقة وجيزة بين نوفمبر 2018 ومارس 2019، شهدت تنظيم مائدتين مستديرتين بين جبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي والمغرب، إلى جانب الجزائر وموريتانيا كبلدين ملاحظين.
وكان مسار التسوية قد توقف سنة 2012، حينما انسحب المغرب بشكل أحادي من مفاوضات منهاست بالولايات المتحدة الأمريكية، واستطاع الافلات من كافة ضغوطات استئناف العملية السياسية وفق مقررات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى غاية تعيين الرئيس الألماني الأسبق هورست كوهلر مبعوثا شخصيا إلى المنطقة.
كوهلر الذي نجح، في تحريك المياه الراكدة،  بجمع طرفي النزاع إلى طاولة مستديرة، لمرتين متتاليتين في ظرف 4 أشهر، لم يصمد طويلا وقرر رمي المنشفة في ماي من العام الماضي مرجعا الأسباب «لدواع صحية».
غير أن الحقيقة التي دفعت هذا الدبلوماسي الألماني المرموق، إلى الانسحاب مثل سابقيه من المبعوثين الشخصيين، هو تعّنت المغرب وتمسكه بمقترح الحكم الذاتي المنافي للقانون الدولي والمخالفة للأحكام القضائية (محكمة العدل الأوروبية).
فلا شك أن كوهلر وقف جليا، على حجم القوة الداعمة والحامية لظهر الاحتلال المغربي، كي يستمر في استباحة الأرض والثروات الصحراوية، وإبرام اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع الاتحاد الأوروبي والشركات متعددة الجنسيات.
ولولا فرنسا، والقوى المستفيدة من الوضع القائم على الاحتلال في إقليم الصحراء الغربية، لما استطاع المغرب أن يفر ويتملص بهذا الشكل من الاتفاقيات التي وقع عليها مع جبهة البوليساريو وأوّلها اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، والذي نصّ بشكل صريح على تنظيم استفتاء تقرير المصير، وأنشئت لأجل تفعيله على الأرض بعثة المينورسو.
ولولا الغطاء الدبلوماسي الذي توفره فرنسا باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي، لما استطاع المغرب تحويل هزيمته العسكرية أمام جيش التحرير الصحراوي، إلى تحايل وتملص مستدام من الاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية.
يبقى، أن قضية الصحراء الغربية، بمبعوث أممي أو من دونه، لن تتغير من حيث الأصل أو المصير، فهي قضية تصفية استعمار باعتراف الأمم المتحدة وبشهادة مئات دول العالم التي لا تعترف بسيادة المغرب على الإقليم، وبالشهادات التي توثق مجازر الاحتلال المغربي من قتل وسجن وتنكيل وتعذيب وتشريد للصحراويين منذ عام 1975.
لكن المؤكد، أن الأمم المتحدة باعتبارها الراعي الرسمي، لمسار تسوية النزاع وفق قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة الأممية، لم تبق محل ثقة الشعب الصحراوي فمشاعر الإحباط والتذمّر بلغت ذروتها، منذ سنوات.
لقد اعترف الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، بالتقصير الفادح للمنظمة في حق الشعب الصحراوي، عندما زار مخيمات اللاجئين سنة 2015، وقال بصريح العبارة «جئت لألفت أنظار العالم لهذا الشعب المنسي»، بعدما وقف بعينه على حجم الغضب الذي يعتري الشباب الصحراوي من المعاملة الأممية التي تعتمد على نفس المسكنات من سنة إلى أخرى، ثم من نصف السنة إلى أخرى.
اليوم، وبعد مرور أكثر من 10 أشهر، لم يعين غوتيرس مبعوثا شخصيا خلفا لكوهلر، ولم يصدر تعليقا واحد، على استفزازات المغرب وسياسته التوسعية، بدءا من إبداء الرغبة في ضم المياه الإقليمية للصحراء الغربية، وصولا إلى السماح بفتح ما سمي بقنصليات لدول إفريقية، رغم أن وضعية الإقليم مصنفة ضمن اللجنة الرابعة الأممية على أنه «لا يتمتع بالاستقلال».
استلهام المغرب من السياسة الاسرئيلية، القائمة على فرض الأمر الواقع، لا يجب أن يربك الأمم المتحدة، لأن الشعب الصحراوي مستميت في الدفاع عن حقه في تقرير المصير وجاهز لكل الخيارات بل ويضغط على قيادته (جبهة البوليساريو)، من أجل استئناف الكفاح المسلح، بعدما شعر أكثر من أي وقت مضى أن فوزه  في الحرب يتعرض للسطو والسرقة من قبل رعاة السلام في العالم.
على الأمانة العامة للأمم المتحدة، أن تدرك بأن التأخر في تعيين مبعوث أممي جديد، لن يكون دون تبعات على الأرض، وفي ظل العجز والوهن الذي أصابها لن يكون في إمكانها التعامل مع أي طارئ أو مستجد، علما أن تداعيات تدهور الوضع ستؤثر على استقرار المنطقة ككل.