طباعة هذه الصفحة

الأستاذ فؤاد جدو:

الإتحاد الإفريقي قادر على هندسة السلم والأمن بالقارة

حوار: دفوس فضيلة

 تبني حلول محلية للمشاكل الإفريقية وإبعاد التدّخلات الخارجية

أفاد رئيس مجلس السلم والأمن الإفريقي إسماعيل شرقي، أن الاتحاد الإفريقي قرّر مؤخرا إرسال 3 آلاف عسكري إلى منطقة الساحل كجزء من جهوده في الحرب على الإرهاب. أشار إلى أنه سيتم نشر هذه القوات بالتعاون مع القوة المشتركة التابعة لمجموعة الساحل الإفريقي الخمس، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، دون ذكر موعد محدّد لذلك. «الشعب» تقف اليوم مع السيد فؤاد جدو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر، ببسكرة، عند هذا الاعلان، لتبحث في مغزاه وفي الدور الذي يقدّمه الاتحاد الافريقي لهندسة السلم والأمن في القارة السمراء ولمواجهة الأزمات والتحدّيات التي تعترض دوله.

« الشعب»: أعلن الاتحاد الإفريقي عزمه نشر 3 آلاف عسكري في منطقة الساحل قصد المشاركة في عملية كبح الإرهاب، ما قراءتكم لهذا القرار، وهل يدخل ضمن مساعي الاتحاد لاستعادة دوره المفقود في مواجهة المعضلات الأمنية التي تواجهها القارة السمراء؟
الأستاذ فؤاد جدو: مبادرة الاتحاد الإفريقي والمتمثلة في إرسال عسكريين الى منطقة الساحل الإفريقي تقع ضمن الالتزامات التي تبناها الاتحاد منذ تحوله من منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي، حيث خلق ما يعرف بمجلس الأمن وعمل على إنشاء قوات إفريقية لها مهام عسكرية تهدف إلى الحفاظ على الأمن في الدول التي تعرف نزاعات، وقد سبق للاتحاد أن أرسل قررات إلى السودان والكونغو، وبالتالي تأتي هذه المبادرة الأخيرة في سياق دعم جهود دول الساحل خاصة مالي والنيجر وتشاد في مواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في المنطقة مع تزايد التهديد الذي يتزامن مع الانفلات الأمني في ليبيا، وبالتالي يأتي هذا العمل في إطار مواجهة التهديدات، خاصة وأن الهجمات الإرهابية ضد القوات المالية والفرنسية والنيجيرية في الستة أشهر الأخيرة عرف تزايدا ملحوظا، وبالتالي لا أعتبر أن ما سيقوم به الاتحاد الإفريقي هو عودة بل تكملة لنشاطه، لكن الأمر في منطقة الساحل الإفريقي يعتبر حالة خاصة، لأنه منطقة نفوذ فرنسية من جهة وكذا وجود مبادرات أخرى تتمثل في أن هذه الدول شكلت ما يعرف بمجموعة دول الساحل الخمسة.
- رغم أن ملامحها لم تتضح بعد، كيف تتصوّرون شكل ودور القوة الإفريقية المزمع إنشاؤها، خاصة وأنه تم الإعلان عن أنها ستعمل مع مجموعة «5 ساحل» ومع «ايكواس» المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا؟
 بالنسبة لطبيعة القوة التي سيرسلها الاتحاد الإفريقي، هي لن تكون قوة ذات قدرات خاصة لأن القوات المشكلة قادمة من الدول الإفريقية التي تتميز بتواضعها من حيث التقنيات والعتاد، لكن أهميتها معنوية ولوجيستكية، حيث تعطي روحا تضامنية مع الدول الإفريقية وقيمة أكثر لرمزية أداء الاتحاد الإفريقي كقوة إقليمية يمكنها أن تحل بنفسها مشاكل القارة التي تعرف تهميشا من القوى الكبرى، وبالتالي هذه القوة ستدعم القوات المحلية من حيث العدد والعتاد، وهذا يعود لقدرات الدول الإفريقية التي تحاول بما تملكه، وأعتقد أن الجزائر ستساعد أيضا قوات الاتحاد الإفريقي بالعتاد العسكري والعمل الاستخباراتي واللوجيستيكي.

دور محدود لكنه فعّال

- واقعيا هل تستطيع إفريقيا حشد عسكريين لهذه القوة وتوفر لها الإمكانيات والتمويل، وهل تتوقعون نجاحها في حال تشكيلها؟
 أعتقد أنّ تكوين قوة من 3 آلاف عسكري ممكن جدا من طرف الاتحاد الإفريقي، لأن الدول الإفريقية تساهم في إرسال عدد من عناصرها العسكرية، لكن من حيث العتاد فإن هذا الأمر سيكون محور النقاش، لأن الجماعات الإرهابية المنتشرة في الساحل الإفريقي تمتلك تقنيات حربية استفادت منها سواء من ليبيا التي تعاني من انفلات أمني، أو من خلال التحالف مع التنظيمات الإجرامية وتجار البشر، وبالتالي لابد أن تساهم تقنيا وتزود الدول بالسلاح والعتاد، وهذا ما لا يمكن أن توفره الدول الإفريقية بشكل واسع لسبب بسيط وهو أن هذه الدول ضعيفة من حيث التطور التكنولوجي العسكري نظرا لضعف اقتصادياتها وبالتالي من الصعب أن تقدم إضافة نوعية بقدر ما هي مساهمة في دعم القوات المحلية للتصدي للهجمات الإرهابية.
- أي دور يمكن للجزائر أن تلعبه في تشكيل وتفعيل هذه القوة، خاصة وأنها لا ترسل قوات إلى الخارج؟
 كما قلت بأن دور الجزائر في منطقة الساحل الإفريقي هو دور أساسي ومحوري لا نقاش فيه، وبالتالي أي تحرّك أمني في المنطقة لابد أن يكون بتنسيق مع الجزائر وأي تجربة لا توجد فيها الجزائر ستؤول إلى الفشل، وبالتالي فإن الجزائر يمكن أن تضيف وتساهم من حيث الدعم اللوجستيكي والاستخباراتي، ولكن أكيد أنها لن تشارك بالقوات لأن هذا يخالف العقيدة العسكرية الجزائرية التي تمنع إرسال قوات الى خارج الحدود، ولكن خبرة الجزائر في محاربة الإرهاب واحتضانها مركز العمليات العسكرية في تمنراست وإشرافها على اتفاق السلام في مالي واحتضانها لمركز دراسات الإرهاب والأفريبول، هذه النقاط في مجملها تساهم في دعم أي تحرك أمني في منطقة الساحل دون إرسال قوات، وأيضا يمكن للجزائر أن تساعد بتقديم عتاد عسكري متطور في مواجهة التهديدات الأمنية بالمنطقة وتدعم القوات الإفريقية لمواجهة الجماعات الإرهابية والإجرامية.
- يقظةالإتحاد الإفريقي وتحركه إزاء قضايا القارة نسجّله أيضا تجاه الأزمة اللّيبية، حيث يعتزم المنتظم القاري إرسال بعثة ملاحظين مشتركة مع الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار في ليبيا، ما تعليقكم؟
 الدور الإفريقي في الأزمة الليبية أساسي، وهذا يأتي في سياق التحركات الدولية والتي تمت المطالبة بها في عدة مناسبات وكانت آخرها قمة ميونيخ التي دعت إلى مساهمة الإتحاد الإفريقي في حل الأزمة الليبية وبالتالي فإن مشاركة المنتظم القاري ضرورية لأسباب عديدة وهي أن حدود ليبيا تتقاطع مع العديد من الدول الإفريقية، خاصة التي تعرف انهيارا في أمنها كالنيجر وتشاد، وبالتالي من الضروري ومن مصلحة افريقيا أن تساهم في تفعيل السلام بليبيا، ولكن هذا يتوقف على مدى صدق الأطراف الخارجية في حل هذه الأزمة وأيضا التزام الأطراف الداخلية، وعلى دول الجوار الليبي المساهمة في دفع الأطراف الليبية للالتزام باتفاق السلام.

الحلول المحليّة أكثر فاعلية

- هل لاعتزام الاتحاد الإفريقي الإلقاء بثقله في عملية محاربة الإرهاب بالساحل علاقة بتزايد الخطر الإرهابي بهذه المنطقة وبإخفاق التدخل العسكري الأجنبي في هزم الدمويين؟
 من الواضح أن التحرك الإفريقي ناتج عن قناعة الدول الإفريقية بتبني الخيارات والحلول المحلية الإفريقية، خاصة أن التجارب أثبتت فشل الأطراف الأجنبية في إيجاد حلول للمشاكل الإفريقية وخير دليل على ذلك ما حدث في رواندا في التسعينات من القرن الماضي، حيث لم يكن للتدخل الدولي فعالية في الحد من موجة العنف وأيضا في الصومال والكونغو وغيرها، والأمر نفسه في منطقة الساحل التي طال فيها الإرهاب لما يزيد عن 8 سنوات، أن فرنسا لم تقدم إضافات لمواجهة الجماعات الإرهابية وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية التي تطالب بإقامة مكان لقوة أفريكوم بالمنطقة وهذا ما تعارضه الجزائر، وبالتالي فإفريقيا تدرك ضرورة التحرك منها وإليها وبرؤية إفريقية لمواجهة تنامي الإرهاب والجريمة المنظمة خاصة مع تزايد الهجمات مؤخرا.
- في تصوّركم، ما الأسباب التي تكبح دور الاتحاد الإفريقي في حل أزمات القارة، وهل ترك المجال مفتوحا أمام التدخلات الأجنبية يمكن فعلا أن يحقق نتائج إيجابية؟
 بالنسبة لكبح الدور الإفريقي فهو يعود لأسباب داخلية وأخرى خارجية، داخليا الدول الإفريقية، إما أنها تعاني من تنافس في بعض المناطق كالساحل الإفريقي حيث نجد مثلا المغرب يريد أن يكون له دور في المنطقة من خلال خلق تحالفات أخرى، أو لضعف أداء القوات الإفريقية الذي يعود أساسا لضعف الدول اقتصاديا وسياسيا وبالتالي من الصعب أن تقدم المزيد في ظل ما تعانيه أو ضعف ميزانية الاتحاد الإفريقي خاصة أن التزام الدول الإفريقية بدفع اشتراكاتها يعرف تذبذبا، وهذا يخلق ضعفا في تجهيز القوات الإفريقية، أما من الناحية الخارجية فنجد أن الدور الفرنسي هو الأكثر تأثيرا في المنطقة وبالتالي أي تحرك يأتي ضد المصالح الفرنسية يكون فيه تعطيل لهذه المساعي.
- في الأخير، الحكمة تقول: «ما حك جلدك غير ظفرك»، كيف نطبقها على أرض الواقع في إفريقيا؟
 أعتقد أن التحرك الإفريقي يمكن أن يحقق نتائجا إيجابية حتى وإن كان محدودا، ويمكن القول أن التجارب السابقة التي شاركت فيها القوات الإفريقية تساهم في الدفع بتغير الوضع عموما في منطقة الساحل الإفريقي، وإن كان محدودا لكنه ضروري لوقف التمدد الإرهابي والإجرامي بالمنطقة، وهذا يتوقف على إرادة الدول الإفريقية في تحقيق ذلك.